تقدم الكلام في المقال السابق عن: (مؤتمر تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة)، والذي انعقد في أبو ظبي قبل أيام، وقد ذكرتُ أنه حدثٌ مهم، قد يمثل بارقة أمل، لوجود مخرج للأمة الإسلامية ودولها من هذا الاحتقان الشديد الذي تمر به، حيث إن النيران المشتعلة، والأحداث العاصفة التي تمر بها سوريا، وليبيا، وبورما، وإفريقيا الوسطى، واليمن، وتونس، ومصر، وفلسطين، وغير ذلك، كافية لمسارعة العلماء والعقلاء إلى إيجاد أطروحة أو مخرج، يوقف هذه الحالة الحادة من الاقتتال وإراقة الدماء، وتكلمتُ في المقال السابق عن كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، حيث إنه كان ضيف الشرف على المؤتمر، وقد أوردت في المقال السابق مقتطفات من كلمة فضيلته، منها مبادرته المهمة التي أطلقها في كلمته، والتي يدعو فيها إلى إنشاء آلية أو حركة أو مبادرة لتعارف الحضارات بدلا من صدامها، وسوف أتكلم اليوم عن مقتطفات من كلمة سماحة العلامة الشيخ عبد الله بن بية، والذي هو رئيس المؤتمر، وواضع محاوره التأطيرية، التي تعبر عن فلسفته ومقاصده ومطالبه، قال حفظه الله ما خلاصته أن الحالة التي نمر بها حالة متأزمة ومشتعلة، تقتضي عدم البحث عن المتسبب، ولا التوقف لمعرفة الأسباب، ولا النظر والتأمل في مبررات كافة الأطراف، بل تقتضي المسارعة أولا إلى إخماد النيران، والإيقاف الفوري لإراقة الدماء، والمسارعة إلى إطفاء الحريق، وإنقاذ الغريق، وأٌوضح سماحته أنه لابد للعلماء والحكماء وأولي النهي أن يجتمعوا، ويخرجوا على الناس بمبادرة لحقن الدماء، والتذكير بأنه إذا كان التمسك بالحق حقا، فإن حقن الدماء أحق، مشددا أن المفهوم إذا فُكِّك تركيبه قد يصبح مُدمِّرا، كالدواء المركب إذا أفردت عناصره كان بعضها مدمرا، فالمفاهيم التي منها الجهاد والقتال، جاءت بضمانات وشروط تجعلها ضامنة لعصمة الدماء، فإن تجردت من سياقاتها، وتم اختزالها في نشاط مندفع أهوج، فإنها تكون قد تفككت من مسارها، وتؤدي إلى التدمير، فالجهاد والحدود في أحكامها ومقاصدها سياج للسلم، ووضع المفاهيم التي وضعت سياجا للسلم في غير محلها يؤدي إلى التدمير وأوضح أن فلسفة هيجل التي تقول بالتدمير المؤدي إلى التعمير، فلسفة غير مقبولة بالمرة، ولا تتفق مع مقصد الشرع الشريف، فمن جاء بفحواها، ووضع لها زينة من عبارات إسلامية، فقد أخطأ خطأ كبيرا وأشار سماحته إلي أن في ديباجة اليونسكو: إن الحروب تتولد في عقول البشر فلابد أن نبني حصون السلام في عقولهم وكان مما قاله أيضاً (يمكننا أن نُخرج من رحم هذا الدين أمنا وسلاما لا حربا ودمارا)، (إذا لم توجد أرض مشتركة فلا يمكن أن يكون هناك تعايش مشترك)، (علينا أن نشن حربا على الحرب، لنحصد سلما على سلم)، (علينا أن نشيد الجسور، لعل أحدهم يرى الجسر فيعبر إلى الآخر، فالمفاصلات لا تخدم أحدا)، (أليس ما يحدث للأمة كافيا ليتداعى العلماء للحديث عن السلام وليس عن الحرب)، (إننا إن لم نوقف هذا النزيف فإن الأمة تسير في نفقٍ مظلم)، (الخصام ليس قيمة إسلامية)، (السلم يعطي ضمانات لا تعطيها الحرب والمغالبة)، (الصلح يدخل في كل شئوننا؛ من الحروب بين الدول إلى الخصومة بين الزوجين)، (الصلح لا يعني الحق الحاد والحاسم، بل الصلح معناه التنازل)، (السلم هو تنازل، والتنازلات غير معيبة، بل هي الربح الأكبر لكل الأطراف، فالحسن تنازل عن الخلافة لمعاوية، بالرغم من كونه خليفة مبايعا بعد أبيه، وسبق ذلك تزكية من النبي صلى الله عليه وسلم: »إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين«، لكنه فعل ذلك حقنا للدماء). كانت هذه مقتطفات من كلام العلامة الشيخ عبد الله بن بية، حفظه الله، وقد أحببت أن أسوقها هنا، لتذكير الناس بها، ولإطلاق صيحة تحذير في وجه كل من يتخذون دين الله تعالى ستارا، للخروج على الناس بالتكفير، والعدوان، والفتاوى الباطلة بالحرق والقتل، والسعي في الأرض بالدمار، مما تضيع معه الأوطان، وتجري الدماء أنهارا، لعل الله تعالى أن يلقي الصواب في عقول هؤلاء، وأن يكفوا عن جعل قناعاتهم سببا لتدمير مجتمعاتهم، فهذا نداء قوي إلى سائر الدول التي تجري فيها أحداث العنف، ويتدافع الناس بالعدوان، أن توقفوا وارجعوا، وأوقفوا العدوان فورا، وادفعوا بالمجتمعات والشعوب إلى حالة من السكينة والهدوء، تنحسر فيه المخاطر الشديدة المحدقة بأمتنا وأوطاننا، والله المستعان، وللحديث بقية في المقال القادم إن شاء الله. لمزيد من مقالات د شوقى علام