مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 27 أكتوبر 2025 في القاهرة والمحافظات    الجيش الأمريكي يعلن سقوط طائرة "إف-18" ومروحية "سي هوك" في بحر الصين الجنوبي    الكونفدرالية - بصافرة أمين عمر.. مابولولو يتعادل للبدري مع أهلي طرابلس ضد نهضة بركان    الإقالة تقترب أكثر يا تودور؟ يوفنتوس يخسر من لاتسيو بهدف دون رد    أول قرار من النيابة في حادث مقتل أطفال اللبيني ووالدتهم    ماس كهربائى وراء حريق مصنع ملابس بشبين القناطر.. والحماية المدنية تسيطر    الطب الشرعي يحسم الجدل: «قاتل المنشار» بكامل قواه العقلية    القبض على شخصين استغلوا مشاجرة في المنيا للتحريض ضد الوحدة الوطنية    "البلتاجي "على كرسي متحرك بمعتقل بدر 3 ..سر عداء السفاح السيسى لأيقونة يناير وفارس " رابعة"؟    روسيا: تدمير 6 طائرات مسيرة أوكرانية كانت متجهة إلى موسكو    بعد سيطرة الدعم السريع.. الأمم المتحدة تطالب بتوفير ممر آمن للمدنيين في الفاشر    إسرائيل تؤكد أنها من يقرر مسار الأمور في غزة رغم الهدنة    فنزويلا تدين "الاستفزاز العسكري" لترينيداد وتوباغو وتتهمها بالتنسيق مع CIA    اتفاق اللحظة الحرجة.. واشنطن وبكين تقتربان من تهدئة حرب التجارة عبر المعادن النادرة و"تيك توك"    لافروف: مبادرة عقد قمة روسية أمريكية ما زالت قائمة لكنها تحتاج إلى تحضير جيد    فرنسا وبريطانيا تزودان أوكرانيا بدفعة جديدة من الأسلحة    «عائلات تحت القبة».. مقاعد برلمانية ب«الوراثة»    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    مصدر مقرب من علي ماهر ل في الجول: المدرب تلقى عرضا من الاتحاد الليبي    مواعيد مباريات اليوم فى الدورى المصرى    بهدف قاتل ومباغت.. التأمين الإثيوبي يفرض التعادل على بيراميدز بالدور التمهيدي من دوري الأبطال    الزمالك مهدد بالاستبعاد من بطولات إفريقيا لكرة اليد.. الغندور يكشف التفاصيل    عاجل - تحديثات الذهب مع بداية الأسبوع.. أسعار المعدن النفيس في مصر اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    أسعار طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الاثنين 27 أكتوبر 2025    سعر الدولار اليوم الاثنين 27102025 بمحافظة الشرقية    اسعار الحديد فى الشرقية اليوم الأثنين 27102025    حالة الطقس في أسيوط الإثنين 27102025    العشق القاتل.. اعترافات المتهم بإنهاء حياة عشيقته وأطفالها الثلاثة في الهرم    عمرو أديب: موقع مصر كان وبالا عليها على مدى التاريخ.. اليونان عندها عمودين وبتجذب 35 مليون سائح    ريهام عبد الغفور تطرح بوستر مسلسلها الجديد «سنجل ماذر فاذر»    أكاديمية الفنون تُكرّم اسم الفنان السيد بدير بإعادة عرض «عائلة سعيدة جدًا»    بكلمات مؤثرة.. فريدة سيف النصر تنعي شقيقها    مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 27-10-2025 في الشرقية    احذري، كثرة تناول طفلك للمقرمشات تدمر صحته    نمط حياة صحي يقلل خطر سرطان الغدة الدرقية    الزبادي اليوناني.. سر العافية في وجبة يومية    علاج سريع وراحة مضمونة.. أفضل طريقة للتخلص من الإسهال    وصلت إلى 350 ألف جنيه.. الشعبة: تراجع كبير في أسعار السيارات (فيديو)    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط بدون إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس    الجمع بين المرتب والمعاش.. التعليم تكشف ضوابط استمرار المعلمين بعد التقاعد    3 أبراج «هيرتاحوا بعد تعب».. ظروفهم ستتحسن ويعيشون مرحلة جديدة أكثر استقرارًا    فرصة ثمينة لكن انتبه لأحلامك.. حظ برج الدلو اليوم 27 أكتوبر    مساعد وزير التموين: حملات مكبرة لضبط الغش التجاري وعقوبة المخالفات تصل للسجن    حماية المستهلك: ضبطنا مؤخرا أكثر من 3200 قضية متنوعة بمجال الغش التجاري    غزل المحلة: الأهلى تواصل معنا لضم ثلاثى الفريق الأول.. ولكن    أمير عبد الحميد: تدريب حراس الأهلى حلم تحقق.. والمنافسة فى النادى صعبة    مأساة في ميدان الشيخ حسن.. مصرع طالبة تحت عجلات سيارة سرفيس مسرعة بالفيوم    صحة القليوبية: خروج جميع مصابى حادث انقلاب سيارة بطالبات في كفر شكر    شيخ الأزهر: لا سلام في الشرق الأوسط دون إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس    التنمية المحلية: إجراءات عاجلة لمعالجة شكاوى المواطنين من انبعاثات محطة خرسانة بالمنوفية    وكيل صحة شمال سيناء يترأس الاجتماع الشهري لتعزيز وتحسين كفاءة الأداء    الحسابات الفلكية تكشف موعد بداية شهر رمضان 2026    برلمانية: سأعمل على دعم تطوير التعليم والبحث العلمي بما يواكب رؤية الدولة المصرية    قيادات حزبية: كلمة الرئيس السيسي جسدت قوة الدولة ونهجها القائم على الوعي والسلام    وزير المالية: إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة والتعليم خلال السنوات المقبلة    هل رمي الزبالة من السيارة حرام ويعتبر ذنب؟.. أمين الفتوى يجيب    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغلوطة «المثقف والسلطة»
نشر في الأهرام اليومي يوم 11 - 03 - 2014

عندما اخترتُ «أثر الفراشة» عنواناً لمحاضرتى العامة فى العاصمة الأردنية عمان،
بدلاً من العنوان المستهلك (علاقة المثقف بالسلطة) كان فى ذهنى أمران يتعلقان بالعنوان البديل، ويرتبطان بالطرح الذى قدمته فى المحاضرة..
الأمرُ الأول منهما، هو النظرية الفيزيائية الطريفة التى ظهرت منذ خمسين سنة، واشتهرت كثيراً بعد ظهورها؛ وملخصها أن ذاك الكون وهذا العالم الذى نعيش فيه، مترابطٌ على نحوٍ عجيب فى (بنيةٍ) واحدة تؤثِّر عناصرها فى بعضها البعض. وتم التعبير عن هذه النظرية (أو بالأحري: النظرة) بعبارةٍ رنانَّة الإيقاع بديعة المعني: «إذا رفَّت فراشةٌ بأجنحتها فى الصين، فقد يُحدث ذلك إعصاراً فى أمريكا».. والأمرُ الآخر، هو قول الشاعر محمود درويش فى قصيدته (ديوانه) المعروف «أثر الفراشة» ما نصُّه: أثرُ الفراشةِ لا يُري، أثرُ الفراشة لا يزولُ، وهو جاذبيةُ غامضٍ يستدرجُ المعنى ويرحل، حين يتضح السبيلُ، هو خفَّةُ الأبديِّ فى اليوميِّ وأشواقٌ إلى الأعلي، وإشراقٌ جميلُ.
كأن الشاعر كان يعبِّر رمزياً بسطوره الشعرية هذه، عن دور «المثقف» فى كل مجتمع، ويشير إلى المعانى المرتبطة بمفهوم الفعل الثقافي. وفى هذا السياق لابد لنا أولاً من الوقوف عند تعريف (المثقف) وتحديد دلالة هذه الكلمة التى طفرتْ فى واقعنا العربى المعاصر، فجأةً فى بدايات القرن العشرين. وفى ذلك نقول:
خلال تاريخنا الطويل، لم تُستعمل كلمة «مثقف» إلا بمعناها اللغوى الأصلى الذى حدَّده العلامة ابن منظور (جمال الدين محمد بن مكرم، المتوفى سنة 630 هجرية) بقوله فى قاموسه الشهير «لسان العرب»: ثَقَفَ الشيء يعنى حذفه، ورجلٌ ثَقِفٌ يعنى حاذقُ الفهم، ويقال ثَقَفَ الشيء أى تعلَّمه بسرعة فصار ثابت المعرفة وصاحب فطنة وذكاء، وثُقف الرجل يعنى ظُفر به! يقال «ثقفنا فلاناً» فى موضع ، أى أخذناه منه.
أما كلمة «الثقافة» ذاتها فى فصيح اللغة العربية، فهى تعنى ضمن ما تعني: إعمال السيف «واقتلوهم حيث ثقفتموهم» والثِّقافُ هو الخصامُ والمجالدة، والثقَّافة أيضاً: خشبةٌ تسوَّى بها الرماح.. ولم تستعمل كلمة «مثقف» فى تراثنا إلا بمعنى مجازي، هو رشيق القوام! وهو معنى كنتُ أجهله حين قمتُ فى العشرينيات من عمرى بتحقيق أشعار عفيف الدين التلمساني، فأدهشنى قوله فى مطلع قصيدةٍ بديعةٍ تذوب رقةً : لا تُخدعنَّ برقَّةٍ فى خدِّه/ فالسيفُ قتالٌ برقَّة حَدِّه.
ودَعِ الجفونَ فإنما وَسْنانها/ أضحى سِنَاناً فى مثقف قدِّه.
أما الموصوف اليوم بالمثقف، فهو الذى كان طيلة تاريخنا يسمى «الأديب» وهو الوصف الذى ينطبق على الشعراء والكُتَّاب والمفكرين والفلاسفة، وغيرهم ممن ذكرهم ياقوت الحموى فى كتابه الموسوعى الشهير : معجم الأدباء . وفى أوروبا، ظهر مصطلح (الثقافة) وانتشر فى القرن التاسع عشر، بمعنى «التحضر والرقي» وقيل فى بيان هذا المعني، إن الثقافة هى الجانب اللامادى من الحضارة. ثم وضع عالم الاجتماع الشهير «تايلور» فى بدايات القرن العشرين، تعريفه الذى حظى بقبولٍ واسعٍ فى أنحاء العالم، بقوله: الثقافة بمعناها العام هى ذلك الكل المركب الذى يشتمل على المعتقدات والمعارف والفنون والأعراف والعادات الأخرى التى يكتسبها الإنسانُ باعتباره عضواً فى مجتمع.
وهكذا صارت «الثقافة» معادلةً للوعى بطبيعة ماهو سائد فى المجتمع، ومطابقةً لمقدار الإحاطة بهذا «الكل المركب». فيكون الموصوف بالمثقف هو الشخص الواعى بطبيعة مجتمعه والمجتمعات الأخرى (بصرف النظر عن مقدار وعيه ) مع أن كل إنسان يعيش فى جماعة فهو بالضرورة مثقفٌ، ولو بقدرٍ ضئيل. أما الذى يوصف تخصيصاً بالمثقف، فهو الشخص الأكثر وعياً وإحاطةً وانشغالاً بالأفكار والفنون والمعارف المعبِّرة عن مجتمعه والمجتمعات الإنسانية الأخري.. وبهذا المعني، تمَّ انتقال لفظ ومفهوم «المثقف» فى واقعنا العربى المعاصر، بعد بدايات القرن العشرين، وانتشرت المفردات المشتقة منه.
وللمثقف دورٌ فى مجتمعه، أقرب ما يكون إلى «أثر الفراشة» بمعنى أنه يتوسَّل بالكلمات والتعبيرات الأدبية، أو بأنواع الفنون، أو بالبحث المتعمق؛ كى يعكس طبيعة هذا المجتمع ويرتقى بمستواه ويستشرف آفاقه المستقبلية. ولأن أدوات «المثقف» بالغة الرهافة، فهى خليقة بصفة «رفيف أجنحة الفراشة» لأنها تظهر فى خاتمة المطاف فى شكلٍ رهيف : قصيدة، لوحة، موسيقي، إبداع فكري.. وغير ذلك من أنواع «الإنتاج الثقافي».
طيب ، هذا عن «المثقف».. فماذا عن «الحاكم» وطبيعة الدور الذى يقوم به فى المجتمع؟ الحاكمُ شخصٌ استجاب لشهوة الاستعلاء على الناس، وأحبَّ أن يُدير أمورهم حسبما يرى هو. وهو يسعى دوماً لضبط حركة المجتمع، لضمان استقرار حكمه.. وكما أشرنا فى مقالة الأسبوع الماضي، فإن أدوات الحاكم كلها حسية ومباشرة ابتداءً من قوة الشخصية (الكاريزما) المرتبطة بصفات جسمية معينة، ومروراً بالعطايا المادية، وانتهاءً بأدوات القمع الملتجئ إليها عند اللزوم: السجن، الشرطة، بطش الأعوان، العَسَس (جهاز الأمن السري).. وهو ما يعبِّر عنه اختصاراً بقولهم: ذهب «المعز» وسيفه.
ونظراً لاختلاف الوسائل والغايات بين الحاكم، والمثقف (القاهر، والمحلِّق) فقد وقع الخلافُ فى كثيرٍ من الأحيان بينهما، وهو ما أوحى لأهل زماننا بأن المثقف لابد أن يكون معارضاً سياسياً. وهذه فى واقع الأمر «أغلوطة» يجب الانتباه إليها، ما دمنا بصدد إعادة بناء مجتمعاتنا التى اهتزت بفعل الفساد الذى استطال طيلة العقود الماضية، أو بالأحري: ما دمنا نزعم ذلك!
إن وقوع الخلاف واشتجار الاختلاف، ليس شرطاً أساسياً لعلاقة المثقف والحاكم. فقد رأينا فى تاريخنا الطويل، مالا حصر له من أمثلة دالة على تناغم هذا الدور مع ذاك، سعياً للارتقاء العام بحياة الجماعة. ولطالما حرص كثيرٌ من الحكام النابهين على إذابة الجليد بينهم وبين مثقفى زمانهم، والأمثلة على ذلك لا تكاد تقع تحت الحصر. لكن اشتهار المآسى التى وقعت لبعض المثقفين على يد الحكام فى زمانهم، جعل كثيرين منا يتوهَّمون أن المثقف لا بد له أن يكون معارضاً للحاكم، لا ناصحاً. وكأنه لابد أن يكون مختلفاً معه، ومكتوياً بناره، وليس متفاعلاً معه على نحوٍ يجمّع الجهود للارتقاء بواقع الناس.. ومفهوم أن الاستبداد الطويل الذى عاشته مجتمعاتنا العربية فى الأزمنة القديمة والفترات الأخيرة، كان السبب وراء اشتهار هذه «الأغلوطة» التى لن نجد لها مصداقية فى مجتمعات راقية، كالمجتمع الفرنسى المعاصر. مثلاً.
وبالطبع، فهذه ليست دعوة لمهادنة المثقفين للحكام، بل بالعكس من ذلك: هى دعوةٌ للتناغم فيما بينهما مادام ذلك فى مصلحة الجماعة، وإشارةٌ إلى ضرورة قيام كُلٍّ منهما بدوره الاجتماعى العام (بالسلم إن أمكن، وبالمعاداة إن لزم) .. فإذا انحرف الحاكم قام المثقف بتقويمه، وإذا استبدَّ قاومه بأثر الفراشة الذى قد يُحدث الأعاصير التى تقتلع العروش.
لمزيد من مقالات د.يوسف زيدان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.