تبدو الحياة عادية جداً فى مناطق عين شمس والألف مسكن والمطرية طوال أيام الأسبوع، الناس يستيقظون فى مواعيدهم للذهاب إلى أشغالهم فى الصباح الباكر.. ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، لا شيء ينغص عليهم حياتهم .. أصحاب المحلات يفتحون فى الصباح ويغلقون فى منتصف الليل.. السيارات تسير دون أى عوائق.. باستثناء يوم الجمعة، الذى تتبدل فيه أحوال السكان، فالطمأنينة والسكينة التى ينعم بها الناس تتحول إلى حالة من الاضطراب، والقلق، والانزعاج الشديد، بسبب مظاهرات أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية، الذين استبدلوا بالسلمية المولوتوف والسلاح، واتخذوا العنف ، وقطع الطرق، والاشتباك مع أجهزة الأمن، والأهالى سبيلاً للتعبيرعن آرائهم!! بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع، يتجمع أعضاء الجماعة الإرهابية، للخروج فى مسيرات محدودة ، بعد أن فقدوا القدرة على الحشد، وخسروا رصيدهم فى الشارع، فما كان منهم إلا أن اتخذوا من الإرهاب، والعنف، والتخريب، وإطلاق الرصاص الحى أو الخرطوش، والاشتباك مع الشرطة والأهالي أداةفى محاولة منهم للفت الأنظار، وجذب انتباه الناس، فخسروا كل شيء، حتى المتعاطفين معهم، بعد أن صار الهجوم على الجيش والشرطة شعارهم الأساسي، فيبادلهم الناس بالهتافات:” الشعب يريد إعدام الإخوان”. . وهكذا صارت مظاهرات الجماعة الإرهابية ، والتى تتسم بالعنف والدم عبئاً على المواطنين فى كل مكان على أرض مصر !! بدأنا جولتنا من منطقة عين شمس، عقب صلاة الجمعة الماضية ، حيث انطلقت مسيرات الجماعة الإرهابية من المطرية وعين شمس والمرج وعزبة النخل إلى ميدان الألف مسكن، و أطلق أعضاء الجماعة الألعاب النارية وأعيرة الخرطوش، وأشعلوا النيران فى إطارات السيارات، ثم أطلقوا الرصاص الحى من الأسلحة الآلية بكثافة تجاه قوات الأمن فردت قوات الأمن وقوات العلميات الخاصة، المتمركزة بالميدان بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المسيرات، فسادت حالة من الارتباك المرورى فى الشارع ، فيما أغلقت المحال التجارية أبوابها. صلاة الجمعة وهنا يروى محمد عبد العزيز من سكان المنطقة، مشاهد الدم بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع، حيث يتجمع أعضاء جماعة الإخوان الإرهابية بعد أداء الصلاة ، ثم تنطلق مكبرات الصوت، وتتعالى الهتافات ضد الجيش والشرطة، فيتصدى لهم الأهالى ، وتنشأ الاشتباكات التى صارت تتكرر إسبوعيا كل يوم جمعه، ثم يتعمدون استفزاز رجال الشرطة، بالهتافات والحجارة، ويبدأ الأهالى ورجال الشرطة فى الاشتباك معهم، حيث يطلق الأمن القنابل المسيلة للدموع لتفريقهم، فيردون بالرصاص الحى والخرطوش، وتبدأ عمليات الكر والفر، مما يضطر الأهالى إلى إغلاق أبواب البيوت والنوافذ خوفاً من زجاجات المولوتوف التى تتطاير فى الهواء ، ناهيك عن طلقات الخرطوش، والرصاص الحى التى يطلقها شباب الجماعة الإرهابية، فضلاً عن رائحة الغاز المنبعثة من القنابل المسيلة للدموع التى يطلقها رجال الشرطة لتفريقهم، مشيراً إلى أن أعضاء الجماعة قد قرروا الاعتصام قبل عدة شهور فى ميدان إبراهيم عبدالرازق بعين شمس بالقرب من الألف مسكن ، بالتزامن مع الاحتفال الشعبى بالذكرى الثالثة لثورة 25 يناير، وبدأوا فى تجهيز الخيام وإقامة منصة لهم، مرددين هتافات معادية لقوات الجيش والشرطة، فتصدت لهم قوات الأمن، وحدثت اشتباكات بينهم وبين المتظاهرين ، فأطلقت الشرطة قنابل مسيلة للدموع وطلقات الخرطوش، بعد أن ألقى أنصار الجماعة الحجارة على قوات الأمن، وأطلقوا «الشماريخ» تجاه الأهالى الذين بادلوهم بالهتاف « الشعب يريد إعدام الإخوان». والسؤال الآن: لماذا عين شمس ؟ الفقر فى عين شمس، وألف مسكن، والمطرية- وفقاً ل الدكتور رفعت سيد أحمد الخبير فى شئون جماعات الإسلام السياسي- يعد عاملاً من العوامل الأساسية التى أدت إلى انتشار الفكر المتطرف منذ سبعينيات القرن الماضى وحتى اليوم، حيث تمثل هذه المربعات بيئة حاضنة يتكاثر فيها الفكر المتطرف، فضلاً عن غياب الحياة الآدمية الكريمة بمعناها الواسع من حيث التعليم والثقافة والمرافق، ولا شك أن غياب الدولة عن القيام بدورها فى هذه المناطق يمثل فراغاً استراتيجياً ملائماً لكى يمتليء المجتمع بالفكر المتطرف، لاسيما فى مثل هذه المناطق العشوائية التى يزيد عددها على 40 منطقة تحيط بالمدن الرئيسية ، وتمثل حزاماً للفقر والحرمان الذى يسهم فى انتشار العنف والتطرف، وانضماما البعض لهذه الجماعات من أجل الحصول على المال.. يضاف إلى ذلك التمويل الضخم الذى تضخه جمعيات الإخوان، والسلفيين، وبعض الجماعات الأخرى ذات العلاقة بالفكر القاعدى المتطرف، والفراغ الأمني، وغياب الإسلام الوسطي، وتراجع دور المؤسسة الدينية، وقصور الخطاب الديني، وفقدان سيطرة الدولة، وانتشار الخطاب الدينى فى الزوايا- وهى بعيدة عن رقابة مديريات الأوقاف- .. وهذه كلها عوامل ساعدت بقوة فى انجذاب الشباب وتجنيدهم فى تنظيمات وجماعات متطرفة، كما أن معدلات الفقرقد زادت مع الهجرة من الريف إلى المدينة، فى ظل ارتفاع معدلات البطالة، وغياب فرص العمل، مما ساهم فى نمو هذه التيارات والأفكار المتطرفة، كابوس أسبوعي! أما لماذا لماذا تختار جماعة الإخوان يوم الجمعة للتظاهر، فالإجابة لدى الدكتور رفعت سيد أحمد – تكمن فى رمزية يوم الجمعة الذى ظل مرتبطا بمليونيات ثورة يناير، وقد أراد الإخوان التظاهر فى ذلك اليوم وكأنهم يريدون أن يقنعوا الناس بأنهم يمثلون امتداداً طبيعياً لثورة يناير، ومن ثم فإن هذه الرمزية تحتاج إلى خطاب إعلامى يكشف انتهازية جماعة الإخوان، والتأكيد على أنهم غابوا عن المشهد فى بداية الثورة، والتحقوا بها فيما بعد، ثم سرقوها، واستولوا على الحكم، بعد خداع الناس باسم الدين والشريعة، ولابد من تأكيد أن هؤلاء ليسوا ثوار الجمعة الذين بذلوا دماءهم وأرواحهم من أجل قيم نبيلة.. فنحن نتحدث عن جماعة يتجاوزعمرها الثمانين عاماً ، ولها أذرع وأدوات وتنظيم دولي، ويمكنها البقاء عبر تجديد الذات، وخبرات تراكمية، وقيادات رئيسية، وأخرى بديلة، ومن ثم فالمواجهة تستلزم اتباع سياسة النفس الطويل، كما يمكن تحييد من تلطخ أياديهم بالدماء، والذين لم ينخرطوا فى جرائم، ولم يحرضوا على العنف، وهؤلاء يمكن مخاطبتهم، وإتاحة الفرصة أمامهم للمشاركة فى الحياة السياسية، بشرط إعلان رفضهم التام لممارسات الجماعة، واعتذراهم عما ارتكبته من جرائم فى حق الشعب. ومن السهل جداً مواجهة تظاهرات الجمعة وغيرها ، فبالإضافة إلى الحلول الأمنية- وهى وحدها ليست كافية- لابد من خلال استراتيجية دعوية سياسية تنموية ، وتعويض المناطق الفقيرة والشعبية عن الأنشطة التى كانت مثل هذه الجماعات تقوم بها كالمستوصفات الخيرية، والخطاب الدعوى الإسلامى الوسطى تحت إشراف الأزهر والأوقاف، والرعاية المادية للاسر الفقيرة، واقتناص الفرص المتاحة بعد سقوط الغطاء الشعبى عن الجماعة وأنصارها، وانصراف الشعب عنها بعد أن اكتشف خداعهم وخيانتهم وانتهازيتهم السياسية، مؤكداً أن الجماعة فى النزع الأخير، وما تفعله من مظاهرات يهدف إلى تأكيد أنهم مازالوا موجودين!! والحال هذه، فإنه كلما وجد الفقر والعشوائيات وجد دعاة الدين، ومروجو الفكر المتطرف، وهكذا الحال فى منطقة عين شمس.. هكذا قال لى الدكتور سمير غطاس الخبير فى الأمن القومي، مشيراً إلى عين شمس والمطرية وإمبابه كانت مرتعاً للإرهاب والتطرف منذ سنوات طويلة، فمن عين شمس خرجت الجماعات الإسلامية المتطرفة فى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حيث تنتشر العشوائيات، وترتفع معدلات الفقر، وهناك استغلت هذه الجماعات، البسطاء من الناس، من خلال قيام بعض المساجد والجمعيات الخيرية بتقديم العون والمساعدات المالية للفقراء، ومن عين شمس أيضاً خرج أنصار جماعة الإخوان الإرهابية الذين استغلوا المواطنين باسم الدين، وأخذوا يروجون لأفكارهم ، حتى جاء محمد مرسى إلى الحكم ، ثم تم عزله بعد عام من توليه الرئاسة، ومنذ ذلك الوقت، أصبحت عين شمس منطقة ملتهبة ، بسبب الخطب التحريضية المستمرة، وسيطرة أنصار الجماعة الإرهابية على بعض المساجد، ومن ثم استغلوها فى الترويج لأفكارهم وحشد انصارهم، وتجميع الناس حولهم باسم الدين والشريعة، ثم استغلوهم فيما بعد للخروج معهم فى المظاهرات التى تنطلق عقب صلاة الجمعة من كل أسبوع ، ويقومون بالاشتباك مع الأهالى والشرطة، مسلحين بالمولوتوف، والأسلحة النارية، لكن الناس انصرفوا عنهم بسبب العنف والإرهاب الذى يمارسونه باسم الدين، وفقدوا قدرتهم على الحشد، ولذلك هم يفتعلون المشاكل لتأكيد أنهم موجودون، مع أنهم وصلوا إلى مرحلة النهاية، حيث لم يعد خطابهم الدينى ينطلى على أحد. بين الفقر والأمية فى عين شمس، أناس بسطاء، فقراء، وهم يمثلون السواد الأعظم من السكان.. هكذا وصفهم الدكتور عادل عامر الخبير بالمعهد العربى الاوروبى للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية ، علاوة على تواجد بعض البلطجية، وتجار المخدرات كما فى معظم المناطق الشعبية، وكان أعضاء الجماعة الإرهابية يستأجرون البلطجية والمسجلين خطراً للقيام بأعمال العنف والتخريب، وإرهاب المواطنين، وتخويفهم لعدم التظاهر ضد محمد مرسي، وفى أعقاب عزل محمد مرسى ، كانت حشود الجماعة الإرهابية، وأنصارها من اصحاب الفكر التكفيري، تخرج عقب صلاة الجمعة من عدة مساجد، وكانوا يتجمعون فى مجموعات صغيرة، حتى تتزايد أعدادهم ، ليشكلوا مسيرات ضخمة ، ويتوجهون إلى الشوارع الجانبية ، وصولاً إلى شارع أحمد عصمت، وإبراهيم عبدالرازق، حيث الكثاف السكانى المرتفعة، والمحلات التجارية المنتشرة، وكذلك شارع مصطفى حافظ، متجهين إلى ميدان الألف مسكن، وكانوا يقومون بقطع طريق جسر السويس، وتعطيل حركة المرور، علاوة على الاشتباك مع أجهزة الأمن، حتى تقع الاصابات بين صفوفهم فيتاجرون بها أمام القنوات الفضائية ولم تعد لهم قدرة على الحشد والتأثير، وهو ما نلحظه من المسيرات المحدودة، والتى لا تتجاوز بضع مئات أو آلاف على أقصى تقدير، ويتصدى لهم الأهالى ، بعد أن صاروا مصدر إزعاج للأهالي، ولأصحاب المحلات التجارية.. فالجميع يتضررون من ممارساتهم وأعمالهم التخريبية المستمرة، و صاروا يشكلون مصدر تهديد للسكان، ولأرزاق الناس وأشغالهم. ويجب ألا ينخدع الناس فى جماعة الإخوان التى تتخذ من الدين ستاراً، فهى جماعة سياسية، وليست جماعة دينية، كما أن الفكر الإخوانى هو أخطر أنواع الفكر السياسى الإسلامي، لأنه يعتمد على الانتهازية السياسية ، يضاف إلى ذلك أن الاخوان مستمرون فى منازلة الجماعات الإرهابية، أو الصمت على جرائمها ، ومع ذلك يحاولون الظهور بمظهر الاعتدال، وهو تناقض ما بعده تناقض.وهذا مايفسر لجوءها إلى جماعات العنف والإرهاب السياسى والدينى فى مصر، ويبدو ذلك جلياً من ممارسات تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية ، وتصدرهما المشهد السياسى الحالى والقائهما البيانات التى يعدونها معا وإلقائها للأجهزة الإعلام المختلفة .. وعلى الرغم من أن جوهر الإرهاب يظل واحدا، فإن أشكاله وأدواته وتكتيكاته تختلف وتتطور بسرعة مع الزمن.. وتلعب العوامل الاقتصادية دورا مهما فى توجيه سلوك الإرهاب عند الناس والمجتمعات البشرية.. فالحاجة الاقتصادية لا يشبعها أى بديل محتمل وكثرة المشكلات الاقتصادية تؤدى حتما إلى تدميرأسس البناء الاجتماعي، وتترك أثارها على عامة أبناء المجتمع فالبناء الاقتصادى يسبب نمو علاقات اجتماعية معينة، فإذا كانت مشبعة اقتصاديا أحدثت التماسك والترابط الاجتماعى وان كانت عكس ذلك ولدت السلوك العدائى والعنف. الزوايا منبع التطرف فى مصر، نحو 82 ألف مسجد كبير ونحو 25 ألف زاوية صغيرة، صحيح أن وزارة الأوقاف – كما يقول الدكتور عادل عامر- تُحكم سيطرتها على المساجد، لكن الزوايا تخضع كلياً لفكر الجماعات الإسلامية على اختلاف توجهاتها. وهذه الزوايا عبارة عن مساجد صغيرة تقل مساحتها عن 100 متر بناها أناس أسفل منازلهم أو على أراضٍ يمتلكونها، وعادة ما تتبع كل زاوية جماعة دينية محددة تتولى الإنفاق على كل شيء بدءاً من النظافة انتهاء براتب الخطيب الذى يُشبع عقول الناس بفكر تلك الجماعة. وغالبية الزوايا فى مصر تتبع إما جماعة «الإخوان المسلمين» أو السلفيين أو الجماعة الإسلامية أو حتى «التكفير والهجرة». وغالباً ما تتعمد تلك الجماعات عدم الانتهاء من بناء المساجد الكبيرة التى يتبرع بنفقاتها الأهالى أو أعضاء تلك الجماعات من أجل تعطيل تسليمها لوزارة الأوقاف، إذ إن القانون ينص على تسلم الوزارة المسئولة عن المساجد فى مصر أى مسجد ينتهى بناؤه حتى لو كان بتبرعات أهلية أو شخصية، . وتوفر بعض الخطب «غطاء معنوياً للجماعات التكفيرية والأعمال الإرهابية». السياسات الاجتماعية السياسات الاجتماعية التى تتبناها الدولة- كما جاء فى دراسة للدكتورة سوسن فايد مستشارة علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: أن السلوك العنيف - كما تكشفه الدكتورة سوسن فايد مستشارة علم النفس السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية - ينتج من حالة توتر داخل الفرد وفى باطنه، وله دوافع ترتبط بمثيرات وضغوط نفسية واجتماعية، ومن ثم قد يلجأ الفرد إلى العنف تحت تأثير معاناة مادية واجتماعية أو سياسية شديدة، مشيرة إلى أن السياسات الاجتماعية التى تتبناها الدولة، يجب أن تنبع من طبيعة التحديات التى تواجه المجتمع فى ظرف تاريخى معين، ومن ثم فإن أهم هذه التحديات تتجسد فى زيادة معدلات الفقر، وزيادة الهوة بين الطبقات، وتراجع منظومة القيم والبطالة، وانتشار بعض الظواهر الانحرافية مثل الادمان، والبلطجة، والعنف الاجتماعى والسياسي.