لا يعرف تاريخ العالم دولة تمكنت من إحداث نهضة تحديثية شاملة إلا وكانت النهضة مصاحبة ومواكبة لنهضة مماثلة فيما يتعلق بحقوق المرأة. . إذ أنه من البدهى ألا تتوقع أى نهضة بالمعايير العلمية لمفهوم النهضة لمجتمع يعتمد فقط كلية على نصفه الذكورى بينما ينغمس النصف الآخر فى غياهب الجهل أو المرض أو التهميش ولقد احتفل العالم خلال الأيام القليلة الماضية باليوم العالمى للمرأة .. وهى مناسبة كغيرها خضعت للآلة الجبارة للمجتمع الرأسمالى الاستهلاكي، فتم اختزال الأمر فى مجرد مناسبة تسويقية لترويج منتجات بينما تم اغفال الواقع الشيء الذى تعيشه المرأة فى العديد من بلدان العالم.. فى حقيقة الامر، فإن تاريخ تحرر المرأة يعود إلى أزمان بعيدة.. ظهرت الفكرة على استحياء بشكل متواتر فى كتابات بعض الفلاسفة والكتاب قبل عصور لتطفو حينا وتنغمر أحيانا،.. بيد أنه يمكننا أن نحدد نقتطى تحول كان لهما الأثر البالغ فى تطور الوعى الدولى بحقوق المرأة بوصفها انسانا كامل الأهلية.. النقطة الأولى هى ظهور الدين الاسلامى فى منطقة الجزيرة العربية التى اعتادت قبله أن يتم وأد البنات حديثات الولادة دون ذنب أو جريرة .. جاء الإسلام ليقدم رؤية شاملة لحقوق المرأة أنصفتها وأعادت لها الكثير من حقوقها المغتصبة بحكم العادات أو التقاليد أو العصبية الجاهلية وغيرها.. الكلام عن مكانة المرأة فى الإسلام يطول والجدل بشأنه لا ينتهى.. ولكن المؤكد أن الإسلام حافظ على كرامة المرأة واستقلالية شخصيتها وحقوقها المالية والشخصية كاملة.. فتم إقرار قواعد الميراث والزواج والطلاق، كما جاء مجمل أحاديث الرسول (ص) لتؤكد حسن التعامل مع المرأة بالتقدير الواجب والاحترام اللازم .. بوصفهن شقائق الرجال.. النقطة الثانية هى تأثير الحربين العالميتين الأولى والثانية .. ففى ضوء أن كليهما قد أفضيا إلى مقتل عشرات الملايين لا سيما الحرب الثانية التى زودت وحدها بنحو 53 مليون ضحية كثير منهم بالضرورة من الرجال فقد اضطرت النساء إلى أن تحللن محل الرجال فى أماكن العمل المدنى فى المصانع والشركات وغيرها هذا التطور الذى فرضته ظروف الحربين بكل ما نتج عنهما من تدمير وخراب للكثير من الدول قد فرض على المجتمعات فرضا تقبل فكرة المساواة فى الحقوق بين الرجل والمرأة، معاملتهما كجنس بشرى دونما فرض صور انطباعية متوارثة عن دور كل منهما فى المجتمع.. إلى أن تم تجسيد حقوق المساواة فى الإعلان العالمى لحقوق الانسان الصادر عام 1984. إننا فى مصر حاليا مطالبون بتحرير المرأة.. كجزء من تحرر المجتمع برمته بعد أن خاض غمار ثورتين فى أقل من ثلاث سنوات .. لعبت المرأة فيهما وما تلاهما دورا بارزا.. نعم لقد حانت اللحظة التاريخية للمرأة المصرية التى تتحمل وفقا لكثير من التقديرات أعباء هائلة فى الإنفاق على الأسر فضلا عن ضغوط الرعاية المعيشية ناهينا عما تلاقيه من أوجه معاناة معروفة للجميع فى التنقل أو العنف الجسدى وغيره.. مازال أمامنا شوط كبير لكى تنال المرأة حقوقها ولعل البداية الصحيحة تكون فى فرض القانون فيما يتعلق بحمايتها من جميع أشكال العنف ضدها.. ثم ليتأتى فى مرتبة تالية وموازية فى آن واحد ثورة ثقافية وتعليمية لتنقى الدين من شوائب الثقافة كى نتخلص من أدران الجمود والتخلف التى لا تزال عالقة بالعقلية الجماعية للمرأة فى أغلب طبقات المجتمع .. لمزيد من مقالات د.محمد مصطفى عرفى