حرب الغابات .. عندما تصادر الرأسمالية الطبيعة

فى القرن الثامن عشر وبالتحديد فى سنة 1723 أصدر البرلمان الإنجليزى قانونا, اعتبره الجميع من أشد القوانين قسوة فى التاريخ. عرف هذا القانون باسم (الفعل الأسود).
ينص القانون على أن من يقوم بالصيد داخل الغابة, التى كانت تتبع الأسر الحاكمة وتدخل فى ملكيتهم الخاصة, يعاقب بالإعدام شنقا. وقد عدل القانون بعد ذلك لتشمل العقوبة كل من قام بقطع شجرة, أو صيد السمك, أو حتى بجمع الأغصان الميتة الملقاة على الأرض. أستمر العمل بهذا القانون لمدة قرن من الزمن ولم يتم الغاؤه إلا فى عام 1827.
يؤرخ أدور بى طومبسون بهذا التاريخ, لبداية ميلاد الرأسمالية فى الملكيات الزراعية الكبرى ونهاية عصر المشاع فى إنجلترا القرن الثامن عشر, حيث لم تعد الأرض والسماء والبحر ملكية عامة لمن يشاء, ليتم تأسيس مفاهيم الرأسمالية الاحتكارية الكبرى على حساب المزارعين الفقراء. سمى القانون بالفعل الأسود لأن المتسللين للغابة من أجل الصيد أو القنص كانوا يصبغون وجوههم باللون الأسود من أجل التخفي, حتى لا يتم التعرف على شخصيتهم. يرصد طومبسون من خلال الكتاب بداية الصراع الطبقى الناتج عن تركز الملكية الفردية فى عصر بداية الرأسمالية فى أيدى مجموعة, وحرمان أغلبية الفلاحين قاطنى الغابات والبرارى من هبات الطبيعة التى اعتادوا جيلا من بعد جيل الاستفادة منها مثلما كان يفعل أجدادهم. بالطبع لم يدرك هؤلاء الفلاحين البسطاء أن عصر مشاع الطبيعة قد انتهي, وأن عصرا جديدا بدأت فيه الرأسمالية مصادرة الطبيعة لصالحها, لتعمل بعد ذلك فى تجريف الطبيعة نفسها؛ عندما تكون عائقا أمام أى معدلات ربح أكبر, ولعل تجريف غابات الأمازون وأشجار الغابات الكثيفة فى أفريقيا خير دليل على مسار الرأسمالية, التى بدأت باحتكار الطبيعة وثرواتها, لتنتهى بقتل الطبيعة نفسها من أجل المزيد من الربح, فهذا أمر طبيعى فالرأسمالية تقضى على كل من يقف فى طريقها للربح.
ويوضح الكتاب أن شخصية روبن هود هى شخصية فعلية تجسدت فى رجل اطلق عليه (الملك جان), قام بحشد الفلاحين الفقراء بلا أرض وقاطنى الغابات ليتخفوا فى أحراش الغابات مكونين جيشا من البؤساء, ليبحث عن حق الحياة فى مواجهة قمع واستغلال الطبقات الحاكمة المحتكرة للثروة لتدور الحروب بين تلك السلطات وجيوش الفقراء من قاطنى الغابات لما يقرب من قرن من الزمن, إلى أن تم إلغاء القانون, حيث كانت الرأسمالية الصناعية قد بدأت فى التسلسل لأراضى إنجلترا, أول رأسمالية صناعية كبرى فى العالم, وكانت تحتاج لأيدى هؤلاء الفقراء المتخفين داخل الغابات, ليتم استغلالهم بشكل أخر, داخل غابات المدن الصناعية.
ادور طومبسون (1924 1993) مؤرخ إنجليزى اشتراكى من ألد أعداء الاشتراكية السوفيتية الستالينية, وعضو «اليسار الجديد الإنجليزي», بالرغم من أن تحليلاته تتبع المنهج الماركسي, ألا أنه من أنصار نهج دراسة الواقع من أسفل, اى حيث تدور علاقات الإنتاج فى الواقع, راصدا بدايات التراكم الرأسمالي. كان طومبسون من أشد أعداء التحليل الماركسى المدرسى الجامد. شهدت مؤلفات طومبسون تجاهلا شديدا فى الترجمة للغة الفرنسية, حيث لم يترجم كتابة (تشكل الطبقة العاملة الإنجليزية) إلا عام 2012, وها هو كتابة (حرب الغابات) يترجم هذا العام بالرغم من صدوره فى عام 1975. الكتاب يقدم تفاصيل تاريخية للنضال الاجتماعى فى المجتمع الإنجليزى فى بدايات الرأسمالية.
_______________________________________________________________________
الكتاب: La guerre des forêts :Luttes sociales dans lAngleterre du XVIIIe siècle
المؤلف: ادور بى طومبسون
ترجمة فيليب مينار
الناشر: la Decouverte 2014