نجح الإخوان على مدار العقود الماضية ومنذ سقوط الحكم الملكى فى مصر، على الظهور بصورة الضحية، تارة بدعم من أجهزة المخابرات الغربية، وتارة أخرى بممارسات خاطئة مارسها كل من نظام عبد الناصر ثم السادات، وكانت قمة استغلال الإخوان لهذه الممارسات خلال عقود حكم مبارك، فقد تفننوا فى إبراز مدى القمع الذى يتعرضون له، وهى الخدعة الكبرى التى صدقها غالبية من الشعب المصرى على رأسهم المثقفون. وكان عاما واحدا فى الحكم كفيل بأن تسقط الأقنعة عن ما يدور فى عقول وقلوب أبناء هذا التنظيم الذى يمكن ببساطة اعتباره «استعماريا». الكاتبة البريطانية أليسون بارجيتر والتى تعد من الخبراء المتخصصين فى دراسة تاريخ وحاضر الإخوان أصدرت فى عام 2013 كتابها بعنوان «الإخوان المسلمين من المعارضة إلى الحكم»، أخذت فيه القارئ فى جولة فى دروب الإخوان وفكرهم، ومن أبرز المحاور التى اعتمدت عليها فى كتابها: مقارنة بين حكم رجب طيب أردوغان فى تركيا وفترة حكم محمد مرسى والإخوان فى مصر. وتقول المؤلفة إنه قبل حوالى سنتين كانت التكهنات تضع تركيا فى مركز الدولة النموذج لقوة إسلامية مستقرة، ثم رأينا مؤخرا خروج الأتراك فى مظاهرات كبيرة ضد ما كان يعتبر نظاما محافظا يتمتع بالتأييد الشعبى لتبنيه إتجاه الإسلام المعتدل دون أن ينظر إليه فى ذلك الوقت كنظام إستبدادى ظلامى. وبالمثل فإن تطابق السلوك الفعلى لأردوغان ومرسى فى ممارسة الحكم الاستبدادى قد أظهر قابلية كل منهما فى استخدام اللغة «الطنانة» فى الخطابة لإستمالة جماهير ممن يتسمون بالسذاجة، بينما كلاهما مصمم على فرض أيديولوجية بشكل مطلق على حساب الديمقراطية. ثم تنتقل أليسون إلى داخل عالم الإخوان وطريقة تفكيرهم وتقول، إن كل ما شهدناه من أحداث هو تعبير قوى عن أيدلوجية تعتمد على إستراتيجية جماعة الإخوان بحيث أن كل أشكال الممارسة السياسية التى ينتهجونها هى مجرد أدوات لتنفيذ أفكارهم غير المعلنة، وما يؤكد كلام المؤلفة فى هذه النقطة ما جاء فى كتابات عدد من قيادات الإخوان التى انشقت عن الجماعة بأنهم يتحدثون عن الدعوة الإسلامية إلا أن هدفهم الأساسى هو «التمكين» من الدولة والانفراد بحكمها، وهو ما اعترف به صراحة أمين عام الجماعة محمود حسين فى اجتماع للتنظيم الدولى عقد مؤخرا فى لندن، وهو ما يظهر جليا فى كتاباتتهم وما عرف عن ما كان يدور على مستوى قيادات مكتب الإرشاد، فإن التمكين يعنى لديهم السيطرة الكاملة على كل مؤسسات الدولة بما فيها الجيش والشرطة والقضاء والإعلام على وحه الخصوص. وتصنف المؤلفة سلوك الإخوان بأنه من أسوأ أنواع التفكير الاستبداى، وتقول إننا قد رأينا أمثلة على ذلك فى مصر عندما استولى الإخوان على الحكم مستخدمين مهارات تكتيكية فى الوصول إلى منصب الرئاسة ومن بينها التأثير عن طريق التمسك بالدين فى جذب الجماهير للتصويت لصالحهم. وتضيف أليسون أن مثل هذه الحركات والتى ترفع لافتة الإسلام السياسى مازال يحيط بها الغموض. وقد أدت إلى انتشار أشخاص تابعين لها مضطربين وغير مستقرين نفسيا وذلك بسبب هذا التناقض بين ما يعلنونه من مبادئ وبين تصرفاتهم التى تختلف تماما عن هذه المبادئ المعلنة. وبالمثل فإن الغرب نفسه يتصرف بسلوك متناقض فى سعيه للتعامل مع الإخوان وتأييدهم على أساس أنهم يمكن أن يمثلوا وجها للديمقراطية فى نسختها الإسلامية، بينما فكرهم الأيدلوجى يخالف ذلك تماما. وبالرغم من وصول الإخوان للحكم واستقرارهم فيه، إلا أن توجههم لاستبعاد أصحاب التفكير الإصلاحى من السلطة والتمادى فى سلوكهم الإستبدادى كان الدافع وراءه رغبتهم فى المحافظة على قاعدة تصويتية تمكنهم من استبعاد الآخرين من المواقع المؤثرة، بل إن هذا السلوك حدث مع من يحملون أفكار إسلامية ولكنهم من غير الإخوان. وكانت شبكة بى بى سى البريطانية قد أجرت حوارات مع بعض الشباب من الإسلاميين الليبرالين فى مصر وسوريا إتضح منها أن معظمهم تم إقصائهم عن السلطة أو تجاهلهم تماما لعدم انتمائهم لجماعة الإخوان. وتذكر المؤلفة فى كتابها أن الغرب وخاصة الولاياتالمتحدة قد بدأت عقب أحداث الحادى عشر من سبتمبر عام 2001 فى البحث عن نموذج يمثل الإسلام المعتدل لكى يكون مختلفا عن تنظيم القاعدة الذى وجد له بعض المؤيدين فى الدول العربية والإسلامية، وقد اتجه الغرب نحو جماعة الإخوان خاصة اعتمادها على ما روجه قادتها من رفضهم للإرهاب وإيمانهم بالنظام الانتخابى الديمقراطى. وفى الوقت الذى كانت فيه الجماعة تردد أنها جماعة ديمقراطية تنبذ العنف، فإن المجتمع الدولى قد بدأ يدرك حقيقتهم بعد أعمال العنف التى مارسوها، وأن الإخوان اعتنقوا بصفة دائمة الأفكار المتشددة ولم يكونوا أبدا إصلاحيين. وأن هذا المأزق وهو الاختيار ما بين الإصلاح والتشدد يرجع من وجهة نظر المؤلفة إلى العقود الأولى لنشأة تنظيم الإخوان والذى كان فيه المرشد العام المؤسس للجماعة حسن البنا يعمل على التوازن بين إرضاء المؤسسة الحاكمة فى مصر وبين إرضاء تابعيه. وتقول المؤلفة إنه من أجل إرضاء الجماعات المتشددة داخل الجماعة فإن البنا سمح بإنشاء تنظيم داخلى شبه عسكرى عرف باسم الجهاز الخاص أو التنظيم السرى، وهو الذى مارس الكثير من أعمال العنف السياسى فى مصر مثل اغتيال رئيسى الوزراء محمود فهمى النقراشى وأحمد ماهر باللإضافة إلى القاضى الخازندار وغيرها من أعمال العنف والتى كان من أشهرها محاولتهم إغتيال الزعيم جمال عبد الناصر عام 1954. وتشكك المؤلفة فيما يقال عن وجود اتجاهين داخل الإخوان أحدهما متشدد والأخر إصلاحى ومنفتح، وتقول إن الضبابية تحيط بهذه التفسيرات، لأن الإثنان لا يختلفان فى الهدف لكن الخلاف فى الأساليب والتكتيكات. وأن الفريقين يشتركان معا فى نفس الرؤية الأيديولوجية الخاصة بشكل الدولة التى يريدونها، وفى التمكين لهم من كافة السلطات فى مصر.