الوجوه التي أطلت علينا عبر الشاشات, وامتلأت بها ميادين مصر من التحرير إلي القائد إبراهيم أمس الأول كانت تطالب بنهاية حكم العسكر, وفي الواقع هي كانت تعلن عن نهوض الطبقة الوسطي لتمسك بمصير مصر, وتضع هي الأجندة السياسية والاجتماعية الجديدة للحقبة المقبلة أو بالأحري الجمهورية الثانية جمهورية25 يناير, لترث الجمهوية الأولي جمهورية23 يوليو1952, وأغلب الظن أن التفويض الذي سبق أن منحه المصريون لثوار52, ومن بعده وفي لحظة استثنائية لقادة المجلس العسكري خلال المواجهة مع مبارك هو تفويض انتهت صلاحيته, إلا أن ذلك لا يعني في الوقت نفسه أن ثقة هذه الجماهير, والطبقة المتوسطة في المؤسسة العسكرية, وقادتها قد اهتزت, بل علي العكس, ولكنها توصلت بعد60 عاما إلي أنها يجب أن تركز علي المهمة الأساسية: حماية حدود الوطن, وحماية الجمهورية, وحماية الديمقراطية, وحراسة عملية الانتقال السلمي للسلطة في البلاد, والأهم الامتثال لرأي الشعب, وتنفيذ أوامره بوصفه جيش الشعب وليس جيش النظام, وهو للأمانة التاريخية ما أدته المؤسسة العسكرية بمهنية عالية, وبروح وطنية منقطعة النظير, فقد أثبتت الأحداث في مصر وبقية دول الربيع العربي أن مصر لديها جيش تفاخر به الدنيا. والآن تقف مصر عند مفترق طرق ما بين النخبة المصرية الجديدة المتوهجة بالحيوية التي تحمل رؤية عصرية مقابل نخبة الأفكار القديمة والوجوه المتعبة لمعظم أجيال52, والمثقلة بالبيروقراطية المترهلة وغير المؤهلة والفاسدة, وغير القادرة علي تنفيذ الاصلاحات بالسرعة المطلوبة, كما أنها أي هذه البيروقراطية وصلت إلي مرحلة لن تستطيع بالقطع معها مجاراة الرؤي الجديدة للأجيال الشابة المتحفزة والمتعجلة لدخول مصر بسرعة إلي مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة والديمقراطية والمدنية والتي يحظي مواطنوها بقدر وافر من الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية. ويبقي أن المشاهد التي رأيناها لم تكن فقط تعلن عن نهاية حقبة حكم العسكريين, ولكنها أيضا تبشر بنهاية الدولة الأبوية, وهيمنة الأخ الأكبر الذي يعرف كل شيء, ويقدر ويقرر ماهو في صالح الرعية, والتي عليها أن تمتثل بالسمع والطاعة. وأحسب أن هذه الصيغة لن تستمر طويلا, حتي لو تم استبدال الإطار العسكري بآخر يمثله الإخوان والسلفيون, فقد تمرد المصريون أو لنقل أنهم قد نضجوا كثيرا في القرن الجديد لأن يسمعوا ويطيعوا, لأن شباب الإخوان والسلفيين وشباب الكنيسة.. والبقية خرجوا من عباءة الطاعة العمياء. والآن علي الجميع أن يدرك أن مصر تدخل عهدا جديدا, لن يكون الحكم فيه سهلا.. والمحاسبة ستكون صعبة وشاقة! المزيد من أعمدة محمد صابرين