لم تكن إمبابة التي تقع في شمال الجيزة بحاجة إلى الأحداث الأخيرة لتدخل بؤرة اهتمام الإعلام المصري والعربي بل والعالمي، فقد كان هذا الحي الذي اشتهر في فترة الستينيات والسبعينيات بهدوئه وتميزه، وهو محط أنظار الجميع منذ أواخر الثمانينيات وحتى الآن ولا ينافسه في تناقضاته سوى منطقة الزاوية الحمراء بشمال القاهرة. إمبابة من حلم مدينة للعمال إلى كابوس جابر بمجرد دخولك إمبابة عن طريق النفق، أو كوبري إمبابة المعدني الشهير يستقبلك جزء من التاريخ ممثلاً في المطابع الأميرية التي أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قرارا بإنشائها في أغسطس 1956، لتنتقل في نفس العام من بولاق حيث مقرها القديم من أيام محمد على باشا، إلى إمبابة على مساحة قدرها 35 ألف متر مربع تقريبا، ويلحق بها أحد مظاهر الاشتراكية في صورة «مدينة العمال» التي كانت في فترة الخمسينيات والستينيات مسكنا لأصحاب «الياقات الزرقاء» من المهندسين، والعمال الذين كانوا أبطال الحقبة الناصرية، وتمر الأيام على إمبابة وتتحول من مشروع مدينة مخططة إلى أحد أكبر التجمعات العشوائية. ويبدأ تاريخ إمبابة منذ أن كانت مرسى لتجار الجمال القادمين لمصر من السودان، مرورا بوقت كانت فيه موقعاً لإحدى المعارك التي سميت باسمها (معركة إمبابة) ودارت رحاها بين قوات الحملة الفرنسية والمماليك، أصل الاسم نبابة، إلا أن كلمة "إمبابه" بالأمهرية وهي اللغة الإثيوبية، تعني "نخلة الدوم المصرية" (Hyphaene Thebaïca)، ومن المرجح أن يكون الاسم قد أطلقه تجار ورعاة جمال متحدثين بالأمهرية كوصف للمنطقة التي كانوا يلتقون فيها للتجارة. ومن أشهر الشخصيات التي تنتمي إلى هذا الحي العريق الشيخ والداعية السلفي محمد حسين يعقوب والإخواني صلاح أبو إسماعيل والكاتب والروائي إبراهيم أصلان. جمهورية إمبابة الإسلامية في بداية التسعينيات كانت مصر تعيش مواجهة حقيقيةً مع الفكر المتطرف، ومع موجةٍ من العنف اليومي والعمليات والتفجيرات والمواجهات مع الجماعات المتطرفة والتفجيرات العشوائية التي حصدت مئات الأبرياء ولم تفرق بين رجل الشارع العادي والمسئولين الحكوميين والسياح ورجال الشرطة، كان الجميع يدفع ثمن التطرف والإرهاب. هذه الظروف هيأت الفرصة لبروز ظاهرة الشيخ جابر وهو طبالٌ وبلطجي سابق تلقفته جماعة متطرفة وحولته إلى زعيمٍ لها وفرضت من خلاله سطوتها على المنطقة لتتحول إمبابة إلى دولة داخل الدولة لها قوانينها الخاصة وحاكمها المطلق. وتلقفت وكالة الأنباء العالمية هذه القصة لتطلق على الحي الشعبي الفقير اسم جمهورية إمبابة الإسلامية. ورغم صعوبة السيطرة الأمنية على الشوارع الضيقة والمنطقة العشوائية إلا أن أجهزة الأمن المصرية اختارت المواجهة في نهاية عام 1992 وحشدت أكبر عددٍ من القوات يتم استخدامه في تاريخ المواجهات الأمنية مع الإرهابيين للسيطرة على منطقة إمبابة وتطهيرها من المتطرفين بالقنابل الذين حاولوا خوض حرب شوارع ضد قوات الأمن الذين تكبدوا بعض الخسائر في هذه المواجهات حيث كانت المدرعات وعربات نقل الجنود عاجزةً عن التوغل في الأزقة الضيقة. ولكن أهالي إمبابة الذين ضاقوا ذرعاً بالشيخ جابر وعصابته ساعدوا قوات الأمن في الدخول إلى الشوارع الضيقة ومطاردة المطلوبين أمنياً من بيت إلى بيت، واستغرقت الحملة الأمنية حوالي سبعة أيام ونجحت في القبض على الشيخ جابر ومعاونيه. وكان لهذه الحملة آثارٌ بعيدة المدى فقد لفتت الانتباه إلى البعد الاجتماعي لظاهرة الإرهاب وأن التنمية الاجتماعية وتوفير الخدمات الأساسية للمناطق العشوائية والفقيرة أمرٌ ضروري لتحقيق السيطرة الأمنية ومنع تحول هذه المناطق الفقيرة إلى بؤرٍ للتطرف يستغل المتطرفون ما يستشري بها من جهلٍ وفقر وتخلفٍ اجتماعي ونقمة على الأوضاع لتبرير أجندتهم العنيفة ضد المجتمع. الزاوية الحمراء أنشأها السادات وأهملها نظامه هي حي شعبي بشمال القاهرة أسسه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات وذلك لاستيعاب سكان عشش الترجمان وبولاق العشوائيتين الذين تم نقلهم إلى مساكن الزاوية الحمراء، وترجع تسمية حي الزاوية الحمراء إلى وجود زاوية للصلاة عند محطة شادر السمك مطلية باللون الأحمر وكانت العلامة المميزة لهذا المكان لذلك أطلق على هذه المنطقة الزاوية الحمراء. وتشتهر الزاوية الحمراء بزيادة عدد البلطجية وتجار المخدرات خاصة في فترات الثمانينيات والتسعينيات. كما تعتبر من أكثر مناطق القاهرة عشوائية من حيث التخطيط وعدد السكان وتعاني من الإهمال في الخدمات. وزادت شهرة هذا الحي في أوائل الثمانينات وتحديدا في 17/6/1981، بما سمي بالفتنة الطائفية التي حدثت بين المسلمين والمسيحيين. حيث نشب خلاف على قطعة أرض بين المسلمين والمسيحيين انتهى بسقوط أكثر من 80 قتيلا ومئات المصابين بجانب نهب وحرق وتدمير عشرات المحال والبيوت في المنطقة، مما أدى لنزول القوات المسلحة وتطويقها المنطقة. ومما ساعد على إشعال الوضع التواجد الغزير لأعضاء الجماعات الإسلامية داخل هذه المنطقة العشوائية التي تقع شمال القاهرة، والتي خرج منها قيادات ورموز هذه الجماعات ومنهم الشاب الذي اعتدى على الكاتب نجيب محفوظ. وكان الحادث الأخير منذ عدة أيام، والذي كاد أن يتحول إلى حرب طائفية جديدة، حينما قام شاب مسيحي باغتصاب طفلة مسلمة لولا تدخل القوات المسلحة التي قامت بالقبض على الشاب وقدمته للمحاكمة. عين شمس ومسجد آدم في نوفمبر عام 2008، شهدت منطقه عين شمس تجمع مئات المسلمين بعد صلاة العشاء، أمام منزل به مصنع صغير للملابس قيل إن صاحبه يريد تحويله إلى مكان يقام به شعائر مسيحية باسم الكنيسة، وهتف المتجمعون أمام المنزل "الله أكبر" "الله أكبر"، حتى تجمع الأمن حولهم وقاموا بتفريقهم بالقنابل المسيلة للدموع، مما دفع المتظاهرين إلى إضرام النار في سيارة "دوجان" لأحد المسيحيين. مما اشعل الوضع حتى نجحت قوات الأمن في السيطرة وفض الاشتباكات. ومنطقة عين شمس من المناطق غزيرة السكان في القاهرة وتعاني من العشوائية كما عانت لسنوات طوال من الصراعات الدينية سواء بين المسلمين والمسيحيين أو بين التيارات الجهادية وخاصة الجماعة الإسلامية وبين الأمن. وفي أول ظهور علني للجماعة الإسلامية في مصر، قام الشيخ عبد الآخر حماد أحد قيادات الجماعة بالقاهرة.. بإلقاء أول محاضرة في سلسلة ندوات ستعقد أسبوعيا ً بمسجد آدم الشهير في حي عين شمس العتيق في يوم الجمعة الموافق 17 أبريل الماضي والذي حضره ما يقرب من 4 آلاف من المنتمين للتيار الجهادي الشهير، وقد تم الإعلان عن إقامة مثل هذا اللقاء الجمعة من كل أسبوع بين صلاتي المغرب والعشاء. وكان اختيار مسجد آدم لإعلان ظهور الجماعة الإسلامية ليس بالمصادفة وليس بالاختيار العشوائي. فقد اعتادت الجماعة الإسلامية في منطقة عين شمس قديما، عمل لقاءات داخل مساجدها وكان لقاء الجمعة بعد المغرب من كل أسبوع لفاءً معروفاً ويتوافد إليه أبناء الجماعة من كل أنحاء القاهرة وأهالي منطقة عين شمس .. وفي لقاء الجمعة الموافق 12/8/1988م.. حاصرت قوات الأمن المركزي المسجد ومن به لعدة ساعات، مما أدى لحدوث اشتباكات فسقط عدد من القتلى وتم إلقاء القبض على الكثير من الأهالي. بعد هذه الحادثة استطاع أعضاء الجماعة الإسلامية السيطرة التامة على مسجد آدم وإلقاء خطبة الجمعة فيه، وتحول المسجد إلى ملتقى للمسلمين حتى أنه كان يصلي الجمعة خلال الشهور التالية حتى الاقتحام الثاني، وتم ذلك في ديسمبر عام 1988م حيث تم القبض على العديد من أبناء الجماعة وهرب الكثير منهم . بل وعطلت الجمعة في مسجد آدم جمعة أو جمعتين، حيث استمرت القلاقل داخل عين شمس - شرق القاهرة - أسابيع متتالية وتحولت المنطقة إلى ثكنة عسكرية ترابط فيه قوات الأمن. في أثناء الهجمة الأخيرة على مسجد آدم، وما زاد توتر الأمور قيام أحد شباب الجماعة الإسلامية ويدعى شريف ويعمل في تجارة الفاكهة، بالهجوم على العقيد عصام شمس وكيل مباحث القاهرة وطعنه في عنقه وما لبث هذا الضابط أن لفظ أنفاسه داخل المستشفى .