«أثق أن الأميرال روجرز يتحلى بالحكمة ليوازن بين مطالب الأمن ومطالب الخصوصية والحرية فى عصرنا الرقمى هذا، فهو لديه مؤهلات استثنائية وفريدة من نوعها» بهذه كلمات وصف وزير الدفاع الأمريكى تشاك هاجل، مايكل روجرز بعد أن اختاره اوباما لشغل وظيفة قيادة وكالة الأمن الأمريكية التى تستحق عن كسب أن تسمى بأنها أخطر جهاز أمنى فى الولاياتالمتحدة وأكثرها سرية. يأتى ذلك الاختيار بعدما أعلن اوباما يناير الماضى عزمه تقييد أنشطة الوكالة ووضعها فى اطار قانوني، لتهدئة الجدل واحتواء غضب الرأى العام الأمريكى، خاصة فى ظل الفضائح المدوية والمتلاحقة التى شهدتها وكالة الامن القومى الامريكية بعد أن كشف، إدوارد سنودين، عن برامج المراقبة الإلكترونية لديها وتجسسها على مواطنيها فى الداخل وحلفائها فى الخارج مما عصف بسمعة الوكالة، ووصفه ب «أذن امريكا الكبيرة». ويمكن القول إن كثيرا من الامال معقودة على مايكل روجرز الذى يشغل قيادة الأسطول الأمريكى الإلكترونى، فى تجميل صورة وكالة الأمن القومى الأمريكى وذلك بعد أن يحل محل الجنرال كيث الكسندر، الذى استمر فى منصبه تسع سنوات ،وتأتى مهمة روجرز فى ضوء ما أمر به الرئيس الامريكى سلسلة من الإصلاحات، التى ترتكز على تضييق الوصول إلى البيانات الوصفية للهواتف، وعدم إمكانية الوصول إلى البيانات إلا بإذن من المحكمة أو فى «حالة طوارئ حقيقية». مايكل روجرز يحظى بمكانة كبيرة فى جميع أنحاء مجتمع الاستخبارات الأمريكية، وقد عمل لفترة تجاوزت 30 عاما من الخدمة المتميزة فى مجال تشفير الاتصالات والتنصت أو مايسمى «الاستخبارات بالإشارة»، روجرز بدأ حياته المهنية بالجيش الأمريكى فى الأعمال التقليدية بعد تخرجه عام 1981، مستهلا رحلته مع عالم الالكترونيات الاستخبارية بعد خمس سنوات فى الخدمة، عام 1986، عندما تلقى دورة متخصصة فى علم التشفير، والتدريب على الحروب الإلكترونية والمعلومات، ليتبعها عدد من المهام لمختلف السفن الحربية، وفى عام 2007، شغل منصب مدير الاستخبارات لقيادة المحيط الهادى و العسكرى، وبعد عامين أصبح مدير مخابرات هيئة الأركان المشتركة، ليعين بعدها قائدا للأسطول الالكترونى، مع مسئوليته عن جميع جهود الحروب الالكترونية البحرية . وقد وصفت جريدة «نيويورك تايمز» تعيين مايكل روجرز كمدير لوكالة الأمن القومى الأمريكى بأنه يحلق فوق عش الدبابير، خاصة انه سيكون تحت الأضواء فى مواجهة قضايا الحريات المدنية والخصوصية علاوة على أنه لن يتولى قيادة وكالة الأمن القومى الواسعة النفوذ فحسب، بل سيكون أيضاً رئيس القيادة العسكرية الالكترونية المكلفة بضمان أمن معلومات الجيش، ويأتى هذا التكليف بعد أن أثار عدد من المسئولين مطالبتهم بتعيين شخصين مختلفين فى المنصبين، لكن الرئيس أوباما أصرّ على إبقائهما ممثلين فى شخص مسئول واحد ،كما رفض أيضا تعيين مدنى على رأس الوكالة . وتأتى اكبر مهام روجرز فى وكالة الأمن القومى تقييم الضرر الناجم عن تسريبات إدوارد سنودين بالإضافة لوضع سلسلة من التغييرات الداخلية المصممة لمنع تكرار ما وصفه مسئولون بأكبر تسرب للبيانات السرية فى التاريخ الأمريكى والتعامل مع توابعه، يذكر أن المعلومات التى قدمها سنودن لوسائل الإعلام كشفت عن وجود برنامج ضخم لمراقبة تسجيلات الهواتف والإنترنت وكذلك التجسس على قادة وزعماء أجانب. وقد ترك الرئيس اوباما أمر الإعلان عن تعيين روجرز لوزير الدفاع تشاك هاغل واصفا وضع الوكالة بأنه حرج موصى بتعيين روجرز الذى يتطلب توليه منصب رئاسة الخدمة الإلكترونية للجيش الأميركى موافقة مجلس الشيوخ بينما لا يتطلب منصبه لرئاسة الوكالة موافقة المجلس، مبديا ثقته فى روجرز بتوليه هذه المهمة . كل هذا يقودنا للسؤال الأهم التى سوف تجيب عليه الشهور القادمة، وهو هل سيستطيع مايكل روجز أن يحقق المعادلة الصعبة بتحقيق الأمن الداخلى مع الاحتفاظ بخصوصيات المواطنيين ومن قبلهم العالم الخارجى، أم سيظل التجسس على الآخرين سمة ملاصقة لوكالة الامن القومى الامريكية؟.