سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
باحث سياسي أمريكي يكشف أكذوبة "اعتدال" الإخوان.. فكر متطرفي الجماعة يتفوق دائما على نداءات الإصلاحيين.."البنا" سعى لضم أكبر عدد من "المقاتلين" للتنظيم.. وديكتاتورية الإخوان صدمت الغرب
خلال العقد الذي أعقب هجمات الحادي عشر من أيلول، بحث المحللون الغربيون عن بديل إسلامي معتدل لتنظيم القاعدة، مما قادهم نحو جماعة "الإخوان المسلمين"، التي كانت تصريحاتها الرافضة للإرهاب واعتناقها السياسات الانتخابية مغرية، هكذا قال إريك تريجر زميل الجيل الجديد بمعهد واشنطن، في دراسته عن الإخوان المسلمين. وأكد تريجر في تحليله، إن الكثير من الأدبيات التي نتجت عن الإخوان روجت للفكرة المفترضة بأن الإخوان جماعة ديمقراطية وتنبذ العنف بطبيعتها، قد تركت جميعها المجتمع الدولي غير مستعد تمامًا للواقع غير الديمقراطي والعنيف للغاية الذي يتجلى الآن في حكم الإخوان المسلمين لمصر. وأشار تريجر إلى أن جميع المحللين لم يسيِروا وراء هذه الأوهام- الواقع غير الديمقراطي- ففي ثنايا كتاب "الإخوان المسلمون.. من المعارضة إلى السلطة" تعرض أليسون بارجتر لجرعة من الواقعية- وصفها تريجر بأنهم في أمس الحاجة إليها- حيث وازنت أليسون- في هذا الكتاب- بين ما يخرج عن «الإخوان» من تأكيدات نبيلة، وبين ما يقومون به من تصرفات عدائية. ففي معرض شرحها للتاريخ المبكر ل"الإخوان المسلمين" في مصر، وما تلي ذلك من انتشار في الشرق الأوسط وأوربا، تُصور بارجتر منظمة تواجه مأزق مستمر تُخير بين توسيع قاعدتها عبر مد جسور التواصل مع الآخر، أو ترسيخ قاعدتها من خلال نهج أكثر تشددًا، ليشير بارجتر إلى أن الإخوان المسلمين اعتنقوا بصفة دائمة تقريبًا النهج الأخير، مفضلين بشكل كبير اتباع الاتجاه "المحافظ" على الاتجاه "الإصلاحي". ويقول تريجر، إن مأزق نشأة "الإخوان المسلمين" يرجع إلى العقود الأولي، فوفقًا لما ذكره بارجتر، فإن المرشد العام المؤسس حسن البنا الذي أسس جماعة "الإخوان المسلمين" في عام 1928، قد كافح التوازن بين الانخراط مع المؤسسة الحاكمة في مصر وبين إرضاء تابعيه. وأشار إلى أن التنازلات العديدة التي قدمها البنا للسلطات- مثل دعمه على مضض للمعاهدة البريطانية المصرية عام 1936، التي أعطت شرعية للوجود البريطاني في مصر، قد أدت إلى استياء كبير بين عدد من أشد المتحمسين من أعضاء الجماعة، ولترويضهم سمح البنا بإنشاء تنظيم داخلي شبه عسكري عرف باسم "التنظيم السري" الذي عبر عن التزام المنظمة بالجهاد وشارك في العديد من أعمال العنف السياسي. وتشير بارجتر إلى أن هذا القرار يطعن في وجهة النظر الشائعة بأن البنا يعتبر "منارة الاعتدال" لرغبته المستمرة في ضم المزيد من العناصر المقاتلة في داخل حركته، مضيفة أن ذلك كان خطأ فادحًا، فبعد شهرين من قيام أحد شباب "الإخوان" بإطلاق الرصاص على رئيس الوزراء محمود النقراشي وأدى إلى مقتله، فإن البنا نفسه قد اغتيل في فبراير عام 1949. وأكدت بارجتر في دراستها أن فكرة تفوق متطرفي "الجماعة" على مفكيرها الإصلاحيين يكرر نفسه بصورة دائمة، وإن كان بصور مختلفة، على سبيل المثال في خمسينيات القرن العشرين نجح أعضاء من "التنظيم السري" في إحباط محاولة "المرشد العام" الثاني حسن الهضيبي بحل الجهاز شبه العسكري. وقالت بارجتر: "في النهاية أسفر موقف "الإخوان" المواجه لنظام عبدالناصر الصاعد، والذي كان يعارض ما جُبل عليه الهضيبي من نزعات أكثر تصالحية، عن اتخاذ إجراءات صارمة بشكل واسع طالت العديد من قادة التنظيم سواء كان ذلك بالحبس أو النفي. وفي التسعينيات، عارض قادة "الإخوان" المتشددون- حسبما وصفهم تريجر- الذين كان العديد منهم من أقطاب "التنظيم السري"، مطالبات شباب الجماعة، بالانخراط بشكل أكبر في اتخاذ إجراءات لا تتشبث بالفكر والأيديولوجية الإسلامية، وإجراء انتخابات داخلية أكثر شفافية، وعندما رد شباب "الإخوان" في نهاية المطاف، بإنشاء حزب سياسي خاص بهم أطلقوا عليه اسم "الوسط"، قامت "الجماعة" بفصلهم. وفي عام 2007 عندما رفض إصلاحيو الإخوان مسودة "برنامج" نص على منع المرأة والأقباط من الترشح للانتخابات، إلى جانب نصوص أخرى مثيرة للجدل، قام متشددو "الجماعة" بفصل أحد كبار إصلاحيي المنظمة من "مكتب الإرشاد" وتركيز قيادتها على ما يسمى ب "التيار القطبي". وأشار تريجر إلى أن ذلك لا يعني أنه كان للراديكاليين، دائمًا، اليد العليا في "الجماعة"، فخلال الثمانينيات، وافق "المرشد العام" عمر التلمساني على طلب الإصلاحيين للمشاركة في الانتخابات البرلمانية، وخرجت "الجماعة" عن المألوف وذلك من خلال تحالفها وتنسيقها مع أحزاب غير إسلامية خلال المعترك الانتخابي عامي 1984 و1987. أما بارجتر فتشير إلى أن هذه الفترة، 84-87، تصادفت مع الإجراءات القمعية التي يتبناها نظام مبارك، والتي أرسلت العديد من متشددي "الإخوان" إلى المنفى، وعندما عادت هذه الرموز في أوائل التسعينيات عادت «الجماعة» بسرعة إلى سابق عهدها. وتصور بارجتر بدقة الصراع الدائر بين الفصيلين المتنافسين داخل جماعة "الإخوان" إلا أن التمييز بين "الإصلاحيين" و"المحافظين" يبدو في الحقيقة أكثر ضبابية من سردها، على سبيل المثال، في الوقت الذي تصف فيه "المرشد العام" السابق مهدي عاكف بأنه "أكثر تعاطفًا مع الجناح الإصلاحي"، وأن نائب المرشد الحالي محمود عزت هو من "كبار التقليديين" في "الجماعة"، فإن عزت- تجمعه صلة نسب مع عاكف فهو والد زوجة عزت- وبالرغم أن بارجتر تصف القيادي الإخواني الحالي عصام العريان بأنه "إصلاحي"، إلا أنها لم تستطع توفيق هذا الوصف مع الصعود المستمر للعريان داخل التنظيم على الرغم من هيمنة "المحافظين" على قيادة الإخوان. ويصف تريجر ذلك- في تحليله السياسي للإخوان المسلمين من المعارضة للسلطة- في الغالب، يشوب هذه الفروق نوع من الضبابية، لأن مفهوما "الإصلاحيين" و"المحافظين" لا يختلفان في الأساس، إلا في الأساليب والتكتيكات. وفي ثنايا السرد الذي قامت به بارجتر، يسعى "الإصلاحيون" إلى المشاركة السياسية المباشرة، ويرغبون في الانخراط مع غير الإسلاميين لتوسيع قاعدتهم، على النقيض يتخوف "المحافظون" من أن هذا النهج سيقلل من المصداقية الإسلامية ل جماعة «الإخوان» ومن ثم سيقوض من تكاملها التنظيمي. ويؤكد تريجر أن كلا الاتجاهين في النهاية لهم نفس الرؤية الأيديولوجية قائلًا: "هم يسعون إلى أسلمة المجتمع كخطوة أولى نحو تأسيس الدولة الإسلامية، وفي النهاية تكوين "دولة إسلامية عالمية" وفقًا لما ذكره نائب "المرشد العام" خيرت الشاطر" ولهذا السبب فإنه حتى هؤلاء "الإصلاحيين" الشبان التي فصلتهم «الجماعة» عام 1996 لتشكيلهم حزب "الوسط" هم الآن أقرب شركاء «الإخوان» في البرلمان، ولم يختلف الفريقان إلا في توقيت تكوين الحزب من قبل «الإخوان» وليس في الأهداف التي ينبغي أن يتبناها. وقال تريجر، إنه بالرغم من استمرار الجماعة لنحو خمسة وثمانين عامًا، لكن لا تزال الأيديولوجية التي تتبناها "الإخوان" غامضة بشكل ملحوظ، وكما تشير بارجتر بشكل صحيح، لم ينبع عن «الجماعة» سوى "مفكر حقيقي" واحد - وهو المُنظِّر الراديكالي سيد قطب- بينما لم يترك المرشدون الأعلى بما فيهم حسن البنا إلا قدرًا ضئيلًا من الأعمال الأدبية. وفي الغالب كان هذا قرارًا تكتيكيًا: لتشير بارجتر "إن غياب التفاصيل ما هو إلا وسيلة متعمدة لحماية «الإخوان» من التحزب"، ومع هذا، فكلما أجبرت الظروف "الإخوان" على توضيح مواقف معينة، فإنهم يتبنون مواقف متشددة تمامًا. وتلاحظ بارجتر أن جماعة "الإخوان المسلمين" دعمت التفجيرات الانتحارية التي استهدفت الأمريكان في العراق، وتلك التي استهدفت الإسرائيليين، وتعتقد أن الشريعة ينبغي أن تسبق الحريات الفردية وتروج لعدم التسامح مع غير المسلمين بالإضافة إلى الشيعة، مشيرة إلى أن المحتوى الأيديولوجي ل جماعة "الإخوان" وهو عبارة عن سلسلة من الأفعال التلقائية المحرضة للجماهير، ولا ترقى إلى كونها إطارًا فكريًا يتناول هدفها المعلن المتمثل في "تطبيق الشريعة". وتقول تريجر إلى أن الأفعال التلقائية قد سمحت لجماعة "الإخوان" بأن "تقدم نفسها باعتبارها الصوت المعبر والحقيقي الذي من الممكن أن ينقل الإسلام إلى جوهر كل منحى من مناحي الحياة" ولهذا السبب استطاعت «الجماعة» تحقيق الفوز في الانتخابات البرلمانية التي أعقبت الثورة في كل من تونس ومصر، مشيرة إلى أن الأفعال التلقائية لا تشكل فلسفة حكم، والقدرة على الفوز في الانتخابات لا تعكس بالضرورة التأهل للحكم، فلا تزال النزعات "المحافظة" داخل جماعة الإخوان المسلمين دون أي تغيير يذكر، فبدلًا من أن تتبني منهجية مد جسور التواصل مع الآخر التي يتبناها "التيار الإصلاحي"، استمرت في إعطاء الأولوية للجانب التنظيمي المتمثل في توطيد السلطة، وتسببت هذه النزعة المحافظة في حدوث انشقاقات داخل صفوف الإخوان، فهي تغضب الآن المجتمع الأوسع الذي يتزايد تمرده ضد حكمهم.