آلةٌ وَتَريّةٌ تُغمَز أوتارها بالأنامل. والصّنج الوترىّ أو الهارب آلةٌ مصريّة ابتكرها القدماء المصريون منذ الأُسرات الأولى، وهى أقدم الآلات الوتريّة عندهم. بل كانت الآلة الوتريّة الوحيدة التى عرفتها الدّولة القديمة ومن ثلاثة عناصر أساسية تألّفت منها الفرقة الموسيقيّة آنذاك، وهى المُغنّى، وعازف الهارب، وزامر النّاى. وتتألّف آلة الهارب من ثلاثة أجزاءٍ رئيسة: الصّندوق المُصوّت والرّقبة والأوتار. وتختلف عن سائر الآلات الوتريّة بنزول أوتارها عموديًا على صندوقها المُصوّت. وتطوّرت الآلة عند قدماء المصريين ووصلت إلي أرقي حالاتها فى عهد الأسرة العشرين، كما تبين نقوش مقبرة «رمسيس الثّالث». وعبر التّاريخ شهدت تنوّعًا في شكلها، أهمّها الهارب المُنحنى، وذو الحامل، والكتف، والزّاوى. وانتشرت هذه الآلة فى سائر الممالك القديمة وانتقلت منها إلى أوروبا فى العصور الوسطى. وشغف بالعزف عليها جماعات «التّروبادور» و«الميناسنجر». وأدخلت عليها أوروبّا تحسيناتٍ مثل الدّوَسات الفردية ثم الزّوجية، وأدخلتها الفِرَق السِمفُونيّة. ويرجع الفضل لنقوش الدولة القديمة فى ظهور الرسوم الأولى التى نقلت للبشرية صورة الحياة الموسيقية داخل المجتمع المصرى القديم عزفاً وغناءً، كما أوضحت تلك النقوش أشكال الآلات الموسيقية بفصائلها المختلفة ( وترية ونفخ وإيقاعية ) وأسلوب العزف عليها، وعكست النقوش الرقى الذى وصلت إليه صناعة تلك الآلات. وتوضح الرسوم على جدران المعابد والمدافن فى جميع أقاليم مصر القديمة أن الحياة الموسيقية الدينية والدنيوية فى عصر الدولة الوسطى كانت على نسق الدولة القديمة، بخلاف بعض التنوع فى الشكل الخارجى لآلات الهارب مع ثبوت عدد الأوتار وطريقة العزف عليها. وكانت أغنية عازف الهارب ضرباً من ضروب الأدب المصرى القديم، وارتبطت أغنية عازف آلة الهارب بدور مهم فى الصلوات والطقوس الجنائزية وتقديم الزهور عند الدفن، وكان لها أيضاً دور مهم فى المناسبات الاجتماعية حيث تضفى عليها جواً من المرح والسرور. وفى عصر المملكة الوسطى ظهرت النقوش الخاصة بعازفى الهارب المكفوفين لأول مرة فى مقبرة «مرى رع الأول» بتل العمارنة بالمنيا. وظهرت الرسوم على جدران مقابر خاصة ولم تظهر على جدران المعابد. وفى عصر الدولة الوسطى ظهرت نقوش وتماثيل تصور الحيوانات فى صورة موسيقيين وهذه الظاهرة كانت مدعاة للفكاهة والمرح. وفى الدولة الوسطى انضمت إلى الفرقة الموسيقية آلات الكينارة والطبول بعد ظهورها فى الحياة الموسيقية. وكان لكل فرقة موسيقية قائد يتوسط المجموعة ويكون عادة بدون آلة وأحياناً قائدان،الأول لمتابعة العازفين وكان يعطى مجموعة من إشارات اليد والآخر وظيفته ضبط إيقاع العمل الموسيقى باستخدام التعبير باليدين أو فرقعة الأصابع أو الضرب على الركبتين أو كلاهما معاً لتنظيم الأداء وأحياناً تكون وظيفة المايسترو غير مقصورة على القيادة فتصل أحياناً إلى الغناء وتشجيع أعضاء الفرقة الموسيقية. وفى الدولة الحديثة تطورت صناعة الآلات الموسيقية عامة والوترية بشكل خاص حيث شملت الخامات، وجودة الصناعة، والشكل الخارجى، وعدد الأوتار، وما تبعه من زيادة للمساحة الصوتية، واتساع الحركة اللحنية بين الحِدَة والغلظ. وتطورت آلات «الهارب» فى الشكل الخارجى وعدد الأوتار حيث وصل إلى 22 وتراً فى عصر الرعامسة (الأسرة العشرين)، ووصلت ارتفاع بعض تلك الآلات إلى أكثر من مترين. وظهرت آلات العود البيضاوية الشكل ذات الرقبة الطويلة والقصيرة؛ وهو ما عُرف باسم عود الرقص، كما ظهر العود الكمثرى الشكل ذو الرقبة الطويلة فى عصر الأسرة الخامسة والعشرين وما بعدها؛ وهو أشبه بالطنبور أو البُزق. مما أثرى الموسيقي المصرية فى عصر الدولة الحديثة وجعلها متفوقة عن موسيقات الممالك التى عاصرتها، ما دفع أفلاطون فى كتابه «الجمهورية» لدعوة اليونانيين إلي الاستماع والاستمتاع بالموسيقى المصرية، ذات القواعد والقوانين العلمية، واعتبرها أرقى موسيقات العالم وأعظم نموذج يمكن أن تحتذى به أى موسيقى تنشد التعبير عن الجمال، وخير وسيلة لتهذيب العقول والترويح عن النفوس.