مدهش المشهد السياسى المصرى فمن اللحظة الراهنة .. نحن فى مواجهة بيئة جامحة متمردة يرفض فيها البعض استخدام «تعبيرات هادئة»، وتبحث غالبية النخب عن «توصيفات» تلائم «الثقافة المعتادة» التى ترفض الابتكار، ويصر هؤلاء على استخدامات تقليدية لا يرغب بها أبناء الجيل الجديد لكنهم مضطرون لها، وشيء من هذا يحدث الآن، فلاتزال «الوجوه القديمة» التى فقدت صلاحيتها منذ زمن تصر على صدارة المشهد، بل وإختطاف المشير السيسى المرشح الأقرب للوصول إلى القصر الرئاسي. وهنا تلوح أعظم الأخطار التى تهدد «حلم المصريين» بالتخلص من «الفاشية الدينية» الممثلة فى جماعة الإخوان الإرهابية، وجماعات الإرهاب المتدثرة بشعارات دينية.. ومع التسليم بخطورة هذه الجماعات إلا ان «الخطر الأعظم» هو أختطاف السيسى من «النخبة البليدة» التى لا تعرف سوى «وصفات قديمة» فات أوانها، بل وأنتهت صلاحيتها، ولم تعد قادرة إلا على تقديم «أجوبة الماضي» على «أسئلة المستقبل» ومن هنا فإن المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى يتعين أن يدرك أن «نجاة مصر» تتلخص فى العبور إلى «دولة ديمقراطية حديثة مزدهرة اقتصاديا» تتسع لأحلام الجميع، وأن يشعر غالبية المصريين بأن «الرئيس السيسي» هو بحق «رئيس كل المصريين» وأن يبرهن من الآن أنه لم يتم اختطافه من قبل «فصيل أو تيار سياسى معين» وألا يكون أسيرا لأهله وعشيرته سواء بحكم الدم أو الانتماء السياسى نظرا لان مصر أكبر من أنصار المعزول والمخلوع، بل وأكبر من محاولات «الناصريين» و«اليساريين» لتأميم السلطة والفوز بغنائمها لهم وحدهم، فلعمرى أن ذلك سيكون البداية الأكيدة للغضب، و«الجسر الحقيقي» لتفجر الأوضاع، والسحب الأكيد من رصيد السيسي، وأحسب أن «دروس الماضي» مازالت حاضرة بقوة وتقول لنا بقسوة إنه لا مستقبل لسياسات يمكن وصفها بأنها «ذات العطر فى زجاجة جديدة» فالمطلوب «عطر جديد» فى زجاجة عصرية جديدة تنتمى للزمن المقبل لا الراحل؟! . ومن الأمور الجيدة أن النظرة المتعمقة للمستقبل القريب ترجح أن لا مستقبل لجماعة الإخوان، بل فى أحسن الأحوال «وجود هش» لانصار الجماعة، وجماعات «الإسلام السياسي» مما يوفر فرصة جيدة للرئيس القادم، ويعرض د.عزمى خليفة المستشار الأكاديمى للمركز القومى للدراسات الاستراتيجية 3 سيناريوهات لمستقبل الجماعة فى الاقليم وهي: أولا: الحفاظ على الوجود فى المشهد السياسى المصري، ولكن بجيل جديد من القيادات الأصغر سنا (احتمال ضعيف، لأن اختفاء القيادات سيؤدى إلى تشرذمها) . ثانيا: إلا تتمكن من الحفاظ على وجودها كما حدث عقب أزمتى 54 و1965 (سيناريو سوف يصيبها بقدر كبير من الضعف، وخاصة أن الدول العربية والخليجية خاصة لن تسمح لها بالهجرة إليها). ثالثا: أما السيناريو الأسوأ فهو استمرار تحالف الجماعة مع الجماعات والتيارات الجهادية لانهاك الجيش وتشويه صورته عبر شن حرب استنزاف ضده. (لا يتوقع أن يستمر هذا السيناريو طويلا لأن من يواجه الإرهاب اليوم فى مصر فهى الدولة بكامل مؤسساتها، والمجتمع بجميع قطاعاته وتنظيماته المدنية، كما أن المؤسسات الأمنية فى دول المنطقة توجه ضربات حاسمة للجماعة، ويتوقع أن تلجأ لحظر تشكيلاتها تماما). . ويبدو مما سبق أن «السر» فى النجاح الحالي، و«الانتصار النهائي» للرئيس الأرجح عبدالفتاح السيسى هو الحفاظ على «هذه اللحمة» ما بين الدولة والمجتمع فى مواجهة الجماعة الإرهابية، والا يسمح بتفكك التحالف الاستراتيجى الواسع لقوى 30 يونيو. وهنا نعرض لتساؤلات الباحثة الأمريكية ميشال دان بمركز دروكينجز الشهير، والتى أختارت أن تضعها تحت عنوان «خمسة أسئلة للسيسي.. رجل مصر الغامض». وأسئلة الباحثة كالتالي: (1) هل يدرك السيسى أن البلاد تمر بمرحلة من الانقسام والنزاع الداخلى غير المسبوقة، وأن المصالحة الوطنية باتت مطلوبة الآن؟ وتشير إلى أنه لوح بذلك فى خطابه يوم 26 مارس ولكنه بسرعة تحرك ليدين اعداء خارجين وفى الداخل والمنطقة ولكن دون أن يسميهم. (2) هل يمد السيسى «أغصان الزيتون» للذين يشعرون أنهم استبعدوا وجرى مضايقتهم منذ يوليو 2013 (الشباب، الصحفيون، ومنظمات المجتمع المدني، ومنتقدو الحكم العسكري) ناهيك عن مؤيدى الإخوان المسلمين؟ وتقول ان السيسى فى خطابه اقترح أن أى مصرى لم تتم ادانته قضائيا يجب اعتباره «شريكا كاملا». (3) هل أظهر السيسى وعبر عن التزامه بتطبيق النصوص التى تحمى حقوق الإنسان الموجودة فى الدستور المصري، وتقول ان لم تكن هناك مؤشرات على ذلك فى خطابه وانما وعد باعادة بناء الدولة. (4) هل أظهر السيسى إلتزاما بالتعددية السياسية، وإتخاذ خطوات لإعادة فتح المجال السياسى أمام كل من العلمانيين والإسلاميين، وتعقب انه لم يعط سوى إيماءات سريعة بإتجاه الديمقراطية فى خطابه يوم الأربعاء الماضي. (5) هل ناقش السيسى دور القطاع العام وخاصة المؤسسة العسكرية فى الاقتصاد كمضاد لدور القطاع الخاص. وهل يعترف بان قطاعا خاصا حرا وفعالا يمكنه أن يوفر الوظائف التى تحتاج إليها قوة العمل المصرية الضخمة والتى تنمو بقوة؟ وتعترف بأن السيسى قال إن «الطاقات الإنتاجية» فى كل القطاعات يجب إعادة إحيائها، وانه قال ان مصر لا يمكن أن تعتمد على المعونات الخليجية إلى الأبد. ويبقى أن الأسئلة تنطلق من أرضية منحازة ولديها شكوك عميقة بشأن نوايا السيسى إلا أن التجربة علمتنا أن «الأفعال» أهم من الأقوال. والنقطة الفاصلة هى تجاوب الشعب مع الرئيس القادم، واستجابة الرئيس للأمانى المشروعة للشعب من عيش وحرية وعدالة اجتماعية واستقلال وطني، وحتى هذه اللحظة فإن الغالبية من المصريين تشعر بالأمن، وتتطلع بآمال عريضة إلى المستقبل وتضع «أمنيات كبري» على السيسى وهى الضمان لئلا يختطف أحد السيسى أو «مستقبل مصر» سواء من الداخل أو الخارج، والأيام وحدها تثبت أن المصريين دائما على حق. لمزيد من مقالات محمد صابرين