تكلمت في المقالين السابقين عن مؤتمر (تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة)، والذي انعقد قبل نحو أسبوعين في أبو ظبي، بحضور نحو مائتين وخمسين عالما من كبار علماء المسلمين، من دول العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، وقد تناولت في المقال الأول مقتطفات من كلمة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، وتناولت في المقال الثاني مقتطفات من كلمة العلامة الشيخ عبد الله بن بية، والذي هو رئيس المؤتمر، وواضع محاوره التأطيرية، وأحببت أن أتوقف في مقال اليوم عند توصيات المؤتمر، التي تعبر عن طموح كبير، ورؤية واسعة، وسوف نسعى ونعمل جميعا إن شاء الله على دعمها وتحقيقها، لما تمثله من انفراج وخير كبير للأمة، ولشعوبنا التي تمر بهذه المرحلة العاصفة الحساسة، هذا وقد بادر المؤتمر بالدعوة إلى: »حلف فضول« جديد لعقلاء الأمة، وإلى بلورة نظرية للتعارف تكون أساسا ثابتا لا يتزحزح للعلاقات الدولية انطلاقا من قوله تعالى ( وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وأطلق المؤتمر عدة توصيات، منها: الشروع في تأسيس مجلس إسلامي لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، يضم ثلة من ذوي الحكمة من علماء المسلمين وخبرائهم ووجهائهم ليسهموا في إطفاء حرائق الأمة قولا وفعلا، ويقترح أن يسمى (مجلس حكماء المسلمين)، وأن تعد لوائحه التنظيمية خلال شهر رمضان المقبل بحول الله، ليكون هذا المجلس بمثابة هيئة تنظر في مواضع الاشتعال والقلق والاضطراب، وتقوم بتقديم رؤية ونصيحة وحلول ومقترحات، وتسعى إلى إطفاء تلك الحرائق الناشبة والمشتعلة هنا وهناك، ومنها: عقد لقاءات وندوات في البيئات الإسلامية الأحوج إلى استيعاب نتائج هذا المنتدى، حتى تكون مقدمة لتحويل ما قام بتوضيحه وتجليته من مقاصد وقيم وقواعد، إلى ثقافة يعيش في ظلها المسلمون وغيرهم، ويلتمسون فيها حلولا لنيران انقسام المجتمع وصدامه واقتتاله، التي لا تكاد تخبو في منطقة من العالم حتى تشتعل في أخرى، ومنها: إنشاء مؤسسات وكيانات همها وهمتها تحقيق السلم وتصحيح المفاهيم ومواءمة مستجدات الواقع والاتفاقيات الدولية مع مقومات الإسلام في حال التحفظ على شيء من تلك الاتفاقيات، ومنها إيجاد صيغة مشتركة بين البلدان الإسلامية لتنسيق تحفظاتها على بعض بنود المواثيق الدولية، ومنها تنظيم مؤتمر دولي حول مقومات السلم اجتماعي بين الغرب والمجتمعات المسلمة، ومنها: تخصيص جائزة سنوية لأفضل الدراسات والبحوث العلمية الرصينة في موضوع السلم، مع وضع مقترحات ومحاور لتلك البحوث، تعالج النقاط الفقهية الشائكة، والإشكاليات المعاصرة التي كثر طرحها، وسببت ضجيجا فكريا كبيرا في هذا الفترة، ومنها: تخصيص جائزة سنوية لأفضل مبادرة وإنجاز في مجال تحقيق السلم في المجتمعات المسلم، مما يحرك الهمم للإبداع والانطلاق والتفكير في كل المداخل والوسائل والسبل التي تعلي قيمة السلم، وتناقش الإشكاليات التي تثار حوله، ومنها: إصدار مجلة أكاديمية منتظمة تعنى ببحوث السلم في المجتمعات المسلمة، ومنها: تأسيس جهاز إعلامي مسموع ومرئي ومكتوب، لا ينشغل بردود الأفعال فقط، بل يؤصل لمفاهيم السلم وقيمه في الأمة بتوضيحها وتبسيطها بالحكمة والموعظة الحسنة، حتى يتحول بمرور الأيام إلى القيام بالمهمتين العظيمتين، واللتين هما: التأصيل والتوصيل، التأصيل والنظر العميق في مواضع الإشكال، مع تخريجها على الأصول والموازين الشرعية، لاستخراج الهدي الملائم لها، والعمل على توصيل ذلك إلى مختلف الشرائح والمؤسسات، كانت هذه لمحات من توصيات المؤتمر وآماله التي يطمح إليها، والحقيقة أن المؤتمر المذكور يحظى بقابلية كبيرة وعالية لأن ينهض بدور كبير، يتحول به إلى نقطة فارقة في أزماتنا الملتهبة، ولابد من التضافر بين كل الشخصيات الكبيرة، والمؤسسات المسئولة، لتحويل تلك التوصيات المهمة إلى برامج عمل، نرى بواكير نتائجها في القريب العاجل، قياما بواجب العلماء وورثة النبوة في تبصير الناس، وفتح أبواب الرحمة والأمل في وجوههم كلما احتدمت الأمور، وضاقت الصدور، وأنا أجدد الدعوة هنا لكل الهيئات الإسلامية، والمنظمات، والشخصيات، والعقول المفكرة، الحريصة على حقن الدماء، إلى التضامن مع هذا المؤتمر ودعمه، والمساهمة في تفعيله، وتسليط الأضواء على مواضع الإشكال، لتحرير العقول من المعضلات الفكرية، والصدمات النفسية، لعل الله تعالى أن ينشر بسبب ذلك كله روحا وبشرى وأملا من لطفه ورحمته، فإن رحمته وسعت كل شيء، وهو سبحانه وسع كل شيء رحمة وعلما، ولعله سبحانه أن يعجل بالفرج، وأن يتجلى بالسكينة والغوث لعباده، إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه. لمزيد من مقالات د شوقى علام