« لو عقلة واحدة فى اليد مصابة مينفعش تلعب أى آلة» هذه الجملة وقعت كالصاعقة على مسمع خالد عبد الفتاح النادى – المصاب بشلل أطفال بإحدى يديه والكفيف فى الوقت نفسه. عندما حاول الالتحاق بمعهد «الكونسرفتوار» لتعلم العزف على الأورج، فرغم فقد بصره تدريجيا العين تلو الأخرى، أثبت أن الإنسان يمكن أن يعيش بلا بصر، ولكنه لا يمكن أن يعيش بلا أمل وإرادة وحلم .. لذلك سعى إلى تحقيق حلمه، وتعلم العزف على الأورج بمفردة، وحصل على كارنية نقابة المهن الموسيقية، واستحق لقب خالد «الشريعى» عن جداره. يحكى خالد قصته للصفحة: منذ ولادتى أصيبت بشلل أطفال فى يدى اليمنى بسبب شدى منها بالقوة فى أثناء الولادة مما دمر خلايا أصابع اليد والمفصل والكوع، وقد أجريت فيها أكثر من عملية جراحية، ولكن بدون فائدة، ومع ذلك عشت طفولة كلها مرح ولعب حتى سن السابعة، وفى بداية سن الثامنة فقدت عينى اليسرى بعد لعبى مع القطة التى كانت تربيها أمى فى البيت وتسببت فى تصفية عينى بالكامل, ورغم ذلك استمرت الحياة بشكل طبيعى والتحقت بالمدرسة الابتدائية، وبعدها الثانوية حتى تخرجت من جامعة الأزهر قسم اللغة العربية، وعندما وصل عمرى 26 عاما، حدثت مشاجرة بين أثنين من أصدقائى وتدخلت للفصل بينهما، فأصيبت» بكدمة» فى عينى اليمنى أفقدتنى بصرى إلى الأبد. بداية الرحلة وعن بداية علاقته بالموسيقى يقول خالد 36 عاما: طول عمرى أحب الموسيقى وحاولت أن أتعلم العزف على الأورج فى أحد الأماكن المتخصصة مثل قاعة سيد درويش أو معهد «الكونسرفتوار» ولكن كان الرد الشهير الذى أسمعه فى كل مكان أذهب إليه هو « لو عقله واحدة فى اليد مصابة مينفعش تلعب أى آلة « لأنى مصاب بشلل أطفال فى يدى اليمنى، كما أن اليد الأخرى بها أصبع أعصابه مشدودة، لذلك اكتفيت بالغناء وكان عندى أورج أهدته لى أمى بعد نجاحى فى الثانوية العامة، وكنت أحاول العزف عليه، ولكن من دون جدوى، وبعد أن أصبحت كفيف قررت أن أتعلم العزف على الأورج بمفردى، فدخلت حجرتى، وكنت أجلس بجوار التليفون أستمع إلى شرح عازف الناى هانى لطفى، حيث كان يخبرنى بوظيفة كل زر وأقوم بتطبيق ما يقوله، وخلال ثلاثون يوماً تعلمت العزف على الأورج، وفى اليوم الواحد والثلاثين عزفت على الأورج فى أحد الحفلات, وكنت أحضر الشرائط الغنائية للأغنيات التى أرغب فى عزفها وأتدرب عليها إلى أن احترفت العزف على الأورج بأصابعى الأربعة من يدى اليسرى, وبدأت أعمل فى العديد من الأماكن الخاصة وتلقيت العديد من العروض للسفر إلى الخارج من بعض الأجانب ورفضتها كلها وفضلت البقاء فى مصر ولكن واجهتنى مشكلة أن العائد المادى بالكاد يكفى أجرة التاكسى والمرافق الذى يقوم بوضع الأورج لى فى مكان الحفل، لذلك امتنعت عن العمل. كارنية نقابة الموسيقيين وعن كيفية حصوله على كارنية نقابة المهن الموسيقية يقول: بعد ثلاثة سنوات من العزف على الأورج تقدمت لاختبار نقابة المهن الموسيقية، وحصلت عليه وأنا واقف بمجرد عزفى مقطوعة موسيقية صغيرة، حيث أُعجب بعزفى الموسيقار هانى مهنا ووصفنى ب «كيبورد الشرق الأوسط «دون منازع، بعد ذلك فكرت فى العمل كمدرس موسيقى، وتقدمت للعديد من المدارس الخاصة ورغم موهبتى وعضويتى بنقابة المهن الموسيقية لم يوافقوا لعدم حصولى على شهادة تربوية، حيث إنى خريج قسم اللغة العربية جامعة الأزهر، وبذلك ضاع آخر حلم لى ولم يبقى أمامى سوى تعينى فى «سوبر ماركت» براتب 300 جنيه شهريا. شريكة الحياة وعن رحلة البحث عن نصفه الآخر يقول: عندما فكرت فى الزواج قضيت عامين أبحث عن شريكة حياتى من الإسكندرية حتى أسوان، وكانت النتيجة دائماً الرفض بسبب إعاقتى البصرية، وفى نهاية المطاف وجدت زوجتى فى الشارع الخلفى لمقر سكنى، وتزوجنا وأنجبنا طفلين، وأسعد لحظات حياتى هى التى أقضيها بينهم. أحلام وفى نهاية الحوار تحدث خالد عن أحلامه قائلا: أحلم بأن يحصل كل مصرى على حقه دون محسوبية، ويسود العدل، ويكون الكل سواسية, كما أحلم أن تهتم قصور الثقافة والأوبرا بموهبتى، ويساعدونى على إقامة حفلات، وانتظر اليوم الذى أسافر إلى بلاد العالم بصحبة الأورج حتى يروا عبقرية المصريين الذين لا تقهرهم أى ظروف مهما كانت. لمشاهدة خالد وهو يعزف على الأورج نرجو زيارة صفحة «صناع التحدى «فى موقع جريدة الأهرام www.ahram.org.eg