تعرَّف علي قيمة بدل المعلم والاعتماد ب مشروع تعديل قانون التعليم (الفئات المستحقة)    الأعداد المقرر قبولها ب الجامعات الحكومية من حملة شهادات الدبلومات الفنية 2025    عيار 21 يسجل أعلى مستوياته.. أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    إعلام فلسطيني: شهداء وإصابات بين الأطفال ب مخيم النصيرات إثر غارات إسرائيلية    المصري يكثف مفاوضاته للحصول على خدمات توفيق محمد من بتروجيت    اجتياز 40 حكمتا لاختبارات الانضمام لمعسكر تقنية الفيديو    «هو مين وإيه تاريخه؟».. طارق يحيى يهاجم مجلس الزمالك بسبب عبدالناصر محمد    «ذبحهم والدهم».. النيابة العامة بالمنيا تناظر جثامين الأطفال الثلاثة    يكفر ذنوب عام كامل.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة    أمين عام كبار العلماء بالأزهر: علم الحديث من أعظم مفاخر الأمة الإسلامية    نظام التعليم الألماني.. شراكة حكومية وبرامج حديثة تحفز على الابتكار    صوتها ليس كافيًا لتنبيه المشاة.. استدعاء 8390 سيارة دودج تشارجر الكهربائية    التشكيل الكامل لجهاز الإسماعيلي بقيادة «ميلود»    «إكليل الشهداء».. عظة البابا تواضروس في اجتماع الأربعاء    وزير التعليم يستعرض مشروع تعديل قانون التعليم وشهادة البكالوريا بمجلس النواب    نوال الزغبي تغازل جمهورها المصري.. وتطرح 3 أغنيات جديدة قريبًا    قوات الدفاع الجوي السعودي تدشن أول سرية من نظام «الثاد» الصاروخي    واشنطن تنفي تعليق تقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا    حمد الله يبدأ مشواره مع الهلال ويؤدى مرانه الأول استعدادا لموقعة فلومينينسى    مسؤول بالأمم المتحدة: تمويل التنمية يرتبط مباشرة بالأمن    وفقًا للكود المصري لمعايير تنسيق عناصر الطرق.. استمرار أعمال التخطيط بإدارة مرور الإسكندرية    محافظ سوهاج: تخصيص 2.15 مليون فدان لدعم الاستثمار وتحول جذري في الصناعة    المغرب والتشيك يوقعان اتفاقية تجريب تقنية استخلاص الماء من رطوبة الهواء    بعد إقراره رسميًا| من الزيادات إلى الإخلاء.. أبرز 10 مواد تلخص قانون الإيجار القديم (تفاصيل)    أتلتيكو مدريد يستفسر عن موقف لاعب برشلونة    فوز تاريخي للنرويج على سويسرا في بطولة أمم أوروبا للسيدات    ثنائي الهلال جاهز لمواجهة فلومينينسي في ربع نهائي مونديال الأندية    مدحت شلبي ردا على «المتحذلقين»: «المفروض نقلد المشروع السعودي مش نقلل منه»    سعر البطيخ والخوخ والفاكهة ب الأسواق اليوم الخميس 3 يوليو 2025    وزير خارجية فرنسا: الهجمات الإسرائيلية والغارات الأمريكية على إيران تنتهك القانون الدولي    «تيارات حِمل حراري».. تحذير من حالة الطقس اليوم في القاهرة والمحافظات    "القيادة الآمنة".. حملة قومية لتوعية السائقين بمخاطر المخدرات بالتعاون بين صندوق مكافحة الإدمان والهلال الأحمر    إعدام المواد الغذائية الغير صالحة بمطروح    جاسم الحجي: قوة صناعة المحتوى وأهمية في عصر الإعلام الرقمي    مصرع عامل صعقًا بمزرعة دواجن في بلطيم بكفر الشيخ    نيابة البحر الأحمر تصرح بدفن ضحايا الحفار الغارق وتواصل التحقيقات في أسباب الحادث    الأردن وفلسطين يؤكدان ضرورة وقف العدوان على غزة وضمان إدخال المساعدات الإنسانية    طارق الشيخ عن وصية أحمد عامر بحذف أغانيه: "يا بخته أنه فكر في كده"    علي الحجار يحتفل ب ذكرى زواجه: 23 سنة سعادة مع هدى    مملكة الحرير" يحقق رقمًا قياسيًا على يانغو بلاي ويتصدر الترند لليوم الثالث على التوالي    شاهد.. بهذه الطريقة احتفلت مادلين طبر بثورة 30 يونيو    أحمد زاهر ل زوجته: لولاكِ مكنتش هعرف أعيش أنتِ عمود البيت    3 أبراج لديها دائمًا حل لكل مشكلة    ضياء رشوان: الاحتلال الإسرائيلي اعتقل مليون فلسطيني منذ عام 1967    وزير الخارجية ونظيره الأمريكي يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    مستشفى النفسية بجامعة أسيوط تنظم اليوم العلمي الرابع للتمريض    مستشفى الأطفال بجامعة أسيوط تنظم يوم علمي حول أمراض الكلى لدى الأطفال    فريق طبي ينجح في إنقاذ طفلة مولودة في عمر رحمي بمستشفى في الإسكندرية    ما هي الأنماط الغذائية الصحية لمصابين بالأمراض الجلدية؟.. "الصحة" تجيب    من يتحمل تكلفة قيمة الشحن فى حال إرجاع السلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تنظيم الأسرة يتعارض مع دعوة الشرع بالتكاثر؟ أمين الفتوى يٌجيب    صحة الإسكندرية: إنقاذ حياة طفلة فى عمر رحمى 37 أسبوعًا بجراحة دقيقة.. صور    وزير قطاع الأعمال: حريصون على تعزيز التعاون مع الشركات العالمية ذات الخبرة    استدعاء الممثل القانوني لقناة "المحور" بسبب مخالفات برنامج "90 دقيقة"    «الإفتاء» توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا    محافظ الفيوم يعتمد درجات تنسيق القبول بالمدارس الثانوية والدبلومات للعام الدراسي 2026/2025    "إعلام المنوفية" تفوز في مسابقة الإبداع الاعلامي وتناقش مشاريع تخرج الدفعة 2025/2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كتاب:استرجاع الديمقراطية.. تاريخ صك مصطلح الربيع منذ بداية ظهوره في أوروبا عام1848
ربيع براغ الأب الروحي للثورات العربية
نشر في الأهرام اليومي يوم 23 - 01 - 2014

استخدمت الصحافة الغربية مصطلح الربيع لوصف حركات التغيير الثوري
التي انطلقت في أوربا في القرن التاسع عشر, للتعبير بصورة مجازية عن الأمل وعن الصحوة التي دبت في أوصال شعوب القارة العجوز. وربما يعود استخدام هذا المصطلح أيضا إلي أن غالبية تلك الحركات حدثت في فصل الربيع. فأطلق المؤرخون علي عام1848 في أوروبا بأنه عام الثورات أو ربيع الشعوب, حيث اندلعت فيه سلسلة من الثورات, بدأت في صقلية في يناير1848 ثم امتدت إلي فرنسا ومنها الي كل أنحاء القارة الأوروبية. وعاد مصطلح الربيع يظهر من جديد لتوصيف حركة التحرر التي انطلقت في تشيكوسلوفاكيا السابقة في يناير عام1968, وأطلقوا عليها اسم ربيع براغ. حيث قامت حركة شابة تطالب بالتحرر من القبضة الحديدية للنظام الشيوعي السوفيتي. تحطمت آمال هذه الحركة تحت عجلات الدبابات الروسية في نفس العام. لكن محاولات التحرر لم تتوقف. وراحت قوي التحرر تجمع أشتاتها في تشيكوسلوفاكيا الشيوعية للتآلف من جديد, وأغرت جموع غفيرة من الشعب علي الانضمام إليها, والتوقيع علي وثيقة تسمي( عقد77) بقيادة الأديب التشيكي والناشط السياسي حينئذ فاتسلاف هافل الذي قاد الجمهورية الجديدة بعد ثورة1989 التي أنهت الحقبة الشيوعية, وتطلعت إلي دولة تحترم مباديء الديموقراطية وسيادة القانون. ومع انطلاق الثورات العربية في أوائل عام2011 كان من الطبيعي, خاصة في الصحافة الغربية التي اعتادت علي مثل هذا التوصيف, أن تصبغ صفة الربيع علي الثورات العربية لاتفاقها الواضح في الأهداف والمبادئ مع ثورات الشعوب الأوروبية قديما وحديثا, وربما لأنها حدثت أيضا في توقيت مشابه.
لم يسهم حدث سياسي كبير بشكل مباشر في ظهور( عقد77) في تشيكوسلوفاكيا. بل هيأت لظهوره محاكمة موسيقيين شباب بفرقةTheplasticpeople. بعد اندلاع ثورة يناير في مصر اتصلت بصديقي المترجم الكندي بول ويلسون, وكان أحد أعضاء فرقة بلاستيك بيبول أثناء إقامته في التشيك في السبعينيات, وتم إبعاده من هناك في إطار عملية ملاحقة أعضاء الفرقة. أردت أن أستطلع رأيه عما يحدث في مصر خاصة.كان يري أنها لا تختلف في سماتها العامة وفي أهدافها ومبادئها عما حلم به الشعب التشيكي منذ ربيع براغ, وفي الثورة التشيكية في عام1989 والتي يطلق عليها الثورة المخملية. اتفقنا وقتها علي أن يرتب لي لقاء مع صديقه فاتسلاف هافل في العاصمة التشيكية براغ في نفس العام أثناء مشاركتي في مؤتمر علمي بالعاصمة التشيكية براغ لتبادل الآراء عما يحدث في مصر والعالم العربي. لقاء حالت ظروف هافل الصحية وقتها دون أن يتم. لكن بول نقل لي حوار مقتضبا بينه وبين هافل حول ما يجري في العالم العربي عندما سأله هافل: هل تعتقد أن العرب مستعدون للديموقراطية. أجابه بول: وهل كنتم علي استعداد لها عندما قمت بثورتكم؟! وهنا انتهي الحوار بإيماءة من هافل تقول له: أنت محق!
لم تكن في محاكمة فريق بلاستيك بيبول من قبل النظام الشيوعي الحاكم قوتان سياسيتان أو نظريتان متنازعتان, بل منطقان مختلفان للحياة: فمن ناحية كان هناك تزمت متناهي من جانب مؤسسة الحكم, ومن ناحية أخري شباب مغمور لم يرغب سوي في حياة متصلة بالواقع: عزف الموسيقي التي يحبونها, والتغني بما يتطلعون إليه في الواقع: العيش في حرية, وكرامة, وأخوة. لقد كانوا شبابا بلا خلفية سياسية, ولا علاقة لهم بالمعارضة السياسية الواعية التي لديها طموح سياسي. لم يكونوا سياسيين سابقين مطرودين من هيكل السلطة. كان لدي هؤلاء الشباب كل الإمكانيات لكي يتأقلموا مع الوضع القائم, ويتقبلوا الحياة المزيفة التي صنعها النظام, ويعيشون في هدوء وطمأنينة. لكنهم قرروا غير ذلك. وكان لقضيتهم صدي مختلف: قضية مست كل إنسان أراد ألا يستسلم. فأسفرت قضيتهم عن ظهور شكل جديد من المقاومة بعد سنوات من الانتظار السلبي والتشاؤم: وكأنه إجهاد من الإجهاد, عندما فاض بالناس الكيل من الانتظار العقيم, والمعايشة السلبية, علي أمل أن تتحسن الأوضاع. كانت هذه هي العصا التي قصمت ظهر البعير. وشعر العديد من المجموعات والتيارات التي كانت حتي هذه اللحظة منعزلة ومترددة أو بالكاد تتواصل مع بعضها, شعرت بالقوة, وبأن الحرية لا تتجزأ. أدرك الجميع أن الهجوم علي موسيقي الunderground التشيكية هو هجوم علي شيء أساسي وهام, هجوم علي ما يجتمع عليه الناس, هجوم علي واقع حياتهم, هجوم علي حاجات الإنسانية الأساسية. فهمت حرية موسيقي الروك علي أنها حرية الإنسان, أي حرية تحقيق الذات فلسفيا وسياسيا, حرية الأدب, وحرية التعبير. توالد في الناس شعور حقيقي بالتضامن, وأدركوا أن عدم الدفاع عن حرية الآخرين حتي وإن كانوا بعيدين عنهم بموسيقاهم ومشاعرهم الحياتية يعني تنازلهم برضي عن حريتهم هم أنفسهم. وانطلقت صيحة تقول: لا حرية بدون مساواة ولا مساواة بدون حرية.
لكن سرعان ما تبخرت هذه الآمال بعد ثورات اندلعت في دول شرق ووسط أوروبا, وما تبعها من تعسفات القوي الجديدة التي صعدت في دول الربيع الأوربي.
بعد اندلاع ثورة يناير المجيدة التقيت في القاهرة بالسيد بافول ديميش, أحد زعماء حركة أوكي98 السلوفاكية التي سيجيء ذكرها لاحقا, وقادت حركة التغيير في سلوفاكيا في فترة ما يطلق عليه الثورات الملونة. حرص علي متابعة عملية التحول التي تحدث في مصر خاصة. فقدم لي كتابا عن تجربة خمس دول من شرق ووسط أوروبا في الخروج من الانتكاسة التي تعرضت تلك الدول( صربيا, وجورجيا, وأوكرانيا, كرواتيا, وسلوفاكيا) بعد ثورات مفعمة بالأمل. وكأنه يتوقع ما ينتظرنا في العامين التاليين لثورة يناير. وكان هذا الكتاب الذي أحاول عرضه هنا. يحمل الكتاب عنوان استرجاع الديمقراطية... المجتمع المدني والتغيير الانتخابي في وسط وشرق أوروبا.
الموجة الرابعة للديمقراطية:
يعد تسلسل الأحداث التي وقعت في وسط وشرق أوروبا في غضون السنوات التي تلت الثورات في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات أمرا جديرا بالملاحظة. تحول ما بدا في أول الأمر كحوادث فردية لتعديلات ديمقراطية في سلوفاكيا, وكرواتيا, ليصبح سلسلة من التحولات السياسية المذهلة في دول تختلف عن بعضها مثل صربيا, وجورجيا, وأوكرانيا, حيث برز نمط أطلقوا عليه الثورات الملونة, أوالانتقال إلي مرحلة ما بعد الشيوعية, أو التحولات الانتخابية. وقد تخطي بعض الملاحظين هذه المسميات, وأطلقوا علي تلك التطورات اسم ز س. الألفاظ المستخدمة فقد اتفقوا علي تفاصيل تحليلاتهم, وتقديراتهم الكلية للأحداث, وعلي مجموعة من السمات المشتركة لهذه التحولات الديمقراطية حديثة العهد, وظروف البلاد التي وقعت بها.
مرت هذه البلدان بإصلاح ديمقراطي مبدئي في بداية التسعينيات. ففور انهيار الشيوعية أنشأت هذه البلدان مؤسسات ديمقراطية, وقامت بإجراء انتخابات تنافسية. شرعت الدساتير التي تقدس الحريات المدنية والسياسية الأساسية. كانت التوجهات الأولي تركز علي دعم سيادة القانون, والقضاء المستقل. برزت الأحزاب السياسية التي تعكس التعددية الاجتماعية, ووجهات النظر المختلفة, وكذلك تشكلت هياكل المجتمع المدني, والإعلام المستقل. وتم تقديم مبادئ السوق. راحت الخصخصة تغير وجه الاقتصاد وتمهد لانتقالات سياسية واجتماعية واقتصادية متعددة. كانت الآمال العريضة أن تتقدم سلوفاكيا, وكرواتيا, وصربيا, وجورجيا, وأوكرانيا مع دول الجوار في أوروبا الوسطي والشرقية لتصبح مثل الديمقراطيات الغربية الليبرالية, وتنضم إلي الهياكل الأوروبية والدولية.
وسرعان ما تحولت تلك التوقعات إلي إحباط; حيث دقت طبول الحرب في يوغسلافيا السابقة محطمة الآمال في الديمقراطية. توقفت عملية الإصلاح في سلوفاكيا, وجورجيا, وأوكرانيا. وفي غضون سنوات قليلة ارتدت الخطوات نحو الديمقراطية لتسير في الاتجاه المعاكس. وعلي الرغم من أن حكومات ميتشيار, وتوجمان, وميلوسوفيتش, وشيفردنادزا, وكوشما قد وصلت كلها لسدة الحكم في انتخابات حرة ونزيهة, إلا أن هذه الحكومات شرعت تتغاضي عن الديمقراطية, وتستغل المؤسسات الناشئة لتعزز من قوتها. وبمرور الوقت نمت ضغوط السلطة التنفيذية, واتسعت بصورة منتظمة لتؤثر علي كل تيار من شأنه أن يكفل الضوابط والتوازنات, بدءا من المعارضين السياسيين والأحزاب والمؤسسات, ووصولا إلي الإعلام المستقل, ومنظمات المجتمع المدني. وسخرت كل أساليب إدارة موارد الدولة من تعديلات قانونية, وإجراءات إدارية, وأجهزة الأمنية من أجل إسكات أي صوت معارض. في الوقت الذي ساعدت فيه ممارسات الخصخصة الفاسدة علي تجميد الحالة الاقتصادية الراهنة بما يحقق مصالح النخبة الحاكمة. وفي خلال سنوات قليلة أضحت الديمقراطية واجهة أو حجابا تستر وراءه نظم سياسية, كانت في حقيقة الأمر ذات طبيعة استبدادية.
علي الرغم من الريبة التي أحاطت بوثائقهم الديمقراطية, شعر رؤساء الدول الخمس بالحاجة إلي تبرير تصرفاتهم, وإضفاء الشرعية عليها أمام الشعب. ولتحقيق هذا الغرض تبنوا آلية الخطاب القومي القوي المؤكد علي حاجة الدول المستقلة حديثا إلي الاتحاد, وصد كل التهديدات الداخلية والخارجية, مما استوجب وجود مركز سلطة قوي, بدلا من سياسيات ديمقراطية متفرقة. وكان رجع الصدي لتلك الحجج قويا لدي الكثيرين; حيث أن كل هذه البلدان كانت قد انفصلت حديثا عن تشيكوسلوفاكيا, ويوغوسلافيا, والاتحاد السوفيتي. وهي البلدان الأكبر ذات العرقيات المتعددة. كانت القاعدة الاجتماعية تميل بشكل كبير إلي انتهاج سياسات غير ديمقراطية في تلك البلدان الخمس.
كانت الانتخابات تجري بصورة منتظمة في البلدان الخمس; حتي تستمد الشرعية من الداخل, وتحصل علي القبول الدولي من الخارج. أكدت تلك الانتخابات بصورة منتظمة علي التأييد المجتمعي الواسع لنهج ز. س من ميلوسوفيتش, وتوجمان, وشيفردنادزا لسدة الحكم عن طريق انتخابات حرة ونزيهة بدأ يساورهم الشك في الدعم الذي يستطيعون حشده من المجتمع. شرعوا يستغلون صناديق الاقتراع اللاحقة عن طريق تغطية منحازة من الإعلام الذي تسيطر عليه الحكومة, وغيروا قوانين الانتخاب لتهميش المعارضة السياسية حتي وصلوا في نهاية الأمر لتزوير الانتخابات بصورة كاملة.
علي الرغم من محاولاتهم المتزايدة, والبعيدة المدي, بل والشرسة للسيطرة علي الحكم, فإن القادة السياسيين في البلدان الخمسة لم يتمكنوا أبدا من قمع مجتمعاتهم بصورة مطلقة, حيث ظلت عدة قطاعات خارج نطاق سيطرة الحكومة لتجسد جزرا ديمقراطيةس. الانقسام. إلا أنها ظلت موجودة, ومرئية في السياسة الوطنية, والداخلية. وجدت كذلك عناصر إعلامية مستقلة, وتجارية في أغلب الأحوال. استطاعت ولو بصورة جزئية أن تقاوم الدعاية الكاذبة التي تقودها الإذاعات والجرائد الخاضعة لسيطرة الحكومة. لكن محاولات المجتمع المدني لمواجهة القصور الديمقراطي في بلادهم اقتصرت علي الصوت فقط. وأمست قطاعات من المجتمع, ولا سيما الشباب الحضري, والمتعلم أكثر نقدا للوضع الاجتماعي في بلادهم, وللسياسة الداخلية, والانعزال الدولي.
كان الإغراء أمام الحكومات القائمة في البلدان الخمس بالاستيلاء علي السلطة, وحاجتها لإضفاء سمة الشرعية, وبقاء جيوب من الديمقراطية داخل مجتمعاتها بمثابة ضغوط متشابكة. نتجت في شكل إعدادات يمكن توصيفها علي أنها مستبدة, وأيضا ديمقراطية. وقد وصف المحللون هذه الأنظمة بصور متباينة علي أنها ديمقراطية شبه مستبدة أو ديموقراطية الاستبداد الجديدة, وأيضا ديموقراطية غير ليبرالية أو ديموقراطية زائفة. وقد غلفت هذه الطبيعة المهجنة الضعف المركزي لتلك الأنظمة, حيث إن الاستبداد والديمقراطية لا يمكن التوفيق بينهما في الأساس, وهي الطبيعة التي أودت بها في نهاية الأمر إلي الانهيار من خلال الانتخابات التي تعد أكثر الوسائل الديمقراطية.
ما وقع في البلدان الخمس كان عبارة عن سلسلة متشابهة جدا من الأحداث, حيث أعدت الحكومات شبه المستبدة العدة للانتخابات من أجل الحصول علي شرعية متجددة, ولكنها قابلت تحديا, تمثل في انخفاض الدعم الشعبي, وفي معارضة متحدة, نجحت في عرض الانتخابات علي أنها استفتاء حول الوضع الراهن في البلاد. ومن خلال إعلام مستقل, وبدعم من أنشطة المجتمع المدني الرامية إلي توعية الناخب والحشد تم مخاطبة جمهور الناخبين. مما أسفر عن مشاركة أعلي من المتوسط في الاقتراع, ولا سيما بين الناخبين الذين تؤثر أصواتهم بشكل كبير في عملية التغيير, مثل الناخبين الشباب, وأهل المناطق الحضرية, والمتعلمين. تم تحجيم محاولات الحكومات الدفاعية لاستغلال الانتخابات لصالحها, وذلك علي أيدي مراقبين مستقلين للانتخابات كما حدث في سلوفاكيا, وكرواتيا. كما تم فضحها أمام جمهور الناخبين الذي خرج إلي الشوارع بصورة جماعية للاحتجاج علي تزوير الانتخابات, كما حدث في صربيا, وجورجيا, وأوكرانيا. وانتصر أصحاب التحدي باسم الديمقراطية علي الحكومات القائمة شبه المستبدة, وتولوا مناصب القيادة.
حتي يكلل هذا السيناريو بالنجاح, وحتي تعود هذه الأنظمة المهجنة إلي طريق أكثر ديمقراطية, كما شهدت البلدان الخمس, لم يكن هناك مفر من وجود عدة شروط منها وجود حاكم, وحكومة لا يتمتعان بأية شعبية, وجبهة معارضة موحدة, ومراقبة مستقلة للانتخابات, يمكن تحقيقها من خلال إعلام مستقل, ومصادر معلومات موضوعية, وقوي حشد جماعية. ساعدت عوامل أخري في نجاح حركات التصحيح تلك, مثل الانقسامات داخل أجهزة الأمن, وتوافر موارد محلية, ودعم أجنبي, وضغط أو حوافز من المجتمع الدولي.
استرجاع الديمقراطية من خلال الانتخابات:
سلوفاكيا في سبتمبر1998: تأتي الانتخابات البرلمانية لتواجه الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء فلاديمير ميتشيار الذي كان محل نقد داخلي ودولي لتراجعه عن تحقيق الديمقراطية, ولانتهاجه سياسات انعزالية. كان عليه مواجهة التحدي المتمثل في تحالف الأحزاب المعارضة التي كانت تؤكد علي تطلعاتها الديمقراطية والأوروبية. صاحبت حملة الاستقطاب القوية جهود كبيرة من المجتمع المدني لتزويد الناخبين بمعلومات حول الانتخابات لتشجيعهم علي المشاركة, ومراقبة العملية الانتخابية. تلا ذلك صراع عنقا لعنق. في نهاية الأمر ذهب84% من المصوتين لصناديق الاقتراع. في منافسة انتخابية شهد لها المجتمع الدولي بالنزاهة تم استبدال حكومة ميتشيار الشعبية الوطنية بحكومة ائتلاف ديمقراطية كان رئيس وزرائها ميكولاس دزوريندا.
كرواتيا في يناير2000: تطيح الانتخابات البرلمانية بالاتحاد الديمقراطي الكرواتي التابع للرئيس المتوفي مؤخرا فرانكو توجمان الذي سيطرت سياسته القومية شبه الاستبدادية علي البلاد منذ استقلالها في.1990 حثت المنظمات غير الحكومية الناخبين, من خلال ائتلاف مدني في انتخابات حرة ونزيهة, علي التحول الديمقراطي عن طريق تزويدهم بمعلومات تتعلق بالانتخابات, وتحفيزهم علي الإدلاء بأصواتهم بصورة جماعية. ذهب75% من الناخبين في ذلك اليوم لصناديق الاقتراع. شكلت الأحزاب المعارضة الديمقراطية التي طالما كانت منقسمة ائتلافين. حققا نجاحا بصورة متوازية في الانتخابات, ومن ثم نجحت في تولي الحكم تحت قيادة رئيس الوزراء إفيكا راكان.
صربيا في سبتمبر2000: حاول سلوبودان ميلوسوفيتش الرجل القوي ذو التوجهات القومية من خلال انتخابات رئاسية مبكرة أن يطيل من فترة حكمه, ولكن نجح فوجيسلاف كوستونيكا مرشح المعارضة الديمقراطية الناشئة حديثا في صربيا في الوقوف أمامه. وقام ائتلاف من المجتمع المدني العريض بتزويد الناخبين بالمعلومات, ومطالبة المواطنين بالذهاب لصناديق الاقتراع, والتأكد من مراقبة الانتخابات. في نفس الوقت قامت مجموعة من الشباب المقاوم بشن حملة ضد شبه دكتاتورية ميلوسوفيتش, والمطالبة بالتحول بالديمقراطي. وبعد التلاعب بالاقتراع لصالح ميلوسوفيتش اندلعت الاحتجاجات, وخرج مئات الآلاف إلي الشوارع, مما أجبر ميلوسوفيتش علي الاستقالة في نهاية الأمر, ومكن المعارضة الديمقراطية من الصعود لسدة الحكم تحت قيادة الرئيس كوستونيكا, وهي النتيجة التي أكدها فوزه الساحق في الانتخابات البرلمانية التي أجريت بعد شهرين.
جورجيا في نوفمبر2003: تم إعلان فوز كتلة من أجل جورجيا جديدة للرئيس الحاكم إدوارد شيفردنادزا في الانتخابات البرلمانية, بعد أن قاد حكمه الذي استمر سنوات عشر جورجيا إلي أزمات سياسية, واجتماعية, واقتصادية. مما جعل الشكوك تحيط باحتمال وقوع تزوير انتخابي واسع النطاق. وهي الشكوك التي أكدها مراقبو الانتخابات المستقلون. وفي الأيام التي تلت الاقتراع قادت المعارضة السياسية, والمجتمع المدني, ومجموعات الشباب احتجاجات كثيفة وقوية في الشوارع. بلغت الاحتجاجات ذروتها عندما قاطع المحتجون بصورة سلمية الجلسة الافتتاحية للبرلمان الجديد. نتج عن هذا ما عرف في وقت لاحق بالثورة الوردية. استقال شيفردنادزا, وتم عقد انتخابات جديدة للبرلمان والرئاسة, حيث حققت المعارضة الديمقراطية تحت قيادة ميخائيل ساكشفيلي فوزا ساحقا, وأعلن ساكشفيلي كرئيس للجمهورية.
أوكرانيا في نوفمبر2004: عقدت الانتخابات الرئاسية لتحديد من يخلف ليونيد كوشما الذي سار حكمه بأوكرانيا بعيدا عن الديمقراطية. واجه خليفته المعين فيكتور يانكوفيتش تحديا من فيكتور يوشيشنكو, المرشح المشترك من المعارضة الديمقراطية المتحدة. ومن أجل التأكيد علي إجراء عملية انتخابية ديمقراطية شنت مجموعات المجتمع المدني العديد من الحملات, في الوقت الذي طالبت فيه مجموعات الشباب بصورة علنية بتحول ديمقراطي. وقد أفسحت بوضوح جولة الإعادة الطريق أمام يانكوفيتش. إلا أنها لاقت معارضة من مراقبي الانتخابات الذين قدموا أدلة علي التلاعب الواسع النطاق بصناديق الاقتراع. وبناء عليه قادت المعارضة الديمقراطية احتجاجات استمرت شهرا كاملا. وأتت بمئات الآلاف إلي شوارع مدينة كييف, وتحت وطأة ضغط الثورة البرتقالية أصدرت المحكمة العليا في آخر الأمر حكما بإعادة الانتخابات, وأصبح فيكتور يوشيشنكو رئيسا للجمهورية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.