«ميراث ثقيل لعصر انتهى » ربما كان هذا هو الوصف الأكثر دقة لتعامل الدولة مع ما تبقى من القطاع العام سابقا ،، بينما مازالوا من يدافعون عما يعتبرونه »اموال الشعب » احتسابه كنزنا يتم دفنه وإهالة تراب الاهمال عليه تمهيدا لبيعه لمن يدفع« اقل«بين من يلقون بالإرث الضخم و المنهك بفعل السنين والجمود وتوقف عجلة الابداع فى السوق لبيعه ،، وبين من يدافعون عما تركته سنوات الستينيات وما قبلها من ماكينات كانت تطعم الشعب وتكسوه يوما. يبدو قطاع الاعمال العام -حاليا- القطاع العام -سابقا - ملفا يستحق القراءة . نبدأه بمعرفة تفاصيل شركاته وتكوينها وما هى وكيف تدار ومن يديرونها ربما يدرك من تابعوا تصريحات رئيس الوزراء أخيرا عن قطاع الاعمال العام ان هناك فعلا ما يستحق الاهتمام به وازاحة التراب عنه ليكون سندا لوطن يحتاج لكل ماكينة توقفت عن الدوران بدلا من بيعه خرده لمن ما زالوا يطمعون فيه وتركه بلا صاحب لمن يخربونه عمدا او اهمالا . خارطة قطاع الاعمال العام بدأ تشكلها بقانون يحمل رقم 203 لسنة 1991 الذى استحدثه نظام مبارك وقتها، ليبدآ به خطواته الحقيقية نحو الخصخصة بمعناها الكامل، والتى تمثلت فى رآى منظريه الاقتصاديين وقتها وعلى رآسهم رئيس الوزراء عاطف صدقى فى التخلص من ميراث القطاع العام الثقيل الذى لم يعد متناسبا مع معطيات الواقع الاقتصادى الجديد لمصر، ومع ما يفرصه صندوق النقد من شرط التخلص من ميراث النظام الاشتراكى الذى يفترض ان ينتهى. وهو ما اتفق وقتها مع هوى النظام من رغبة فى التخلص من الميراث الثقيل ، بمكاسبه وخسائره فى آن واحد .. سعد عبود البرلمانى السابق واحد مؤسسى حركة حماية التى تآسست أخيرا للدفاع عن بيع ما تبقى من هذا الميراث والسعى لاستعادة ما تم بيعه بالفعل يعتبر ان ما حدث وقتها لم يكن فقط محاولة للتخلص من عبء القطاع العام بمكاسبه وخسائره، بل ايضا :«محاولة لتمكين القطاع الخاص ورجال الاعمال من السيطرة على الصناعة والتجارة المصرية بالكامل ،عبر ازاحة منافس حقيقى ينتج سلعا ذات جودة عالية وسعر منخفض وتمكين هؤلاء كذلك من السيطرة على هذا القطاع عبر مشاركته فى ملكيته او بيع مصانعه وادوات انتاجه ليتحقق الاحتكار الكامل لسلع بعينها، وهو ما حدث على سبيل المثال فى قطاع الحديد» ويشير عبود لوجود مادة اعتبرها المفتاح السحرى لهذا البيع الجائر على حد قوله وهى المادة 38 والتى تنص على انه اذا بلغت خسائر الشركة نصف رآس المال المصدر يحق لمجلس الادارة ان يدعو لجمعية عامة للنظر فى حل الشركة او تصفيتها او دمجها وهى المادة التى ..«بيع بموجبها اكثر من نصف شركات العام بيعا كاملا او بيعا لحصص تمهيدا للبيع الكامل». ( قانون ووزيران ) خريطة شركات قطاع الاعمال العام هى فى حد ذاتها قصة تستحق القراءة، ربما يعطى هذا تفسيرا منطقيا لهذا العالم الذى تتعامل معه الدولة منذ نشآته وحتى الآن بإعتباره الملف المزعج على طاولة كل مسئول منذ وضع على طاولة رئيس وزراء مصر وقتها عاطف صدقى الذى كان رئيسا للوزراء ووزير لقطاع الاعمال العام، الذى أصدر هو قانونه الشهير القانون (203) لعام 1991 حتى عام 1993 عندما انتقلت الى وزير التنمية الادارية وقتها عاطف عبيد ليكون وزيرا لقطاع الاعمال العام ووزيرا للتنمية الإدارية حتى عام 1999 عندما تولاها مختار خطاب ليستمر فيها حتى 2004 وتتحول الوزارة الى قطاع تابع لوزارة الاستثمار ووزيرها محمود محيى الدين، وهو الوضع الذى ما زال مستمرا حتى الآن وربما يتغير خلال ايام باستحداث منصب مفوض لقطاع الاعمال العام الذى يقال ان رئيس الوزراء ابراهيم محلب سيتولى التصديق عليه. الرحلة الوزارية لملف قطاع الاعمال العام تزامنت معها رحلة اخرى عبرت تماما عن توجهات كل وزير وسياسة النظام المصرى وقتها، وهى رحلة البيع التى بدأت بمجرد ظهور الكيان الجديد عام 1991 والذى كان يضم وقتها 27 شركة قابضة تتبعها 314 شركة تابعة وفى عام واحد فقط تم بيع 7 شركات، وفى عام1996 كان قد اصبح عدد شركات قطاع الاعمال الى 16 شركة قابضة يتبعها 247 شركة بعد ان تم بيع 67 شركة خلال خمس سنوات فقط ومع نهاية فترة تولى عاطف عبيد لوزارة قطاع الاعمال العام فى عام 99 كان عدد الشركات القابضة قد وصل الى 10 شركات فقط يتبعها 185 شركة وهو ما يعنى بيع 129 شركة . وعندما تسلم محمود محيى الدين وزارة قطاع الاعمال العام ليحولها لقطاع يتبع وزارة الاستثمار التى تولى حقيبتها، كان عدد الشركات القابضة قد وصل الى 9 شركات تتبعها 166 شركة أوصلها فى نهاية عهده بالوزارة الى 146 شركة بعد أن باع 20 شركة من كبريات الشركات منها شركة طنطا للكتان وعمر أفندى والمراجل البخارية وغزل شبين التى صدرت احكاما قضائية بإعادتها للدولة. لتصبح بشكل قانونى ضمن قائمة الشركات التابعة لقطاع الاعمال العام وان كان عمليا ما زال وضعها التنفيذى مؤجلا لحين نظر الوزير المختص فى قرار اعادة تشغيلها وهو ما يعنى ان الرقم الحالى لشركات قطاع الاعمال العام قد وصل الى 151 شركة . وهذه الشركات هى من الشركات المملوكة ملكية كاملة للدولة او تمتلك فيها اكثر من 50% اى 50 % +1% بينما هناك خارج هذه المنظومة ما يزيد على 200 تمتلك فيهم الدولة اقل من 50% وحتى 5% فقط وهذه الشركات قصة اخرى . ( الجمعية الحاكمة ) اما بالنسبة للهيكل العام لشركات قطاع الاعمال العام الآن فهو يتكون من 9 شركات قابضة وهى الشركة القابضة للصناعات الكيماوية ويتبعها 21 شركة من العاملة فى هذا المجال واهمها شركة الصناعات الكيماوية كيما والدلتا للاسمدة والقومية للاسمنت ، الشركة الثانية هى الشركة القابضة للصناعات الغذائية وتتبعها 23 شركة اهمها مصر للالبان وطنطا للزيوت والعامة لمخابز القاهرة ،الشركة الثالثة هى الشركة القابضة للغزل والنسيج وهى اكبر شركات قطاع الاعمال من حيث عدد الشركات التابعة وعدد شركاتها 32 شركة اهمها شركة غزل المحلة ذات العمالة الضخمة والخسائر الاضخم الان ، اما الشركة الرابعة فهى الشركة القومية للتشييد ويتبعها 20 شركة من الشركات العاملة فى مجال المقاولات والبناء منها شركات النصر العامة للمقاولات والنصر للمبانى والكراكات المصرية ، الشركة الخامسة هى الشركة القابضة للصناعات المعدنية ويتبعها 13 شركة ، الشركة السادسة هى القابضة للنقل البحرى والبرى ويتبعها 16 شركة منها غرب الدلتا ووسط الدلتا ، الشركة السابعة هى القابضة للسياحة والفنادق وتتبعا 9 شركات منها المصرية العامة للسياحة (ايجوث)ومصر للسياحة والأزياء الحديثة بنزايون ، الشركة الثامنة هى القابضة للتأمين ويتبعها 3 شركات ،واخيرا الشركة القابضة القابضة للادوية ويتبعها 11 شركة اهمها شركات النيل للادوية والنصر للصناعات الكيماوية وممفيس للادوية . آلية التعيين تعيين قيادات تلك الشركات يمر عبر آلية واحدة تبدآ من وزير قطاع الاعمال الذى يختار ما يسمى الجمعية العامة للشركة القابضة هذه الجمعية وهذه يكون عدد اعضائها مابين 12 الى 14 عضوا بالاضافة للوزير اى ان قطاع الاعمال به 9 جمعيات عامة تضم نحو 120 عضوا يختارهم الوزير بمفرده من اهل الخبرة والمختصين كما ينص القانون هذه الجمعيات العامة تختار كل فى قطاعه اعضاء مجالس الإدارات لكل قطاع والذين تتراوح اعدادهم ما بين 7 الى 11 عضوا وهؤلاء يختارون بدورهم اعضاءمجالس الادارة المعينين فى كل شركة تابعة . رؤساء مجالس ادارات الشركات التسع القابضة وهى الاسماء المعلنة على موقع مركز معلومات قطاع الاعمال ولا اسماء غيرها هى القابضة للغزل والنسيج مهندس فؤاد عبدالعليم ،الشركة القابضة للصناعات الغذائية حسن كامل نعمان ، الشركة القابضة للسياحة والفنادق والسينما على عبدالله عبد العزيز،الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، مهندس محمد عادل الموزى، القابضة للكيماويات والمستلزمات الطبية دكتور مجدى حسن ،الشركة القومية للتشييد مهندس احمد محمد السيد على، الشركة القابضة للتأمين دكتور محمد يوسف . شركات خاسرة وقيادات دائمة الهيكل الادارى لقطاع الاعمال العام الذى يبدو متضخما لحد كبير مشكلته الحقيقية الآن ومنذ بدء فى قياداته سواء فى توافر معلومات عن هذه القيادات اسمائها وتواريخ تعيينها او فى المعايير التى يتم على اساسها الاختيار وهى الطريقة التى رآى فيها البعض ممرا امنا جدا للفساد ليعبر لقلب هذا القطاع بسهولة مطلقة وكما يشرح لنا مهندس محمود ابو سيف احد المنسقين لحركة« حماية« :« منذ بداية اختيار الجمعيات العامة للشركات كان المعيار الوحيد هو اختيار اهل الثقة ممن تولوا مناصب سابقة او اللواءات او التنفيذيين واغلبهم كانوا ممن وصلوا لسن المعاش اى تخطوا الستين عاما وبعضهم لا زال مستمرا فى منصبه من اكثر من عشرين عاما ،فالتغيير فى هذه الجمعيات محدود جدا ولا يخصع العاملين فيها لاى تقييم للأداء مجرد حضور للجلسات وتقاضى مكافآت تصل لمئات الالوف بدون اى محاولات للعمل الحقيقى لتطوير اداء تلك الشركات ويكفى ان ننظر لميزانية شركات قطاع الاعمال العام لنعرف حجم الفشل فى الادارة والفساد ايضا ومن واقع الميزانيات المعلنة لتلك الشركات نجد ان الشركة القابضة للصناعات الكيماوية كان من المفترض انها تستهدف تحقيق ربح (1.2) مليار عام 2012/2013 تحقق منه 598 مليونا فقط ولم يحاسب احد وهو ما تكرر فى الشركة القابضة للصناعت الغذائية التى كانت تستهدف ربح 536 مليونا ولم تحقق سوى 250 مليونا فقط . بينما حققت القابضة للغزل والنسيج خسائر قدرت بمليار و37 مليونا وهذا القطاع على وجه التحديد اكثر القطاعات سخونة واهمها فى حجم الارتباك والفساد الادارى وهو الذى يضم شركة المحلة للغزل والتى تعتبر نموذجا على عمليات الإفلاس والتخريب المتعمدة لهذا القطاع الهام فرئيس الشركة القابضة للغزل والنسج الذى تتبعه شركة المحلة العملاقة والتاريخية كان هو نفسه المفوض العام على الشركة منذ 2007 وحتى 2001 وكان يديرها منفردا فى ظل عدم وجود مجلس ادارة وبعد ان تسلم الشركة وهى تخسر 39 مليونا فى السنة حققت الشركة فى اول سنة يتولى رئاستها 144 مليونا خسائر وصلت فى العام الاخير لتوليه الادارة الى 158 مليونا ورغم ذلك تم تعيينه من قبل الجمعية العامة للقابضة للغزل والنسج رئيسا لمجاس ادارة الشركة القابضة بكل ما تضمه من شركات وكآنه لم يكن كافيا ما حدث لشركة المحلة ومطلوب تكرار التجربة فى باقى الشركات بينما قانون شركات قطاع الاعمال العام ينص فى مادته الخامسة على انه .. يجوز عزل رئيس مجلس الادارة والاعضاء اذا كان من شآن استمرارهم الاضرار بمصلحة الشركة كما انه ليجوز التجديد لرئيس واعضاء مجلس الادارة اذا لم تحقق الشركة الاهداف المحددة لها خلال فترة العضوية وهذا الجزء بالذات ينطبق على رؤساء كل الشركات فجميعهم لم يحققوا الاهداف المحددة سلفا.