اوروبا تقرر نيابة عن كل الشعب الاوكراني، دون اعتبار لارادة ما يقرب من نصف سكانها... ماذا يريد؟ وإلى من يرغب فى الانضمام ؟ بل وماذا عليه ان يكره وعن اى الدول يجب ان يبتعد؟ . . هذا ما تردده الغالبية الساحقة من ابناء جنوب شرق اوكرانيا لدى متابعتها لما يجرى فى اجتماعات الاتحاد الاوروبي، ولما يدور فى اروقة الكونجرس الامريكى والبيت الابيض، فى توقيت تجأر فيه موسكو بالشكوى من خداع واكاذيب المسئولين الغربيين ممن لم يلتزموا يوما بما تعهدوا به !!.. فالى اى مدى يمكن لكل من الاطراف المعنية المضى على طريق التصعيد؟. وكيف يمكن الخروج من الازمة الراهنة؟ الشواهد تقول ان روسيا هى المقصودة فى نهاية المطاف .. . ولتأكيد مثل هذه البدهية التى طالما دار الحديث عنها منذ انتهاء الحرب الباردة فى نهاية ثمانينيات القرن الماضي، يعيدنا الرئيس الروسى فلاديمير بوتين الى ما جرى ويجرى فى اروقة الدوائر الغربية والناتو منذ ذلك الحين. وكان بوتين اعلن فى مؤتمر الامن الاوروبى فى فبراير 2007 ان الدوائر الغربية وفى مقدمتها حلف الناتو لم تلتزم بكل ما تتعهد به. واعاد الى الاذهان ما قاله مانفريد فيرنر الامين العام الاسبق لحلف الناتو فى اعقاب اعلان موسكو فى عام 1991 عن حل حلف وارسو الذى كان يجمعها مع كل بلدان شرق اوروبا، حول ان الناتو لن يتقدم خطوة واحدة ابعد من حدوده القائمة فى المانياالغربية!. فهل التزم الحلف بذلك؟ . لقد مضى الحلف بخطوات حثيثة لضم كل بلدان شرق اوروبا، وحتى تجاوز الحدود السوفيتية السابقة ليلتهم ثلاثا من جمهوريات البلطيق، تمهيدا لضم ما قد «تفرط» فيه موسكو من بلدان «الثورات الملونة» وفى مقدمتها جورجيا واكرانيا. وحين اصطدم بموقف حاسم من جانب موسكو ضد غزو جورجيا لاوسيتيا الجنوبية التى كانت اعلنت استقلالها عن جورجيا من جانب واحد، تراجع الناتو فى مؤتمره الذى عقده فى بوخارست فى عام 2008 ليعلن عن تأجيل انضمام جورجياواوكرانيا الى الحلف. اذن ضم اوكرانياوجورجيا الى حلف الناتو احلام مؤجلة تعلم موسكو انها تظل ضمن قائمة هذه الاحلام التى تضم الصين ايضا. وهناك فى موسكو من يدرك ان الغرب يرى فى الاحداث الراهنة فى اوكرانيا والتى وقف وراء اندلاعها، فرصة مواتية لتحقيق هذه الاحلام تنفيذا لمخطط قديم يعود تاريخه الى بداية تسعينيات القرن الماضى ويستهدف القاء روسيا الاتحادية الى مصير مشابه لما لحق بالاتحاد السوفييتى السابق. وذلك واقع لا ينكره بوتين الذى تشير الشواهد الى انه سيظل يعمل من اجل التصدى له ايا كان الثمن الذى يمكن ان يدفعه. وكان فيتالى تشوركين المندوب الدائم لروسيا فى الاممالمتحدة قد اماط اللثام فى الاجتماع الاخير لمجلس الامن الدولى عن بعض اسباب اتخاذ قرار البرلمان الروسى حول اجازة حق استخدام الرئيس بوتين للقوات المسلحة فى اوكرانيا، حين قال انه جاء استجابة لطلب الرئيس الاوكرانى فيكتور يانوكوفيتش الذى تقدم به اليه فى اول مارس الجاري. وقام تشوركين بعرض صورة ضوئية لخطاب يانوكوفيتش الذى قال فيه «ان بلاده على اعتاب حرب اهلية وطلب تدخل القوات الروسية من اجل اقرار السلام والامن فى بلاده». ودعا تشوركين المجتمع الدولى الى الالتزام بموقف اكثر موضوعية فى اشارة مباشرة الى تمادى الغرب فى تبنى المعايير المزدوجة واغفال تطرف القوى القومية وتراجعه عما سبق وأقره عبر وساطة وزراء خارجية فرنساوالمانيا وبولندا، من اتفاق مع الرئيس الاوكرانى يانوكوفيتش وثلاثة من أبرز زعماء المعارضة فى كييف حول شروط التسوية السياسية. وتطرق تشوركين الى ما لوحت به بعض الدوائر الاوروبية والامريكية بشأن فرض العقوبات ضد روسيا ليقول ان هذه الدوائر تحديدا هى التى تقف وراء شطط القوى الاوكرانية المتطرفة التى رفضت الالتزام باتفاق 21 فبراير الذى توصل اليه المبعوثون الغربيون مع يانوكوفيتش وممثلى المعارضة الاوكرانية حول سبل الخروج من الازمة، الى جانب اغفال هذه الدوائر لمصالح جنوب شرق اوكرانيا.واعاد تشوركين الى الاذهان ما سبق وفعله الرئيس الامريكى رونالد ريجان حين دفع بقواته الى جرينادا فى عام 1983 دفاعا عن موطنيه كما قال، ولم يكن هناك اكثر من الف امريكي، وليس كما هو الحال فى القرم وداخل اوكرانيا التى يسكنها ما يقرب من عشرة ملايين مواطن يحملون الجنسية الروسية الى جانب الاقليات الناطقة بالروسية!!. وقال «انه اذا كانت اوكرانيا بالنسبة للبعض جزءا من لعبة «جيوسياسية»، فانها تظل بالنسبة لروسيا بلد شقيق، يرتبط معه بتاريخ يمتد لقرون طويلة».وكان الكثيرون فى روسيا اعربوا عن دهشتهم ازاء ما يقوله «الغرب» حول عدم شرعية يانوكوفيتش، وتجاه سرعة اعتراف الدوائر الغربية بالسلطة الجديدة فى كييف وهو الموقف الذى يظل على طرفى نقيض مما سبق واعلنته الدوائر نفسها حتى الامس القريب تجاه ما شهدته القاهرة فى اعقاب احداث 30 يونيو الماضي. ولا نعتقد انه يغيب عن اذهان العامة والخاصة ما فعلته وتفعله واشنطن وحلفاؤها فى مختلف ارجاء العالم بما فى ذلك تدخل الناتو والولاياتالمتحدة فى العراق بدون موافقة مجلس الامن وحتى بعض الحلفاء الاوروبيين ممن رفضوا المشاركة فى مثل هذه المغامرات.ويذكر الكثيرون ان الولاياتالمتحدة سبق واقرت صراحة فكرة تاييد الحرب الاستباقية لدى وضع استراتيجيتها للامن القومى فى عام 2002 فى اعقاب احداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 ذلك ما يدفع الكثيرين فى موسكو الى التساؤل عن منطقية انكار حقها فى اتخاذ مثل تلك القرارات على مقربة مباشرة من حدوده التاريخية وحيث تقطن عشرات الملايين من أبناء الوطن؟!. ونأتى الى موضوع العقوبات ومحاولات عزل روسيا، لنقول انه يظل مسالة محفوفة بالكثير من العواقب المزدوجة التى يمكن ان تلحق اسوأ النتائج بكل الاطراف. فالعقوبات سلاح ذو حدين، وهو ما تدركه دول كثيرة وفى مقدمتها ألمانيا الشريك التجارى الاول لروسيا فى اوروبا، بغض النظر عن كل ما يمكن ان يلحق بروسيا من جراء ذلك من اضرار سياسية واقتصادية قد تكون اكثر حدة عن ذى قبل ابان سنوات الحرب الباردة.ولذا فان هناك من يقول فى موسكو بضرورة الحوار بين الاطراف المعنية وليس بين روسيا وممثلى السلطة الحالية فى كييف، بل من خلال وساطة دولية لا بد ان يعلن اطرافها الغربيون مسبقا احترامهم لنتائجها والتزامهم بتنفيذ ما يمكن ان تسفر عنه من اقتراحات، وليس كما حدث فى 21 فبراير . وبهذه المناسبة تطرح موسكو العودة الى هذه الوثيقة رغم اعتبارها مجحفة للكثير من الاطراف الاوكرانية صاحبة المصلحة المباشرة فى ذلك، وهو ما كان وراء عدم توقيع ممثل الكرملين عليها. وللمزيد من ابداء حسن النوايا سارعت موسكو الى اعلان :» أن القائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أصدر أمرا بعودة وحدات الجيش الروسى التى شاركت فى المناورات العسكرية إلى أماكن مرابطتها الدائمة، بعد أن حصل على تقرير حول النتائج الناجحة للمناورات التى جرت فى غرب ووسط روسيا( اى المناطق المتاخمة للحدود مع اوكرانيا وشرق اوروبا)».