ونحن على مشارف الانتخابات الرئاسية فإن كل الظن أن البرنامج الانتخابى لأى رئيس قادم ينبغى أن يكون بمثابة تعاقد بينه وبين الشعب على تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعيه وفق برنامج زمنى وتوقيتات محددة يلتزم بها ومراعاة أن سقف طموحات الناس قد تعدى الرغيف وأنبوبة البوتاجاز وأن لديهم الجرأة الآن لمواجهة أى رئيس لا يحقق مطالبهم وعليه أن ينتقل بفكر الناس من مجرد زيادة فى الأجر إلى رؤية المستقبل بعيون جديدة تتطلع إلى التنمية المتوازنة فى مصر كلها والتوزيع العادل للاستثمارات والخدمات. وهنا امامه طريقان مكملان لبعضهما ولا يمكن الارتكان على واحد منهما دون الآخر ،هذان الطريقان هما الحصول على اموال من الخارج، أما الثانى فهو تعبئة المدخرات المحلية واستخدام الضرائب كوسيله لتمويل الحكومة وتغطية نفقاتها والحد من التورط فى الديون وزيادة العجز. وتحتاج إدارة البرنامج إلى رئيس واقعى لديه قدرات الإدارة ومهاراتها ويمتلك رؤية، وإلى مساعدين على أعلى قدر من الكفاءة والنزاهة من العقول المصرية التى تزخر بها كل مؤسسات الوطن والتى أهدرت لسنوات طويلة. على الطاقم الرئاسى القادم أن يدرك أن أزمة مصر فى فرق التوقيت، فالحكومة انتقالية لكن مشكلات مصر مزمنة كما قال الكاتب الراحل جلال عامر ونضيف بهذه المناسبة أن ما تفعله الحكومة الحالية مع تقديرى الشديد للمهندس محلب رئيس مجلس الوزراء هو مجرد ترحيل للمشكلات لحكومة قادمة وانها لا تفعل أكثر من تأجيل كل شىء لمدة ثلاثة أشهر وتستحق هذه الحكومة الوصف بأنها تسعى لتهدئة خواطر الشارع المصرى والجو العام كى يكون مناسبا لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولا غبار على ذلك بل إنه ضرورى للمرور من عنق الزجاجة وتنفيذ خطوات خريطة الطريق إلا أنها هنا تقع فى نفس مطب سابقتها التى أهدرت مليارات فى اوهام التحفيز الاقتصادى . مشكلات مصر أصعب من أن تدار أو تعالج بهذا الأسلوب وهى لا تحل بنزول المسئولين إلى الشارع فيما يستحق ولا يستحق وفيما يستدعى وفيما يمكن أن يقوم به وكيل وزارة أو رئيس حى، ويمكن فى هذا الشأن أن نرصد الكثير لتحركات رئيس مجلس الوزراء والوزراء والمحافظين، ايضا افتقاد الرؤية الشاملة فى نظرة الحكومة إلى علاج المشكلات والأمثلة كثيرة ولكن أبرزها ما جاء فى المؤتمر الصحفى لوزير المالية وإعلانه عن التفكير فى فرض ضريبة 5% على الأغنياء الذين تزيد دخولهم على مليون جنيه فى السنة وذلك لمدة عامين ولا نعرف لماذا تحديد فترة الجباية بعامين فقط ؟... على أى حال كان ينبغى ان ينتهز الوزير الفرصة وهو أدرى بشئون الموازنة وأوضاعها ليعلن عن حزمة متكاملة من الإجراءات التى تأتى فى إطار الإصلاح المالى لميزانية الحكومة ومعالجة مشكلة نقص الإيرادات وتحقيق العدالة الاجتماعية، ولعلنا نتذكر أن الرئيس السادات/ رحمه الله/ أعاد لمجلس الشعب قانون الضرائب بعد موافقة الأعضاء عليه لإضافة فصل جديد بعنوان العدالة الضريبية ، ومن ثم أمام الوزير مساحة واسعة لتحقيق ذلك ومنها مثلا الأخذ بمبدأ الضريبة التصاعدية بشرائح متصاعدة حتى 35 % على الدخول المرتفعة التى تتجاوز35 مثل الحد الأدنى للأجور ، أيضا التطبيق الصارم وليس الصادم للحد الأقصى للأجور، فلا يعقل فى هذه البلد أن يخضع ثمانية آلاف فقط للحد الأقصى وسوف يسفر هذا عن توفير مبالغ ضخمة، ومن الضرورى تشديد إجراءات تحصيل الضرائب خاصة من أصحاب المهن الحرة والأطباء وتوسيع القاعدة الضريبة بإخضاع أنشطة جديدة للضرائب مثل الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعاملات فى البورصة وكذلك الأرباح الرأسمالية للتصرفات العقارية وفرض ضريبة على الأموال الأجنبية الساخنة التى تدخل البورصة للمضاربة والخروج منها سريعا. كذلك تحصيل المتأخرات الضريبية والتى تبلغ ما يزيد على 100 مليار جنيه بغير تراخ، وبالمناسبة أحد رجال الأعمال سدد نصف ديونه الضريبية وعاد إلى البلاد ثم توقف عن سداد الباقى ، يمكن أيضا تعديل وزيادة الرسوم الجمركية من خلال دراسة تحليلية لأصناف السلع المستوردة بين ما هوضرورى ومستلزمات إنتاج وسلع وسيطة وقطع غيار وبين السلع الكمالية وغير الضرورية ووقف استيراد بعضها خاصة التى لها مثيل محلى، ولتعبئة المزيد من المدخرات يمكن إصدار شهادات استثمارات عائد متغير مرتفع و سندات على الدولة بفئات مشجعه على الادخار تبدأ من عشرة جنيهات ويجرى تسويقها بين طلاب المدارس والجامعات وتسمى شهادة الطالب وتستحق الصرف بفوائدها بعد التخرج ، كما يمكن للدولة القيام بعملية جرد لأصولها وبيان ما يمكنها بيعه او تأجيره أو استثماره . تلك هى بعض الأفكار التى يمكن البناء عليها لتحقيق جانب من العدالة الاجتماعية و لتدبير تمويل مناسب لتنفيذ البرامج الرئاسية ولابد أن تأتى فى إطار برنامج متكامل للإصلاح الاقتصادى سوف يحترمه العالم والمؤسسات الدوليه وينم عن دولة آلت على نفسها اتخاذ إجراءات إصلاحية جادة بدلا مما يجرى الآن من تشتت مثلما فجأة تتذكر الدولة حلايب وشلاتين فتفتتح لها إذاعة ويزورها مسئول وكذا النوبة وكل هذا الجهد يأتى فى إطار استثمار بلا عائد، وكنموذج آخر يبدو أن وزير الصناعة قد وجد ان المشروبات الغازية هى المدخل السليم للتنمية الصناعيه مما صرفه عن وضع سياسة صناعية للبلاد أو حل مشاكل المصانع المتعثرة أو اتخاذ قرارات لتحسين مناخ الاستثمار فقد أعلن ضخ 500 مليون دولار بصناعة المشروبات الغازية المسألة تحتاج إلى جديه لإنقاذ الوطن وهى ستكون أيضا الخطوة الأساسية التى تسهل تدبير التمويل الخارجى سواء من المؤسسات الدولية أو الاستثمار الأجنبى المباشر او من المنح الخليجية التى يجب أن يكون لها الاستدامة من خلال ربطها بمشروعات عملاقة . لمزيد من مقالات عصام رفعت