" الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة ، وتلتزم بدعمه وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك ، وتولى اهتماما خاصا بالمناطق النائية والفئات الأكثر احتياجا ".. هذا ما أكده الدستور فى المادة 48 ، ورغم وجود وزارة للثقافة تضم عشرات المواقع التى تنشر المعرفة من خلال طباعة الكتب وإصدار المجلات وإقامة الندوات والمعارض ، وإنفاق الدولة ملايين الجنيهات سنويا على هذه الأنشطة إلا أن كل هذا ليس له مردود ولا يشعر به أحد خاصة فى المناطق النائية والفئات الأكثر احتياجا ، فما السبب ؟ هذا ما حاولنا معرفته من خلال آراء المثقفين. البعض أرجعه لتدهور التعليم وتراجع الإعلام ، والبعض الآخر يرجعه لغياب القيم والتقاليد ، ورأى ثالث يرى أن السبب هو عدم وجود مناخ من الحرية . فما هو رأى المختصين .. هذا ما توضحه السطور التالية .
فى البداية يرى الشاعر فاروق شوشة الأمين العام لمجمع اللغة العربية أن الثقافة ليست أفضل من الحالة العامة, فنحن نتحدث عن انهيار أشياء كثيرة وغياب ما يسمي قيما وتقاليد وأساسا لدولة وكيان, وأشعر بأن الفوضى والغضب والتمرد هى التى تحكم حياتنا الآن, وأعتقد أن الثقافة ليست بعيدة عن هذا كله .هناك جهود تمارسها وزارة الثقافة من خلال مؤسساتها المختلفة, لكن لا يكاد الناس يتأثرون بهذه الأشياء لأننا نعيش فوضى هائلة, ويغيب المجتمع المستقر الذى يوضع فيه كل شخص في المكان الذى يستحقه, وينظر إلى الحياة على أنها تستحق الفرح والاهتمام والجدية, ويكون لدى الناس مشاريع وأحلام غير محبطة, ولا يكون الواقع مغايرا لما أملوه وعاشوه أيام الثورة, عندما يكون المجتمع بهذه الصيغة, يستقر وجود المنتج الثقافى. الثقافة المصرية فى حالة ثورة أما د. عماد أبو غازى وزير الثقافة الأسبق فيرى أن الثقافة المصرية الآن فى حالة حراك شديد من قبل ثورة 25 يناير وحتى الآن ، ويؤكد على أهمية وجود رؤية جديدة تتواكب مع العصر وليس مع الثورة فقط ولكن مع القرن الحادى والعشرين ، ونحتاج إلى تحديد ما هي وظيفة وزارة الثقافة فى هذا العصر ، هل هى كما أنشئت عام 1952 آم أننا محتاجون إلى مفهوم مختلف ، وهل هى كما كانت مؤسسات تابعة للدولة أم أن هناك أشياء جديدة تطورت وتغيرت ، لابد أن نحدد هذا أولا ، ونحدد معنى الثقافة لأن لكل إنسان ثقافته . الخروج إلى الجماهير ويؤكد د. سعيد توفيق الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة أن المجلس بدأ بالفعل فى وضع خطة إستراتيجية لعمل اللجان بدءا من العام الحالى تهدف إلى تفاعل اللجان ليس فقط مع مؤسسات الدولة المختلفة باعتبارها بيوت خبرة استشارية، ولكن بخروج هذه اللجان بأنشطتها إلى الأقاليم والمحافظات وخاصة فى المناطق النائية .وقامت بعض اللجان بالتنسيق مع بعض المحافظات لتفعيل أنشطتها فى محافظات مطروح والمنيا والوادى الجديد وأسوان ،وتطلعنا للوصول إلى سيناء ولكن نظرا للظروف الأمنية أرجئت قليلا ، وهذه الأنشطة لا تمثل ندوات فحسب، ولكنها شراكة بين المجلس والمحافظات فيما يتعلق بتنشيط وترويج السياحة والمحافظة على المعمار البيئى لكل محافظة . كما ساهم المجلس فى وضع الدستور وصياغته من خلال لجنة ضمت خيرة العقول بلجنة الخمسين برئاسة المستشارة تهانى الجبالى ، وتم الاتفاق على رؤية موحدة تبناها الأعضاء بعد لقاءاتهم بجموع المثقفين ، ولا ننسى دور لجنة الشباب التى كانت تجوب المحافظات قبل الإعداد للدستور للتعريف به. ورغم وجود بعض المعوقات إلا أن هناك تعاونا كبيرا بين المحافظات وأعضاء اللجان المتطوعين لتطبيق هذه الإستراتيجية التى يتم متابعتها للنظر فيما تحقق وما لم يتحقق بعد . الثقافة صنعة والحرية وقودها أما د. عبد اللطيف عبد الحليم الشاعر والمترجم فيؤكد أن الثقافة عموما هى عصب الأمة ,وكلمة "ثقافة" من تثقيف الرماح والسيوف وهذا يعنى أنها صنعة ، لكن لابد مع الصنعة أن تكون هناك فطرة نستطيع أن نسميها الفطرة الثقافية وتحتاج دائما إلى وقود وهذا الوقود يتمثل فى الحرية فلا ثقافة بلا حرية ، وينبغى أن نكون منصفين لنقول أن العهد الملكى قبل عام 1952 كان فيه من الحرية - برغم الأغاليط - ما يكفل أن تزدهر الثقافة ، وتزدهر العقول ، ومن هنا وجدنا أعمال النهضة فى أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين ، ثم جاءت الفاشية مع 52 فكسرت أقلام المثقفين إلا قليلا ، وأنشأت وزارة الثقافة لتوجه الثقافة حيث تريد السلطة أو دخول الحظيرة كما يسمونها . صحيح أن هناك ازدهارا فى الخمسينيات والستينيات ، لكن هذا الازدهار كان يقوم به من عاشوا وتربوا فى عهد الملكية، فكل كتابات الخمسينيات والستينيات مدينون بها لما قبل 52 ، ولننظر إلى كل أعلام هذه الفترة بداية من طه حسين والعقاد ويوسف إدريس والشرقاوي .. الخ . نحن الآن فى انحدار شديد رغم أن لدينا وزارة وميزانيات ضخمة ، ولكن هذه الأشياء كلها فقاعات ، لا أظلم أحدا أو أجور على أحد وان صلحت النوايا ، ولكن الخطط القائمة لا تصنع ثقافة جيدة . ليست وزارة الثقافة مسئولة وحدها بل يسبقها ويناصبها وزارات التعليم ,فليس عندنا تعليم إلا قشور حتى فى الجامعات ، وأصبحت الدراسة نمطية لا تؤهل لوجود مثقف ممتاز . اعتقد أن الثقافة لن تعود مرة أخرى إلا إذا تنفس المثقفون الحرية كاملة وآلا تكون هناك رقابة إلا من ضمير المثقف، فالحرية أولا وأخيرا. تراجع القراءة واختلال القيم ويقول د. حسين نصار العميد الأسبق لكلية الآداب جامعة القاهرة أن المشكلة تكمن فى نقص الوعى عند المثقفين والجمهور ونحن نحتاج لإيقاظ هذا الوعى الذى كان موجودا ويقظا عند المصريين منذ جيل الثورة العرابية وثورة 19 حتى الخمسينيات من القرن الماضى،هذا الوعى بدأ فى التراجع نتيجة تراجع القراءة أمام وسائل الاتصال الحديثة ، قديما كنا نشاهد المكتبات المتنقلة تجوب الأحياء والمناطق النائية. أين هى ؟ وكذلك تراجع البرامج بوسائل الإعلام من إذاعة وتليفزيون الذين ينظرون إلى البرامج الثقافية على أنها ليست جماهيرية ، ولا ننسى أيضا تراجع مستوى التعليم فالمدرس قديما كان يخرج طالبا مثقفا عارفا ، أما الآن فالمدرس يلهث وراء الدروس الخصوصية وأصبح سلعة ، وفقدنا المدرس الذى كان يحبب الطالب فى مادته ويشجعه على القراءة والبحث ، علينا إعادة هذا المدرس فالمدرسة هى البداية والبذرة التى ينبت منها المثقف الحق ، ولا ننسى أيضا اختلال القيم فى المجتمع . القصور التفاعلية ويرفض المهندس محمد أبو سعدة رئيس صندوق التنمية الثقافية , مبدأ تراجع الثقافة، مؤكدا أن الوزارة لديها أكثر من مائة مكتبة على مستوى الجمهورية ، بالإضافة إلى مراكز الإبداع والبيوت الأثرية التى تم ترميمها مثل وكالة الغورى وبيت خاتون والأمير طاز والهراوى وغيرها، وجميعها تؤدى رسالتها ، إلى جانب دعم الجمعيات الأهلية ، ولكن المشكلة فى عدم وجود التغطية الإعلامية الكافية لتوصيل رسالة الوزارة . وفى ظل صراع الميديا وتكنولوجيا المعلومات ارتأت الوزارة إقامة مشروع بيوت الثقافة الافتراضية من خلال توقيع بروتوكول مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات . وهذا القصر التفاعلى يعنى إتاحة كافة أنشطة وفعاليات الوزارة وتراثها الفنى الفريد لكل الأفراد للاطلاع عليها إليكترونيا. ومن خلال هذه البوابة يتم تبادل المعرفة والمشاركة فى المسابقات واكتشاف المواهب . كما يتيح أرشيف المخطوطات والبرديات والوثائق النادرة بدار الكتب ، وكذلك الفنون التشكيلية والتراث السينمائى والمسرحى ، وآلاف الخرائط والاسطوانات الموسيقية والأفلام ، وكذا أرشيف الأوبرا إلى المواطن المصري فى كل مكان من أرض مصر ، والى جميع المهتمين فى جميع أنحاء العالم . وسيتم إطلاق هذا الموقع خلال الستة أشهر المقبلة.