منذ وقت قريب أعلن الرئيس أوباما أن القاعدة منحدرة فى طريق الهزيمة، فما بقى من أعضائها أكثر اهتمامًا بالسلامة الشخصية من التخطيط لشن هجمات على الغرب. وكانت دعواه أن الوقت حان لتخفيض درجة الحرب على الإرهاب العالمي. ولكن الحقيقة غير المريحة أنه على الرغم من الهزائم التى أصابت «القاعدة» والمنتسبين إليها فقد أظهرت عودة غير متوقعة. إن الشبكة الإرهابية تسيطر الآن على أرض أوسع وتجند مقاتلين أكثر من أى وقت طيلة الخمس والعشرين سنة من تاريخها. ويرى مفكرون ومراقبون غربيون أن الرئيس أوباما يجب أن يعيد التقدير ف «نيران» القاعدة تستعصى على الإطفاء، لأن هذا التنظيم يجيد التكيف، كما أنه شديد المرونة ويواصل حلفاؤه الرجوع إلى الوثب والضرب. والكلام عن دخول القاعدة مرحلة الاحتضار مسرف فى المبالغة امتدادًا من الصومال إلى سوريا، بل إن نطاق تأثيرها توسع وازداد توسعًا منذ أسسها أسامة بن لادن وتواصل الحياة بعد اغتياله مهما تفاخر الولاياتالمتحدة فى كابول بأنها على وشك إلحاق هزيمة استراتيجية بالشبكة، مدعية أن تنظيمها ممزق مصاب بالدوار بتأثير ضربات الطائرات الأمريكية، بدون طيارين ومقتل ما يصل إلى عشرين من قادة القاعدة الكبار فى باكستانوالصومال واليمن. ولكن قصارى ما استطاعت أمريكا تحقيقه هو إصابة القاعدة بالشلل باعتبارها تهديدًا لبلادها البعيدة، فمثل هذه الاغتيالات تترك القاعدة عاجزة عن توجيه ضربات ساحقة مدوية ضد أهداف ذات أهمية كبيرة للغرب. ولكن ذلك لا يمنع هجمات أخرى من جانب الذئب المتوحد يقوم بها أفراد سيئو التكيف مع المجتمع ومختلون عقليًا ومشحونون عقائديًا بواسطة القاعدة: انتحارى يفجر نفسه متوهمًا سقوطه فى أحضان الحور العين فى جنة عدن الموعود بها أمثاله. ولكن القاعدة كشبكة منظمة تتعرض للهزيمة فى الميدان بالإضافة إلى أن حركة التاريخ تبدو ضدها. وقد أثبت الربيع العربى أن الأنظمة القمعية التى أسقطت فى مصر وتونس واليمن التى تعاديها القاعدة أمكن التخلص منها بواسطة احتجاجات سلمية، وأن الأحزاب السياسية ذات الخلفية الإسلامية تستطيع المنافسة والطموح إلى الفوز فى انتخابات على درجة من الديمقراطية. فالقاعدة وأساليبها العنيفة ليست ضرورية، كما أن الظواهرى خليفة أسامة بن لادن لا يملك جاذبيته. وتؤكد مصادر مخابراتية بزوغ جيل جديد من «الجهاديين» لا يدينون إلا بولاء ظاهرى لقيادة الظواهري، على الرغم من أدائهم قسم الولاء له. وبعد أن ذوت الآمال التى كانت معقودة على الربيع العربى وكثر الحديث عن إخفاقاته، اعتبر ذلك نعمة من السماء لدى القاعدة والعاطفين عليها بمن فيهم مجموعات الميليشيات تحت مظلة اسم أنصار الشريعة فى اليمن وليبيا وتونس ومالى ومصر الذين يتعاونون ويتنافسون فى الوقت نفسه مع تنظيم القاعدة فقد استعادوا العزم والثقة فى النفس وفى مصر بعد مؤازرة القوات المسلحة للموجة الثورية فى 30 يونيو 2013 اذاع الظواهرى المصرى المولد رسالة فى خمس عشرة دقيقة تدعى أن الصيلبيين فى الغرب وحلفاءهم فى العالم العربى لن يسمحوا إطلاقًا بإقامة دولة إسلامية وأن على من يسميهم جنود القرآن أن يشنوا معركة القرآن فى مصر. وكانت القاعدة قد احتقرت دائمًا جماعة الإخوان التى ينتسب إليها الدكتور مرسي، ولكنها أمست الآن سعيدة بالمشاركة فى قضية واحدة معها، وقد تحالف مسلحوها بالفعل مع عصابات بدوية وخارجة على القانون فى سيناء الذين يرتكبون هجمات يومية على أفراد من الجيش المصري. وما أقل عدد الذين يمكن إحصاؤهم من الشبان المصريين المستعدين للإصغاء إلى دعوة الظواهري. وفى سوريا كانت دعوة الإطاحة ببشار الأسد ملائمة لمن يسمون أنفسهم جهاديين، فنظامه العلوى مكروه من السلفيين الذين تستمد القاعدة منهم العون. وتظن معظم المخابرات الغربية الآن أن معظم الميليشيات المعارضة قد تكون «جهادية» مع آلاف المقاتلين من بلاد إسلامية أخرى ومئات من أوروبا وخاصة من بريطانيا وفرنسا والأراضى الواطئة، وقد توغلت ما تسمى دولة العراق والشام الإسلامية التى كانت القاعدة سابقًا فى شرقى سوريا من العراق. وتريد القاعدة أن توحد العراقوسوريا ولبنان معًا فى «خلافة» مفردة، وتستخدم مقاتلين أجانب تجيء بهم إلى سوريا من جانبى الحدود ذات المسام التى تسمح بالنفاذ والاختراق من ناحية العراق، كما حاولت أيضًا الالتحام مع جبهة النصرة، وهى ذات ميليشيات قوية عسكريًا. وتمضى القاعدة فى حركتها وفق طراز التقهقر يتبعه الاسترجاع والاسترداد. ويجرى ذلك فى اليمن والعراق وشمالى مالى وهو ما كانت تنتهجه القاعدة فى باكستان، ولها ملاذ آمن فى الجانب الآخر من الحدود مع أفغانستان. ويرى مراقبون غربيون أن الظواهرى قد لا يبقى فى موقعه بعد سنوات قليلة مقبلة، فلأمريكا طائرات دون طيارين وإن كانت المخابرات التى تواجهه أقل كفاءة، وإن ظل فى موقعه فلن تظل القاعدة مسيطرة على تنظيماتها الفرعية كما كانت من قبل. ولكن القاعدة تظل شديدة الخطورة على الرغم من كل تمنيات المراقبين الغربيين، وتظل الحرب على الإرهاب ضرورة واجبة. ولكن الحرب على الإرهاب يجب أيضًا ألا تكون ذريعة للاعتداء على حقوق الإنسان وحرياته كما حدث فى الماضي. لمزيد من مقالات ابراهيم فتحى