تزايدت الضغوط الامريكية على السلطة الفلسطينية لتوقيع اتفاق بينها وبين اسرائيل وتعددت زيارات وزير الخارجية الامريكية وعقد 16 جولة مفاوضات بين ممثلى الطرفين وضح خلالها حجم الضغوط التى تمارس على الرئيس الفلسطينى للتجاوب مع المطالب الاسرائيلية. كان وزير الخارجية الامريكى قد قدم اتفاق اطار متكاملا يعرف باسم الخطة الامنية الجديدة لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. استهدفت الخطة الامريكية فى أفكارها وعناصرها تحريك المفاوضات التى تعثرت لتحقيق اتفاق سلام فى المهلة الزمنية المحددة سلفا بحلول نهاية ابريل المقبل،العمل على تنفيذ خطة الجنرال الامريكى جون آلان الأمنية التى يمكن تطبيقها عقب التوصل لاتفاق سلام بصرف النظر عن الخلاف حول المطالب الفلسطينية الامنية فى الاغوار، وعلى طول مناطق التماس مع الاردن، محاولة استيعاب التحفظات الفلسطينية على الخطة الامنية المقترحة والتى ستركز على وجود أمريكى مكثف على حدود الدولة الفلسطينية والاقرار بوضع استراتيجى على مداخل الدولة الفلسطينية وصلاحيات الجيش الفلسطينى ومهامه، بهدف طمأنة اسرائيل من جهة وإشعار الفلسطينيين بأن السيادة لهم من جهة ثانية وتحقيق نوع من التوافق المرحلى بين الجانبين الفلسطينى والاسرائيلى وعدم التطرق الى القضايا الحساسة بالتفصيل والاقرار بالاطار العام للدولة الفلسطينية وصلاحياتها مع الاستجابة المرحلية لمطالب اسرائيل الامنية والاستراتيجية. وقد رفضت السلطة الفلسطينية الافكار الامريكية الاسرائيلية المطروحة فى الخطة الامنية. ورغم الموقف المعتدل للسلطة وما تضمنه من تنازلات فإن الحكومة الاسرائيلية لا تزال تطالب بترتيبات استراتيجية فى غور الاردن وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح مع الحفاظ على انتشار عسكرى لإسرائيل على طول الحدود مع الاردن، وأكدت أن قبولها بالخطة الامريكية مرتبط بالاستجابة لهذه المتطلبات ، كما لا تزال اسرائيل تصر على رفض تولى قوات دولية مسئولية الامن أو مشاركة طرف ثالث فى هذه المسئولية ويتركز جوهر الموقف الاسرائيلى من هذه الخطة على ضرورة الاعتراف النهائى بان اسرائيل دولة يهودية لا وجود فيها لاى طرف أخر فى إشارة الى عرب 1948، وإمكانية ترحيلهم إلى صحراء النقب ، وكذلك ربط عناصر التفاوض بأكملها وخاصة مبدأ حق العودة وعدم القيام بخطوات توقف البناء فى المستوطنات. وفى اطار تقييم الموقف الراهن والمحتمل لهذه المفاوضات فمن الواضح أن الاستراتيجية الامريكية تستهدف بصورة أساسية تحقيق المطالب الامنية التوسعية للحكومة الاسرائيلية، وتكفل استمرار سيطرتها على منطقة الاغوار بحجة الامن وهو ما يعتبرتراجعا أمريكيا عن مواقف سابقة للتوصل الى حل نهائى وشامل دون تجزئة ،ومن الواضح أن الادارة الامريكية عاجزة عن التوصل لحل الخلافات دفعة واحدة، وبالتالى فإنها تعمد إلى اتباع الحل على مراحل دون إعلان ذلك صراحة بناء على ضغط اسرائيلى واضح. وتثور التساؤلات حول مستقبل الخطة الامريكية فى ظل تعنت الحكومة الاسرائيلية وعدم التوقف عن مشروعات الاستيطان خاصة فى المناطق الاستراتيجية فى الضفة وعلى مناطق التماس مع القدس وذلك لفرض سياسة الامر الواقع قبل التوصل لاتفاق نهائي، كما أن الخطة الامنية للادارة الامريكية تتعلق بدولة فلسطينية فى الضفة الغربية، ولاتلتفت لوضع قطاع غزة ولا للانقسام الفلسطينى الواقعى، رغم إجراء مفاوضات مصالحة تمت فى قطر مؤخرا بهدف تشكيل حكومة تكنوقراطية وإجراء الانتخابات المعطلة. هكذا يتضح أن الولاياتالمتحدة تسعى بإلحاح لتمرير اتفاق تسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين يستجيب لكل المطالب والمتطلبات الاسرائيلية ويتجاوز أهم الثوابت الفلسطينية والعربية خاصة قضية اللاجئين والحدود والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقلة وما يثير الشكوك حول الجهد الامريكى أنه يتم فى ظل بيئة غير ايجابية بالنسبة للفلسطينيين، فتطورات الاوضاع فى سوريا والعديد من دول الثورات العربية، وكذلك الانشغال المصرى بالشأن الداخلى بصورة كبيرة والتقارب الامريكى الايرانى والتحسن المتصاعد فى العلاقات التركية الاسرائيلية كلها عوامل لا تصب فى مصلحة الجانب الفلسطينى، كما أن دخول قطر المعادلة من خلال إعادة طرح التقارب بين حركتى فتح وحماس من خلال مشروع المصالحة فى هذا التوقييت والاعلان عن توافر فرص لآلاف الفلسطينيين فى قطر والايحاء بقدرتها على دفع حماس لاتخاذ موقف أكثر مرونة يؤكد أن هناك استراتيجية أمريكية واضحة لإقرار نوع من الاتفاق عنوانه أمنى ومكوناته سياسية بالدرجة الأولي. من الواضح أن الولاياتالمتحدة لم تعد معنية بمواقف بعض الدول ومن بينها مصر والتى كانت تمتلك التأثير على كل الاطراف، وهو ما يثير القلق حول تقديم الجانب الفلسطينى لتنازلات. إن الاتفاق الامريكى المطروح يحمل الكثير من المخاطر على دول المنطقة حيث يتخوف الاردن من أن يكون له أثر مباشر عليه واحتمال توطين آلاف الفلسطينيين فى مناطق وجودهم كما أن الافكار المطروحة على استحياء بضرورة تحمل مصر جانبا من التسوية من خلال توطين فلسطينيين فى سيناء، وكذلك تجاهل هذه التسوية ما يحدث فى غزة يعنى الحديث عن ثلاث دول دولة للضفة الغربية ودولة غزة إلى جانب الدولة الاسرائيلية بما يحمله من مخاطر على الامن القومى العربى ،وقد يكون من المصلحة أن تطرح مصر على الجامعة العربية ضرورة مناقشة ذلك الاتفاق قبل إقراره واتخاذ موقف جماعى يحول دون تقديم مزيد من التنازلات الفلسطينية. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات