الأغانى الشعبية فى السينما المصرية ليست ظاهرة جديدة ولكنها اختلفت من حيث الشكل والمضمون نظرا للتحولات المجتمعية، وأصبحت تستخدم كلمات مبتذلة تهدف لجذب جمهور معين من عشاق تلك الأغاني، من خلال توليفة سينمائية خاصة ازدادت خلال السنوات الأخيرة حتى أصبحت هى الظاهرة المنتشرة فى دور العرض السينمائي, حيث استعان بعض المنتجين بعدد من المغنين الشعبيين لتحقيق أرباح خيالية مستغلين حالة الركود السينمائى الذى أعقب الثورة.. أصبح للغناء الشعبى شكل ولون جديدان على النقيض تماما من الغناء الشعبى الحقيقي.. ذلك الغناء الذى قدمه احمد عدوية ومحمد العزبى ومحمد رشدى وغيرهم ممن تتلمذوا على ايدى شكوكو ومحمد عبد المطلب.. لا شك أن السينما المصرية اعتمدت على الأغنية الشعبية الجديدة فى نجاح العديد من الأفلام خلال السنوات الأخيرة والأمثلة كثيرة منها أفلام «حصل خير» و«جيم أوفر» و«الألماني» و«عبده موته» و«8 %» وغيرها من الأفلام التى أساءت للمجتمع المصرى بتدنى المستوى والألفاظ البذيئة التى تدمر الذوق العام، فهل يرتبط وجود مثل هذه الأغانى فى الأفلام بالحالة المزاجية للجمهور بغض النظر عن مستواها الاجتماعى ؟ يقول د. محمد شبانة أستاذ مساعد بالمعهد العالى للفنون الشعبية: إن الأغنية الشعبية موجودة فى السينما المصرية منذ الثلاثينيات من القرن الماضى وكانت مرتبطة بحركة التطور المجتمعى فى الاتجاه الايجابى حيث كان المجتمع ينشد التطور للأفضل ، وبدون شك كان هناك رأى عام تنويرى من قبل الأفراد المؤثرين من قادة التنوير فى مصر، ومن الممكن ملاحظة ذلك من خلال الأفلام التى كانت تعبر عن قيم المساواة فى المجتمع المصرى وكان هناك احترام للآخر وللطبقات الفقيرة باعتبار أن الفقر كان لا يبرر الانحدار الأخلاقى وظلت قيم الشهامة والكرم هى القيم السائدة فى الطبقات الشعبية فى القاهرة والإسكندرية، وأيضا المجتمعات الريفية فى الدلتا والصعيد فنجد محمد عبد الوهاب فى بعض الأفلام يغنى للفلاح وللبيئة الزراعية بشكل يحترم هذه البيئة ، وأرى أن هذا التحول نشأ من تحولات جوهرية فى بنية المجتمع المصرى بعد حرب 73 حيث تحولت القيم من القيم الإنسانية المتعلقة بالترابط الأسرى والعلاقات الإنسانية إلى منحى ارتبط بتحول الفكر الفردى إلى الاتجاه السلبي، إضافة إلى إعلاء القيم المادية وقيم الاستهلاك، وهذا له علاقة بالخروج من الوطن والسفر للبحث عن لقمة العيش وكذلك منهج الحكم فى مصر بعد الحرب والتحول الاقتصادى المسمى بالانفتاح، ويضيف لم تعد الدولة مهتمة بالإبداع الفنى سواء الموسيقى أو السينمائي، وبناء علية نشأت شركات الإنتاج الخاصة ورفعت المؤسسات المعنية يدها عن الإنتاج وبدأت محاولات صناعة النجم الذى يلتف حوله الجماهير بصرف النظر عن قيمته الفنية وهذا بغرض التسويق والحصول على أكبر ربح مادى سواء للفنان أو لشركات الإنتاج ، ومن هنا ليس من السهل التصدى لهذه الظاهرة لأنها تحتاج إلى تكاتف الجهود من قبل الجهات الرسمية المرتبطة بالعملية الإبداعية، بالإضافة إلى المؤسسات التربوية والتعليمية وبرامج الرأى .