خبر سعيد في وقت ندرت فيه مثل هذه الأخبار,200 أتوبيس تنزل للخدمة في محافظة القاهرة.. ألف مبروك!! تداعت إلي ذهنه لقطتان لاينساهما وكأنهما حدثتا بالأمس, يوم ولادة إبنته الكبري حين دخل حجرتها ليطمئن عليها, فوكز سريرها عفوا.. فاجفلت.. ففتحت جفناها واذا بعينين خضراوين واسعتين تحدقان فيه بعتاب محايد جميل, أما المناسبة فكانت اجتماعا عائليا لبحث موضوع كان يظنه سهلا وطريفا.. فقد التحقت ابنته هذه بإحدي الكليات وكانت المشكلة هي وسيلة انتقالها.. أتوبيس.. مترو.. مترو أنفاق.. أو تاكسي.. ولكل وسيلة مخاطرها..!! ويومها تذكر منظرا لاينساه.. فتاة في عمر ابنته رقيقة كالملاك.. تقف أمام محطة الأتوبيس بزيها المدرسي الجميل.. وحقيبة كتبها مضمومة بلا وعي نحو صدرها وعلي وجهها تبدو علامات التردد والقلق بل والخوف.. أقبل الاتوبيس مسرعا كالوحش حاملا جموعا حاشدة تتدافع وتتزاحم وتفيض علي جانبي بوابتيه.. بدا لها الدخول مستحيلا.. فتراجعت.. ثم لعلها عادت وفكرت في موعد مدرستها والحصة الأولي فألقت بنفسها داخله في شجاعة اليائس تاركة كرامتها وحياءها أمانة في أعناق مسئولي المواصلات.. فهل صانوا الأمانة؟! إن ما يصيب حريمنا في وسائل المواصلات العامة من إهانات وعجن وطحن.. مقصود وغير مقصود تضطر بناتنا وسيداتنا علي قبوله, وهن في موقف ضعيف ويتحملن ما يتحملن في سبيل التعلم..! أو لقمة العيش ما هو إلا خدش علني للحياء والكرامة يتكرر مرتين كل يوم أمام أنظار مواطنين ومسئولين منذ سنوات في الماضي السحيق حدثت واقعة فتاة أتوبيس العتبة.. هل تذكرونها..؟! يومها تعالت الأصوات تطالب بتخصيص أماكن لسيداتنا في المواصلات العامة وكان هذا بالذات في باب بريد الأهرام. وكان تجاوب الدولة سريعا فخصصت عربات كاملة لهن بمترو الأنفاق.. فتمتعن بوسيلة مواصلات يتخذنها في احترام وكرامة محفوظة.. وإن عاب علي هذا التخصيص أنه ينتهي قرب المغرب فيعود اختلاط الحابل بالنابل مع أن قلة الرواد بالدورات المسائية لاتجعل هذا الإلغاء أمرا ملحا. لكن المهم أن الدولة تركت راكبات الأتوبيس والميكروباصات علي حالهن يقاسين الأهوال في ملامسات وضغوط مفرطة في الإهانة..!وكأن الحملة بدأت في أتوبيس العتبة وانتهت إلي تحسين حال المترو وتوقفت عند ذلك!!! منذ أشهر قليلة اهتزت مصر فجأة بحادث تحرش واحد وقع لمواطنة مصرية تمشي في الشارع.. وتوالت أعمدة الصحف تدين الحادث, وتجرم المسئول عنه.. بل لقد نال المعتدي حكما بالسجن.. هللت له الصحف وسعد به المواطنون بل وتكونت مجموعة من الناشطات لمحاربة التحرش.. وأنت تعجب لهذا الفوران الهائل من الاحتجاج علي تحرش الشارع الذي يقابله تجاهل تام لما يصيب حريمنا في الأتوبيسات.. وعندي اقتراحان أولهما أن يخصص الربع الأمامي بكل أتوبيس للسيدات وهو فعلا ما يمثل نسبتهن العامة بين الركاب ولضمان التحصيل يتولي السائق تحصيل تذاكر السيدات عن طريق صندوق صغير توضع به النقود إذا لم يتوافر الاشتراك حتي لاينشغل السائق.. ويتولي الكمسري تحصيلها من الرجال الراكبين من الباب الخلفي.. أما اقتراحي الثاني فهنا يأتي دور ال200 أتوبيس الجديدة فلنخصص نصفها للسيدات فقط ولهذا فوائد عديدة: الأولي بالطبع حماية السيدات والثانية تقليل التكدس في باقي الأتوبيسات ولن يقل دخل الهيئة فعدد الركاب واحد وكل ما حدث هو إعادة توزيعه وسوف تكسب هيئة المواصلات كثيرا.. دعاء ومثوبة.. بل ومالا وحتي إذا ما نقص..( مش خسارة في بناتنا وزوجاتنا وأمهاتنا). ولعل حملة أخري عالية الصوت قوية التأثير يقودها بريد الأهرام ويساندها دستور جديد وناشطات لتأكيد حق المرأة المصرية في كرامة مصونة لاتخدش, وتنجح في حماية سيداتنا من هذا العبث الذي يضطرنا إلي تحمله في احتجاج صامت وحزن مكتوم.. وسيكون الحل سهلا لو عقدنا العزم.. ولو تخيل المسئول للحظة واحدة.. أن راكبة الاتوبيس هي ابنته العزيزة! د. خليل مصطفي الديواني