«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تمام يا فندم
نشر في الأهرام اليومي يوم 29 - 03 - 2014

السيد عبدالفتاح السيسى.. ألف سلام مدنى وتحية شعبية تمحو ما بيننا الرتب وتُبقى مشاعر الود وكامل الاحترام..
أخيرا وليس آخرا.. فما بيننا يا سيدى ليس له أول ولن يكون له آخر، فنحن معاً حدوتة الزمان عندما تأتى الأيام للمعذبين فى الأرض بالبطل.. أخيرا رأيناك تقولها.. ذلك الذى انتظرنا سماعه منك طويلا ليمر كل يوم كل ساعة كل دقيقة بدونها كما الدهر، وذاك بعدما وعدتنا بأن تكون قدّها.. وأنت لها.. قلتها وفى نبراتك الشجن لوداع ردائك العسكرى الذى لاصق جلدك منذ الخامسة عشرة لتتسارع النجوم والأوسمة والنياشين والرتب والتيجان لتُزين صدرك وتغزو كاتفيك وتعلو هامتك تقديرًا لك.. الآن جاءتك ساعة الحسم.. البطل مع النفس وجهاً لوجه، والبطل لا يولد وحده.. البطل يُخلق ولابد كى يوجد أن يتفتح فى ظل إحساس عام بضرورة البطولة. بروعة البطولة. بتفرد البطل.. بافتقاد البطل.. البطولة قيمة ولابد أن توجد وسط محصول وافر من القيم.. الآن تتخلى ببطولة عن لمعة الزى لتهبط إلى المعترك.. تنضوه عن أكتافك بملء إرادتنا نحن من قبل إرادتك.. ناديناك بالملايين إلى صفوفنا فى الميادين والساحات وطوابير الغاز والعيش والمواصلات لتأتينا بالقميص والبنطلون الجينز الكاجوال وليس بزى الضابط وكامل الانضباط فلبيت النداء.. فإذا ما كان رداؤنا يا سيدى بلا نجوم فإن محبة الشعب وثقة الأرامل وأبناء الشهداء ومحاربى رمال سيناء وسكان ممرات السيول والمهمشين والغارمين والمظلومين والمهجرين من انهيارات زيف الخرسانات لها ضىّ النجوم والثريا والأقمار والشموس والقناديل وهالات الفخار والنور..
ويمين الله يا سيدى لن تتغير إطلالتك فى عيوننا بالبدلة الميرى أو بالزى المدنى فقد التقطنا صورتك وطبعناها من زمن على واجهة ضمير مصر الوطنى بعدما أدركنا بوعينا الفطرى تجاه بوصلة الصدق أن مسئوليتك لن تتجزأ من خلف الدبابة أو خلف المكتب، فالجيش والشعب إيد واحدة، والملامح الإنسانية واحدة، والثقة بالنفس والشعب واحدة، والمشاعر الحميمة واحدة، والوعد بالحق واحد، والشفافية واحدة، وضرب المثل بالنفس واحد، والذود عن الديار والحدود والأهل والجار واحد، والعزيمة واحدة، ونبرة الكرامة واحدة، والعزّة والإباء واحد، والعروبة واحدة، والاعتراف بالجميل واحد، وعدم نسيان من مد إلينا يده بالسلام ومن مدها بالسلاح واحد، والوعد بالأخذ بالثأر واحد، والثواب والعقاب واحد.. بالبدلة العسكرية أو فى الزى المدنى.. و..ربما الشىء الوحيد الذى سيتغير فى صورة شرخ الشباب هو ذلك المشيب الذى سيعلو ولابد المرفقين ما بين ليلة وضحاها فمسئوليتنا نحن شعبك الثائر المتأجج الذى لا يعجبه العجب.. ضخمة.. يشيب لها الوجدان والأبطال.. ولكن قلوبنا معك وسواعدنا من خلفك بعدما دقت ساعة العمل.. لتجمع شملنا وتلملم شعثنا.
هذا وقد لاحظنا فى خطاباتك لنا أن هناك بعضاً من الجُمل تحرص على تكرارها سيادتك من باب التأكيد والتوكيد والحفر فى الأذهان.. ونحن الآن وفى هذا المجال وعلى نفس الدرب نؤكد لك مرة واتنين وعشرة وتسعين مليون وزيادة أن أحلام سيادتك أوامر.. وتمام يا فندم.. وجاهزين يا باشا.. وما عليك سوى الإشارة فقد أصبحنا بعدما صدقناك جميعا مجندين فى سلاح الإشارة، وبدفقة حماسة منك فى شرايين الوطن حنكون سلاح مدرعات، صاعقة، ودفاع جوى، وبحرية، ونحلّق بالأباتشى، ونكتسح أنفاق، ونقوم بمهمات عامة وخاصة، ونحرِّم الحياة على أعداء الحياة إرهابى جبل الحلال.. ونقضى على مظاهرات الجامعات التى لم نعد ندرى فيما إذا كانت ثورة ارتدت ثوب الإجرام أم أنه الإجرام وقد ارتدى ثورة؟!
البطل لا يِعدُ بالمعجزة.. يكفيه من أجلنا ما أنجزه.. لكن الرجاء: تبَّسم يا سيدى فقد عاهدناك مبتسماً والبسمة تصنع المعجزات..
قف ل..صلاح حافظ
عندما غزت الراحلة سميرة خاشقجى الساحة الصحفية بمجلتها المصقولة «الشرقية» فى منتصف الثمانينيات اقتطفت من ميدان الكفاءة الصحفية المصرية خيرة ثمارها حتى أنها اتخذت من الكاتب الصحفى القدير صلاح حافظ مستشارا صحفيا لها، فلم يقتنع بانحصارها داخل دوائر المجلات الخليجية المخملية وماركات الساعات والبارفانات، فمنحها النفس الصحفى الجذاب، وضخ فيها موضوعات وتحقيقات ميدانية واجتماعية تجذب اهتمام القارئ العربى من الجنسين، ونفخ فيها من الروح المصرية الوثابة الحريفة.. وبمناسبة تخرج العدد الأول من الشرقية فى مدرسة صلاح حافظ الصحفية المعنية بالشكل والمضمون، ثالث مدرسة فى تحديث الصحافة المصرية المعاصرة من بعد المدرسة الأولى لمحمد التابعى المهتمة بالرأى والتحليل الدقيق، والمدرسة الثانية لمصطفى وعلى أمين باهتمامها بالخبر الصاعق المثير الذى يتضخم بالعبارات الرشيقة المدربة حتى يتحول إلى أسطورة يستقى منها نجيب محفوظ بعض رواياته مثل اللص والكلاب.. بمناسبة المولودة الجديدة وفى فمها ملعقة الذهب أقامت سميرة حفلتها فى قصرها بالزمالك وذهبنا كمدعوين نجلس فى الحدائق الغناء حول موائد عامرة بلا حساب لتشدو لنا ضمن برنامج حاشد المطربة صباح فى قمة دلالها وتألقها.. وتنتهى الشحرورة من الغناء لتهبط توزع أوراق ورد أنسها على المعجبين، وتصل إلى دائرتنا فتزيد وتعيد من ترحيبها بالذات بصلاح حافظ الأسمر الرزين الحكيم الدمث صاحب الابتسامة التى لا تغيب عنها شمس.. وقسما لو أن الجالس بين رخات تدليلها من حجر صوان لما كان رد فعله إلا مشابها لمجاملة صلاح التى غلفها حذرا مراعيا عاملا ألف حساب وحساب للزوجة الرابضة بجواره هالة الحفناوى التى لم تستطع السيطرة على جماح عصبيتها طويلا فاندفعت تغادر الحفل تاركة من خلفها فى أجواء المساء الناعم أشواكا ورعودا، خاصة بعدما هرول فى أعقابها الزوج المغلوب على أمره ململما مخلفاته من علبة السجائر والمفاتيح التى ساعدناه متعاطفين على جمعها، بعدما ودعنا من تحت نظارته بعينين مبتسمتين فيهما مزيج من الإحراج والمرارة والسخرية وغرور الرجل المغار عليه.. عينان تكملان وقع ابتسامة شفتيه الدائمة التى لا تعنى كلها سعادة!
مثل تلك الابتسامة كانت على وجه صلاح حافظ فى أواخر السبعينيات عندما اجتمع السادات بعدد من الصحفيين ورؤساء التحرير والكتاب والإذاعيين ومجلس نقابة الصحفيين لتجديد ولاية رؤساء التحرير ورؤساء المؤسسات فى استراحته بالقناطر الخيرية، وألقى السادات يومها بالقائمة التى منها إبراهيم نافع للأهرام ومكرم محمد أحمد للمصور وموسى صبرى للأخبار، ثم توقف أثناء قوله بعدما رجع إلى الخلف فى مقعده ليشعل تبغ البايب بعد تسليكه بتؤدة: ونأتى لروزااليوسف.. ما رأيك يا صلاح صلاح حافظ في18 و19 يناير.. ها.. انتفاضة شعبية يا صلاح ولا انتفاضة حرامية؟!.. وكان وراء السؤال خلفياته، فعندما خرجت المظاهرات احتجاجا على ارتفاع الأسعار فى يناير1977 واستعد وقتها السادات لترحيل أسرته إلى الخرطوم تخوفا على حياة أفرادها وانتظر يراقب التطورات فى استراحة أسوان.. أثناء تلك الأحداث اتخذت روزاليوسف برئاسة صلاح حافظ موقفا خاصا دافعت فيه عن المتظاهرين بأنها انتفاضة شعبية وليس كما تقول السلطة انتفاضة حرامية، وبعدها اتخذ الرئيس السادات قرارا بتنحية المسئولين الثلاثة عن روزااليوسف عن عملهم وهم عبدالرحمن الشرقاوى رئيس المؤسسة، ورئيسا التحرير صلاح حافظ وفتحى غانم اللذان كانا قد استمرا فى عملهما لمدة أربع سنوات كان فيها فتحى غانم يمثل الاستراتيجية، وصلاح حافظ التكتيك، ونجحت روزاليوسف وقتها نجاحا فاق كل تصور.. دوى سؤال السادات فى القاعة وانتقلت الأنظار لصلاح حافظ لتفاجئهم ابتسامته التى ترسم تعبيرا لا يعنى كله سعادة وهو يشرح بلا تلعثم من جديد كيف أن هناك عوامل موضوعية أدت للانتفاضة وأن دخول بعض العابثين فى صفوفها لا يعنى أنها انتفاضة حرامية.. وابتسم السادات فى المقابل قائلا: يعنى يا صلاح الدوجما اللى فى دماغك زى ما هي، طيب أنا كنت حاختارك رئيس تحرير لروزاليوسف.. خليك بقى المرة دى والسيد يقصد عبدالعزيز خميس رفيقه فى قضية مقتل أمين عثمان السيد سوف يكون رئيسا للتحرير.. وابتسم الجميع وترددت النكتة بأن صلاح حافظ قد رسب فى الشفهي.
الكاتب الصحفى الروائى الأديب القصصى التليفزيونجى المبتسم دوما كانت الكاميرا سببا فى سجنه خلف أسوار معتقل المحاريق فى الوادى الجديد تاركا زوجته الأولى الممثلة هدى زكى وابنه شريف وابنته تحية ليغيب فى بعد الصحراء ثمانى سنوات طوال.. كانت الكاميرا الآثمة من ماركة لوبى اشتراها له الرسام هبة عنايت بستة جنيهات ليمارس بعدستها هوايته فى تسجيل والتقاط الوقائع والأحداث، أما علاقتها بالاعتقال فهى أن البوليس السياسى الذى لم تغفل عيون مراقبته لحظة واحدة عن تحركات وخلجات بطلنا صلاح، قرر مداهمة بيته يوما فلاحظ وضع تلك الكاميرا فى مكان استراتيجى فقام بالتحفظ عليها، وعندما فتحها عثر بداخلها على دليل الإدانة، وكان مجرد ورقة صغيرة مطوية عدة مرات كأوراق برشام الغش فى الامتحانات مكتوبة بحروف غاية فى الدقة تم وضعها بين الفيلم الخام بمقاس120 الذى ينتج12 صورة بمقاس6*6 وبين شريط الورق الذى يلفه، وكانت الورقة المدانة مسودة لمنشور ثورى لتنظيم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني.. و.. لم تغب الابتسامة عندما أدخل صلاح لسجنه الانفرادى ولا بعد أن سمح له بمخالطة زملائه ليغنى لهم أثناء قيامهم بالأعمال الثقيلة الوطأة كغسل الملابس والأطباق وتنقية الأرز الخ.. وكان يصدر فى السجن جريدته المسموعة التى أطلق عليها اسم «حميدة» قطة السجن التى تموء وتخدش كل مظهر سلبى وتقدم عروضا لغوية كاريكاتيرية ساخرة فى فقرات يعلق فيها صلاح بدعاباته على خصومه فى المنظمات السياسية الأخري.. وهناك فى تلك الحياة القاحلة كان يتقبل السجن كأمر واقع كأنه سيعيش فيه أبدا، وأنه المكان الطبيعى للإنسان، وأبدا لم يشاهد مرة وعلى وجهه أية علامة للقلق، ولم يسأل مرة متبرما متى يحين وقت الإفراج؟!.. كان مشغولا بأعماله، منشغلا بهموم الآخرين وليس لديه دقيقة تعد فائضا من الوقت، فالأعباء الملقاة على كاهله كثيرة وعليه وحده أن ينجزها، كتأليف رواية أو إخراج مسرحية أو الإعداد لحفل سمر أو إلقاء محاضرات أو علاج زملائه من المعتقلين أو الحرس الجنود.. وحدث أن جاء مأمور جديد صارم لا يتردد فى البطش والقسوة بالمعتقلين ولكن.. بعد فترة ابتلع ولداه أقراصا كانت دواء مهدئا له تركها سهوا بجوار فراشه فى البيت، فانهار الرجل وسارع يطلب معونة الأطباء المعتقلين، فراح صلاح حافظ وشريف حتاتة لإسعاف الطفلين، وبينما كانا يجريان الإسعافات الطبية كان المأمور يبكى ويتوسل إلى السماء قائلا: يارب.. انقذ لى ولو ولد واحد..!.. فرد عليه صلاح: وواحد ليه.. ده ربنا كبير ينقذ الاتنين.. وتعجب المأمور من الرد ليقول: الله انتم اليساريين بتعرفوا ربنا زينا؟! وجاء رد صلاح: نعم.. ونعرفه أكثر منكم.. نعرفه بالتصرفات لا بالكلام.. وعندما عاد صلاح حافظ إلى الحرية ظل المأمور الذى أصبح لينا متفهما بعد حادثة إنقاذ طفليه صديقا لصلاح حتى النهاية.. وفى معتقل الواحات من عام1954 حتى عام1962 بين الرمال والجفاف والأوامر والنواهى كتب صلاح رواية «المتمردون» وقدم مسرحيتى «الخبز» و«الحل الأخير» ورواية «القطار» وعشرات من القصص القصيرة التى نشر بعضها فى مجموعتى أيام القلق والولد الذى جعلنا لا ندفع..
خرج صلاح من السجن لتتسع مرارة ابتسامته بعد أن أصبح بلا قناعة فى الانضمام إلى أى من التنظيمات الشيوعية، فقد كشفت له تجربة السجن مدى التمزق والانقسام فى هذه المنظمات، وقرر أن يكون حرا يدافع بقلمه عن كل المظلومين فى الأرض ويقول الحقيقة التى يشعر بها وجدانه.. و.. لم يسلم صلاح من هجوم اليمين ولا هجوم اليسار، فاليمين هاجمه وبضراوة لأنه فى عيونهم شيوعى خطير ويسارى مغامر وماركسى منذ مولده.. واليسار هاجمه وبشراسة أيضا لأنه فى نظرهم يسارى حكومى وماركسى مرتد ويساريته من قبيل الديكور والوجاهة السياسية.. وكما أخطأ اليسار أخطأ اليمين بنفس القدر، وكان ذلك دليلا على صحة الطريق الذى اختاره صلاح لنفسه وقال عنه معبرا عن مغزى وسر الهجوم عليه: قل ببساطة ما تشعر به، فتشارك بذلك وبدون قصد فى دفع عجلة التاريخ. لا يهم موقعك من هذه العجلة.. لا يهم مستوى القضية التى أنت منشغل بها.. لا يهم أن تكون زعيما أو رئيس تحرير أو أديبا أو مجرد ريشة تصحح أخطاء الآخرين.. يكفى أن تؤدى مهمتك بإخلاص وحماس، وأن تعبر عما فى ضميرك دون زيف لكى يكون لك دور فى صياغة المستقبل.. وعند سقوط الاشتراكية السوفيتية كتب فى جريدة الأخبار في5 أكتوبر1991 يقول بلا مواراة وكأنه يتحدث عن تنظيم الإخوان: «سقطت الاشتراكية السوفيتية سقوطا لم يكن بسبب حرب أو كارثة طبيعية أو مؤامرة عالمية، وإنما فشل النظام من داخله ومات بسلام.. ولا يمكن مهما نحاول أن نفسر ما جرى إلا بالتفسير الوحيد الصحيح وهو أن النظام كان بطبيعته غير قابل للحياة، وأن بقاءه طوال سبعين عاما كان بأدوات غرف الإنعاش وبالمضخات وأنابيب الأكسجين والمنشطات الكيماوية، وإخفاء الأعراض وصور الأشعة ورسوم القلب والمخ عن أهل المريض الذى مات.. سقط لأنه كان نظاما ديكتاتوريا مطلقا ولم تكن لديه نوافذ يطل منها على واقع الحياة.. سقط لأنه كان يعيش طوال الوقت فى بيت من المرايا لا يرى فيها غير نفسه وبالحجم الذى يبغيه وفى الضوء الذى يريد».
الفتى الفيومى الذى كان على وشك التخرج فى كلية الطب مثل زملائه محمد يسرى ويوسف إدريس ومصطفى محمود.. لكنه كان قد فتن بالعمل السياسى من ناحية، وأدركته حرفة الأدب والصحافة من ناحية أخرى فأجهض بذلك حلم أبيه الفلاح المستنير الميسور الذى أتى خصيصا من الفيوم لزيارة الابن الضال ليقنعه أن يكمل تعليمه فى كلية الطب لأن المدة الباقية له لا تزيد على 6 أشهر فقط لا غير، وجلس صلاح كالتلميذ المطيع أمام والده يبتسم مصغيا وكأنه يؤمن على صحة كل ما يقوله الأب المستاء، وينبرى الصديق الكاتب سعد كامل فى دفاع يقول فيه للوالد إن ابنه صلاح أصبح رجلا مشهورا وهو من ألمع الصحفيين والكتاب فى مصر والبلاد العربية، وأن نفوذه أكبر من نفوذ الوزير. ويقاطعه والد صلاح قائلا بنبرة قاطعة: كل هذا لا يهمني، ولا يفرحني.. إن الذى يريحنى أن يحصل صلاح على بكالوريوس الطب ليحقق حلم الأسرة.. فرد صلاح أن إجراءات إعادة قيده ستكون معقدة، أقلها أن يستخرج صحيفة جنائية، وأن تكون خالية من السوابق، وهو صاحب سابقة.. وكما ينبغى أن يعد شهادة حسن سير وسلوك، وهو ليس حسن السير ولا السلوك فى رأى الحكومة.. ولم يتركهما والد صلاح إلا بعد وعد من الأصدقاء ببذل الجهد لإعادة صلاح لكلية الطب مرة أخري.. ووعدوه خيرا لكنهم فى الحقيقة لم يستطيعوا إقناعه لأنهم لم يكونوا فى حد ذاتهم مقتنعين، فصلاح أصبح دوره أكبر من دور الطبيب التقليدى فى المجتمع بعد أن ألهمته دراسته لعلوم الطب معنى آخر أروع وأسمى بأن يكون طبيبا للشعب كله، بعد أن اكتشف القانون الذى يوحد بين جسد الفرد وجسد الأمة والجسد الكونى بأكمله، ورأى أن الأمراض التى تسكن هذه الأجساد واحدة وكذلك علاجها واحد، وهكذا عاش صلاح طبيبا طوال حياته يعالج آلام الناس وآلام أمته، ويداوى جراحا طازجة ومزمنة بالمئات يحملها له بريده الصارخ كل صباح، ولم يمارس عمله العظيم هذا فى عيادة أو مستشفى بل على أرض الطبيعة فى الشوارع. فى المصانع. فى الحقول. فى التجمعات، فقد كان يحلم بشفاء الجسد الأكبر.. جسد الأمة.
صاحب الابتسامة التى لا تغيب.. بدأ مشواره العملى فى الصحافة عام1948 بنشر قصصه القصيرة فى جريدة المسائية التى رأسها كامل الشناوى بجوار نجوم جيله أنيس منصور ومصطفى محمود وحسن فؤاد، وانتقلوا منها جميعا لجريدة النداء التى يملكها ياسين سراج الدين الذى أسند رئاسة المجلة الجديدة القصة لصلاح حافظ والتى اكتشفت على صفحاتها موهبة يوسف إدريس ونشرت أولى أعماله، ومن مجلة القصة إلى روزاليوسف، حيث تم خطفه إلى أخبار اليوم ليساهم فى تأسيس جريدة الأخبار قبل اعتقاله بتهمة الشيوعية، ومن بعد آخر ساعة التى ارتفع بتوزيعها ليصل عام 1965 إلى 100 ألف نسخة، إلى روزاليوسف مرة أخرى ليتم عزله منها عام1977 ليتفرغ لزراعة حديقة منزله بالجرجير والملوخية وكتابة سيناريو وحوار رواية فتحى غانم «زينب والعرش» أروع وأنجح ما قدمه التليفزيون من مسلسلات تعكس وحدة إيقاع روح الفريق المتجانس.. الحلقات بالرقم الفردى يكتبها غانم والزوجى بقلم صلاح ولا تعلم أيها لأيهما، وكانت قدرة محمود مرسى فى دور رئيس التحرير وكمال الشناوى الضابط والرقيب تؤكد أنه لا مجال لفصل مياه النهر الواحد المتدفق.. و.. وكان يطيب لصاحب الابتسامة العزف على العود ليغنى بصوته الرخيم مقاطع من أم كلثوم وفريد ووديع الصافى وفيروز، ويستغل صاحب الخبرة عبدالقادر التلمسانى المخرج والمنتج الجوهرة الكامنة فى حنجرة صلاح فيعهد إليه بكتابة العديد من الأفلام التسجيلية والتعليق عليها بصوته المخملى فنستشعر بالمذيع المحنك الذى ضل طريقه إلى الصحافة.. صوت النغمة الصحيحة على طبلة الأذن المرهقة من الضجيج، حيث لا غلظة ولا سرسعة وإنما سلام سلام.. صوت لابد وأن يستدعيك من غفلتك لا بعنوة إيقاظ وإنما باستسلام الانقياد لتتفرغ كلية لسرده وتواريخه وشخوصه وأحداثه.. صوت مبتسم يحادثك عن كنوز البحر الأحمر وسفارى الصحراء والخط العربى وآثارنا الإسلامية وكأنه يردد قصائد الشعر..
العذب الناكر لذاته الحريص كرئيس تحرير أن تكون مهمته الأولى هى أن يكتب كل المحررين، لا أن يكتب هو.. صاحب الكتاب الفريد عن الروتين بعنوان «يا مكاتب الحكومة» المترجم للتاريخ الجنسى للإنسان من الكهف إلى حبوب منع الحمل، ومذكرات شارلى شابلن، من طارده نجاح كتابه الشهير «انتصار الحياة» حتى بات يضيق به فبعد خروجه من المعتقل الذى أمضى فيه سنوات مع الشيوعيين بجميع فصائلهم وبدأ مستأنفا كتاباته القصصية فوجئ بأن قراءه قد نسوه كأديب، وكلما ذكر اسمه أمامهم هتفوا فى تلقائية أيوه.. أيوه! صلاح حافظ بتاع انتصار الحياة، الأمر الذى آلمه تماما كما حدث ليحيى حقى مع درته «قنديل أم هاشم» وأسامة أنور عكاشة مع «ليالى الحلمية».. وكتب صلاح فى مقدمة إعادة طبع كتابه ردا على من سأله: انت صلاح حافظ بتاع انتصار الحياة؟ إذ قال: يا أخى أنا بتاع حاجات كثيرة من بينها هذا الباب.. صلاح خاطب فى مقالاته على مدى تاريخه الصحفى الطويل الكثير من رجالات السياسة والفكر ناقدا ومؤيدا بأسلوبه المحلق بجناحى الأدب والصحافة، فعلى سبيل المثال كتب لرئيس الوزراء عاطف صدقي: إننى أقدرك يا سيدي.. ويعجبنى اتزانك، وحذرك، وحرصك على أن تقدِّر لرجلك قبل الخطو موضعها، ولكننى أخشى أن يسبق الواقع سرعتك فى اتخاذ القرار، وأن نفاجأ بعد كل قرار برد واحد هو: بعد إيه، بعد إيه، بعد إيه؟ .. وكتب في7 فبراير1990 عن حسب الله الكفراوى وزير الإسكان والتعمير يقول عنه: إنه أعف الناس يدا وأكثرهم إخلاصا وصدقا، وقضية حياته هى بالفعل أن يتيح سقفا لكل مواطن، والمدن الجديدة بالنسبة إليه معركة حياة أو موت، ولكنه لا يجد وقتا يراجع فيه شئون بيته ويكتشف الذين معه والذين ضده.. وكتب عن محمد عبدالقدوس: لا أنصح محمد بالعدول عن مغامرته فى صياغة القصة الإسلامية الحديثة فهذه أول مرة يحاول فيها أديب عربى أن يجعل الإسلام بطلا فى دراما معاصرة، وأن يجعله هو الموضوع لا الخلفية التى تجرى أمامها الأحداث، وإذا نجح محمد فى تطوير هذه المحاولة وتمكن من إنتاج أدب دينى ناجح وقادر على البقاء ببلاغته الفنية والإنسانية وحدها فإنه سيكون قد حقق ما لم يسبقه إليه أحد وسيكون أول كاتب يخدم فى وقت واحد رسالة الأدب ورسالة الدين.. وكتب عن موسى صبري: كثيرا ما يدهش الناس عندما يجدوننى أدافع عن موسى صبري، وذات يوم دهش أنور السادات عندما رأى موسى صبرى ينبرى أمامه للدفاع عنى فى اجتماع لمسئولى الصحف، قبل أن يجف مداد اشتباك صحفى بيننا سبق هذا الاجتماع بأسابيع قليلة، والحق أن أحدا لم يفهم موسى مثلى فمشكلته بصرف النظر عن موهبته الصحفية الخارقة وذوقه الأدبى الرفيع أنه ولد بفطرته بالغ التطرف.. إذا اقتنع بقضية دافع عنها أكثر من أصحابها، ويستمر فى الدفاع حتى ولو تنازلوا عنها، وإذا أراد أن يهاجم لم يقنع بغزو شارع أو بيت أو مزرعة، وإنما اتجه رأسا إلى قلعة مسلحة وشرع يطعن أسوارها بقلمه وبقلة حيلته.. أليست متعة أن تختلف مع إنسان ويظل يحبك، وأن تتشاجر معه علنا وتظل تحبه، وأن تشعر فى قرارة نفسك أنه مخلص فى رأيه مثلما أنت مخلص فى رأيك، وأنكما فى حقيقة الأمر تسعيان إلى نفس الهدف: تسعيان إلى الحقيقة؟.
وكأنه يعيش يومنا هذا عندما كتب مقاله عن الصحافة المستقلة منذ 25 عاما ليقول فيه: ليس صحيحا ما يزعمه بعض أقطاب الصحافة المستقلة من أنهم مجرد باعة أبرياء يقدمون للجمهور ما يطلب، فالواقع أنهم يُعلِّمون الجمهور أن يطلب ما لديهم، ولما كان ما لديهم فاسدا فإنهم يتولون إفساد الجمهور، وهذا الإفساد هو جوهر الفن الذى يفخرون به.. ومات صلاح حافظ مرتين، الأولى بالمرض العضال فى أكتوبر 1991، والثانية بإهمال إعادة كتبه.. وهو الموت القريب من الاغتيال!
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.