قرن من الزمان إلا سنوات بعدد أصابع اليد الواحدة بالضبط مر على ثورة 1919 التى قادها ببراعة الزعيم سعد زغلول وألغت بسببها بريطانيا الحماية المفروضة على مصر . وطيلة هذه السنوات لم يغب سعد زغلول عن بال المصريين على الرغم من ظن البعض خطأ أنه ميراث حزب الوفد لأن الحزب يحاول الاستئثار باسمه كزعيم للوفد لا للأمة. وبسبب سعى الوفد الدؤوب لاحتكار اسمه توزعت اهتمامات المصريين به وفق الاتجاهات السياسية والمنافسات الحزبية والبحث عن دور فى التاريخ حتى لو كان ذلك يمثل عدوانا على مكانة الرجل وانتقاصا من تاريخه المشهود وسعيا وراء عدم إظهارالحقائق التي لا يمكن أن تغيب يوما عن شمس التاريخ . خلد التاريخ اسمه وبات ضريحه الشهير ببيت الأمة مكانا لا تخطئه العين ، ومحطته فى قطار المترو السريع واحة يتردد فيها اسمه كل الوقت وتعج بعشرات الآلاف من المصريين يوميا . وفى مناسبة مرور95عاما على ثورته والتى تحل ذكراها فى العاشر من مارس كل عام تندر نشطاء الفيس بوك على حال مصر الآنى ، وتصوروه يسبب إزعاجا كبيرا وضغطا مؤلما على زعيم الأمة الذى ناضل من أجل إصدار أول دستور وطنى مصرى رغم الاحتلال الإنجليزي، وتحمل مهانة النفى فى مالطا من المحتل الإنجليزي وآمن بحرية مصر وشعبها فى وقت مبكر جدا . جمع توقيعات المصريين على تفويضه والوفد المصرى للتحدث باسم المصريين فى باريس، وهى تجربة كانت جديدة ومبهرة وفى الوقت نفسه شكلت صدمة مدوية للمحتل الإنجليزي، بعد أن عجزعن مواجهة طوفان التوقيعات من المواطنين على تفويض سعد زغلول ورفاقه، وهذه التوقيعات كانت إعلانا لا يحتمل التشكيك بأن الشعب المصرى له قيادة وطنية حتى لو كانت السلطة بيد المحتل. الآن تذكر نشطاء الإنترنت سعد زغلول بطريقة الصدمة ، وإبراز التناقض. وفكر النشطاء فى رمز وطنى تربطه بالأرض صلات لا تقبل فى أى وقت الحركة بعيدا عنها ، وتدخل النشطاء بالتقنيات الحديثة و نشروا صورة لتمثال سعد زغلول وهو يستعد للهجرة وقد جهز جواز سفره وحقيبة سفره. الصورة المعدلة عبر برنامج تحرير الصور «فوتوشوب» لاقت إعجاب الكثير من الشباب وكانت من أكثر الصور جذبا لرواد المواقع والمنتديات الإلكترونية، وانتشارا، وفى الوقت نفسه دلالة. وربما كانت صدفة أو بتخطيط أن تكون من بين الجولات المفاجئة والخارجية التي يقوم بها رئيس الوزراء الجديد إبراهيم محلب زيارة مستشفى أم المصريين التي تخلد اسم السيدة صفية زغلول زوجته التي أطلق عليها الجميع لقب أم المصريين فهى لم تنجب من سعد زغلول، فأراد الشعب المصرى أن يعوضها عن تلك المسألة المهمة لها كأنثى بأن لقبها بلقب أم المصريين وهو اللقب الذي كانت تعتز به كثيرا. لم تكن زيارة محلب لأم المصريين فقط, بل زار أيضا محطة مترو أنفاق سعد زغلول ,حيث فاجأ المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء، الجميع بالتردد على المكانين، وهى بكل تأكيد صدفة وليس هناك رابط فى ذهن رئيس الحكومة بين الزيارتين، لكن الصدفة دوما تأتى لمن يستحقها. كانت الزيارات مواكبة للذكرى الخامسة والتسعين لقيام ثورة 19 التي بدأت بسلسلة من الاحتجاجات الشعبية على السياسة البريطانية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى. بدأت أحداث الثورة في صباح يوم الأحد 9 مارس 1919 وحققت الثورة مطالبها، ففي 28 فبراير 1922 ألغت بريطانيا الحماية المفروضة على مصر منذ 1914. وفي 1923، صدر الدستور المصري وقانون الانتخابات وألغيت الأحكام العرفية. لم تستطع الثورة تحقيق الاستقلال التام، فقد ظلت القوات البريطانية متواجدة في مصر. فى شهر يناير 1924 صدر تكليف من ملك مصر فؤاد الأول لسعد باشا زغلول بتشكيل الوزارة، وقد فاجأ سعد زغلول الجميع فى الرد على جواب التكليف على غير المعتاد بأن أفصح عن ملامح برنامج حكومته. وفى الخامس عشر من مارس 1924 كان افتتاح البرلمان المصرى، أو برلمان الثورة، ثورة المصريين عام 1919، وفى حفل افتتاح البرلمان وأمام نواب الأمة المنتخبين، وفى حضور ملك البلاد فؤاد الأول، وحضور كامل هيئة الحكومة، ألقى سعد باشا زغلول رئيس الحكومة ما أطلق عليه «خطاب العرش».