يعتبر المفكر الكبير الأستاذ السيد يسين من أكبر شيوخ الفكر المصرى، وهو علامة بارزة فى مجال علم الاجتماع السياسى، وظل طوال حياته يعطى وينهل من آبار العلم الاجتماعى، ليصب فى الفكر المصري، و تبوأ العديد من المناصب وقاد الفكر الاجتماعى العربى لسنوات عدة حتى وصل الى ترؤسه منصب مدير المركز العربى للبحوث. العدالة الاجتماعية هل تم تحقيقها أم لا تزال مثالية؟ موضوع العدالة الاجتماعية هو الموضوع الأساسى فى السياسة على مستوى العالم و يمكن التأكيد على أن الصراعات الكبرى التى دارت طوال القرن العشرين بين الرأسمالية و الشيوعية كان محورها العدالة الاجتماعية وكيف يمكن تحقيقها: هل بالتأكيدعلى الحافز الفردى حيث يحدث التراكم الرأسمالى الذى يطرح ثماره على الجماهير بشكل عام او بالعكس ؟ هل تعتمد الدولة على قطاع عام مملوك للشعب؟ أم تعتمد على القطاع الخاص، بل إن موضوع العدالة الاجتماعية كان السبب فى الصراع السلمى بين علماء الاجتماع فى القرن العشرين لأنهم انقسموا إلى فريقين، الأول يوافق على الرأسمالية باعتبارها هى التى تحقق العدالة الاجتماعية، والمعسكر الآخر يناصر الاشتراكية الشيوعية ودارت المعركة العلمية بين المعسكرين، وانتهت بهزيمة الشيوعية بانهيار الاتحاد السوفيتي، وتشرذمت الامبراطورية السوفيتية وصعد مذهب الليبرالية الجديدة بأن السوق الحرة هى المنقذة وهو الذى يحقق العدالة الاجتماعية. ولكى نحسم هذا الجدل لابد أن نضع تعريفا إجرائيا للعدالة الاجتماعية، وهناك صعوبة فى هذا التعريف لانه يشمل ميادين متعددة، ولكننى مع تعريف أحد العلماء الألمان «وهو توسيع فرص الحياة»، ويعنى اعطاء الجماهير العريضة الحق فى التعليم والصحة والتأمينات والسكن والعمل, ومعنى ذلك أن العدالة الاجتماعية هى صلب العملية الاجتماعية الشاملة التى تعتمد على سد احتياجات الناس، ومن هنا يمكن القول إن المهمة الصعبة للرئيس المنتخب القادم أيا كان شخصه تتركز فى تقييم مشاكل البلاد من خلال مؤشرات ثم عليه ان يقدم بصفة عامة رؤية استراتيجية وعليه الرجوع الى العقول المستنيرة فى جميع الميادين والرؤية المستقبلية لمصر من الناحية السياسية والاقتصادية والعلمية فى السنوات العشرين المقبلة، وعليه ان يحدد مقاييس التفرقة للأولويات التى يحتاجها الشعب على المدى القصير و المتوسط و الطويل وما هى خططه فى الميادين التى أشرنا إليها: التعليم , الصحة, العمل و البطالة, و الفجوة الطبقية الكبرى بين الأغنياء و الفقراء. هل يمكن الجمع بين الاقتصاد الحر و الحقوق الاجتماعية؟ على الدولة اعطاء مزايا للطبقات الفقيرة والمتوسطة، كما المثال الذى نراه فى نظام التأمين الصحى لكل من انجلترا و فرنسا الذى يعد من أفضل النظم التأمينية على مستوى العالم فى علاج الفقراء، ولا يجوز للدولة ان تقف متفرجة دون الدفاع عن الفقراء فلابد من مد يد المساعدة من الدولة للفقراء وبخاصة فيما يخص الاسكان، وتبقى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية. بعبارة أخرى لا ديمقراطية بدون عدالة اجتماعية، ويبقى على المفكرين وصانعى القرار تنفيذ شعار ثورة 23 يوليو لان هدفها كان تطبيق العدالة الاجتماعية، بشكل جيد، و الذى تراجع فى عهد الرئيس محمد أنور السادات، و ما تلاه من رؤساء لمصر و تدهورت أوضاع الطبقة الوسطى، وهو ما أرادت ثورتا 25 يناير و 30 يونيو استعادته لتحقق مطامح غالبية الشعب المصرى التى تريد أن تعيش بكرامة و لكن أحد أسوأ الأخطاء السياسية أن يتم إعلاميا تصدير أحلام غالبية الشعب التى ستأخذ وقتا طويلا قبل جنى ثمارها على أنها سهلة المنال و قريبة المدى . كيف يمكن تشجيع الاستثمار؟ هناك عدة أمور حاسمة يجب أن نوليها اهتمامنا مثل استعادة الأمن أولا ثم تحقيق الحد الأقصى من الاستقرار السياسى مع غربلة جميع القوانين المعقدة وذات الثغرات التى يستغلها اصحاب النفوس الضعيفة، حتى يستطيع المستثمر ضمان حقوقه، مما يفتح و يشجع أبواب الاستثمار للزيادة، ثم يجب على الدولة التخطيط طويل المدى و فتح منافذ جديدة و قوية و ذات مردود مادى يشجع المستثمر على التعاطى فيها على جميع مستويات الاستثمار.
إبراهيم فتحى:
حبر على ورق لحين التنفيذ
الكاتب والمفكر ابراهيم فتحى بدأ خطوات حياته الفكرية والسياسية والأدبية بالترجمة، فقد كان مستشارا لدار الفكر المصرية فى الخمسينيات من القرن الماضى، وأسهم بالعديد من التراجم مثل رواية «الهزيمة» للروسى فانسيف، كما كان له بحكم موقعه فى دار الفكر المصرية اسهامات من خلال اختيار الكتب المترجمة و التى كان لها بالغ الاثر فى اثراء المناخ الثقافى والتقدمى الطليعى الثورى فى ذلك الوقت، و هو لا يتوقف عن المتابعة والابداع المتواصل ولا يزال ينوع ابداعاته المتدفقة من خلال رسالته التى انتهجها فى الحياة، ولنستنير بآرائه و افكاره فى هذه المرحلة المهمة من تاريخ وطننا بادرناه بسؤالنا: هل تتحقق العدالة الاجتماعية الآن؟ الوضع الاجتماعى فى أسوأ أوضاعه، فالفوارق الاجتماعية هائلة ووضع الفقر يقترب أحيانا من المجاعة و هدف العدالة الاجتماعية أصبح مجرد أمنية بعيدة التحقق، وأسهم فى ذلك سياسة الخصخصة و الانفتاح ورفع يد الدولة عن توجيه وإدارة عشوائية السوق. هل هناك ما يدعو للتفاؤل؟ التفاؤل مرهون بتحقق شروط تجعل هناك مجالا لهذا التفاؤل، منها التوصية بصيغة عادلة بين الأجور والأسعار ووضع حد أدنى وحد أقصى للأجور. ما رأيك فى الخصخصة؟ جاءت فى غير صالح أغلبية العاملين من الطبقة العاملة وأصحاب الفكر من الطبقة الوسطي، كما فتحت الطريق لإعادة تصدير رأس المال الأجنبى و مهدت الأرض للتبعية الاقتصادية. هل يمكن الجمع بين الاقتصاد الحر والعدالة الاجتماعية ؟ حدثت محاولات فى السويد والنرويج لتحقيق المساواة فى اقتصاد حر، والآن اخفقت هذه التجربة أسوأ اخفاق وعادت الفوارق الهائلة لأن رأس المال فى جشعه لتحقيق الربح يغلق الفرص امام تحسين الأجور إلا بطريق النضال العمالى المستمر، ولا يتبرع رأس المال للعاملين على الاطلاق كما دلت التجربة التاريخية للرأسمالية فى العالم، وما حدث من دولة الرخاء فى الغرب حدث ايام الحرب الباردة و الخوف من توسع الاشتراكية، والآن يرى رأس المال أنه ليس هناك داع لاستمرار المكاسب التى انتزعها العاملون بشق الانفس . الدستور اقر بالحقوق الاجتماعية وهذا حسن، ولكن أفضل الدساتير يظل حبرا على ورق ما لم تكن هناك ارادة عملية للتنفيذ على أرض الواقع و ذلك يتم عبر صراع ومشقة. هل يوجد تعارض أم توافق بالاقتصاد الحر؟ يوجد توافق بين مصلحة العاملين الذين لا يملكون سوى قوة عملهم، بينما يوجد بين ملاك وسائل الإنتاج تناحر فى المصلحة، وما يكسبه العمال هو انتقاص من نسبة الربح عند رأس المال . المصلحة ليست متناقضة فحسب بل متناحرة كما دلت التجربة فى العالم قبل الحرب الباردة، فالبلاد الاستعمارية تعرض فيها العمال الى أوضاع اجتماعية شديدة السوء (أوضاع الأجر والعلاج وشروط العمل مثل مواعيد العمل و إصابات العمل وغيرهم) ولم يتحقق أى مكسب عمالى إلا بعد إضرابات وصراع و سجون و تصل احيانا الى قتل المتظاهرين و المضربين. حتى عندما تتحقق مكاسب تتم بأعلى درجات الصعوبة، لقد تحققت مكاسب و لكنها دائما مهددة بالانقضاض عليها، وعلى سبيل المثال فإنه لا تزال مكاسب العلاج ببريطانيا مهددة بالانتقاص حتى الآن. كيف يمكن تشجيع الاستثمار فى ظل هذه الظروف التى تمر بها البلاد؟ أهم شيء لدى المستثمرين الأجانب هو حرية تصدير الأرباح والاعتماد على الاستثمار الأجنبى ليس هو الطريق إلى العدالة الاجتماعية، بل الطريق هو التنمية المستقلة التى ترفع درجة التصنيع المحلى وتخفض من نسب الارباح وتضع حدا أقصى لهذه الأرباح و هو ما ترفضه استثمارات رأس المال الاجنبى و الطريق هو تنمية داخلية و تطور اقتصادى داخلى وليس معنى ذلك التشرنق الداخلى بعيدا عن التطور الاقتصادى فى العالم، فالعلاقة مع الاقتصاد العالمى مهمة وضرورية و لكن يجب ألا تكون سقوطا فى فخ العولمة الى حد التبعية. وما رأيك فى حقوق العاملين المهدرة فى القطاع العام تحديدا؟ الحد الأدنى للأجور غير مطبق بالرغم من الاعلان عن تطبيقه، وتغطية نفقات الحد الأدنى للأجور ينبغى أن تجيء من خلال وضع حد أقصى للدخول شديدة الارتفاع، وهى تكفى لتغطية الحد الأدنى للأجور بحيث لا يتقاضى المدير أو صاحب العمل اكثر من 10 أضعاف الحد الأدنى للأجور. وما رأيك فى وسيلة الخروج من المأزق ككل؟ العالم كله يعانى منذ 2008 من أزمة طاحنة، وقد حدثت حركات احتجاجية فى الولاياتالمتحدة وأوروبا ومن يدعى بوجود مجتمع رأسمالى بلا أزمة فهى بمثابة خرافة دعائية, كما أن الاشتراكية الواقعية متمثلة فى الاشتراكية السوفيتية المنهارة واشتراكية السوق فى الصين ليستا أملا لأحد حسب التجربة الواقعية, إن مجتمع المستقبل فى العالم كله لايزال تحت الابتكار والابداع فلابد من تحقيق الديمقراطية للعاملين وتمكينهم من السلطة بوصفهم الاغلبية و يجب على الشعب ان يبتكر النظام الذى يحقق له مصالحه و لا يكون مجرد ببغاء يستورد نظاما من الخارج متأثرا بالدعاية المحيطة به. وما رأيك فى الرأسمالية الاحتكارية ؟ الاحتكارية مرفوضة قانونا، وإننى مع القانون فى عدائيته للرأسمالية الاحتكارية و فى السنوات الماضية كان النظام الاحتكارى متفشيا بشكل مرضى و اشتمل على بعض السلع الاستراتيجية مثل الحديد والاسمنت وهو ما كان مرفوضا بكل اشكاله سواء على المستوى الشعبى او على مستوى القانون.