\r\n وأياً كان رأي النفوس الحاقدة والكريهة، فقد أجمعنا على رؤية هذا الحدث بداية عصر جديد. بعد أكثر من عقد، تتابعت هذه المسيرة. وقد شكلت، أكثر من كونها لحظة مبهمة وعابرة، تزخيماً طويلاً امتد حتى بداية القرن الواحد والعشرين. لقد حققت «ثورة الازهار» في جورجيا ومن ثم «الثورة البرتقالية» في أوكرانيا انتصاراً للأفكار الديموقراطية في هاتين الدولتين؛ حريات جماعية، هانئة وسلمية وأثبتت هاتان الثورتان مرة أخرى أن التاريخ الإنساني ليس مجرد تراكمات للأخبار السيئة. مات ماركس في العقول، لكن إرادة التحرر والانعتاق بقيت حية من بعده، بل أنها تغذت من غيابه. غداً تفتتح في بوخارست قمة حلف الناتو الأكثر أهمية منذ نهاية الحرب الباردة لعلنا نتذكر في هذه المناسبة مئات آلاف الطلاب والفلاحين والعمال الذين اجتاحوا الطرقات في تبليسي وكييف في 2002 و2004 رافعين الاعلام الأوروبية، الفرنسية، الالمانية، البريطانية والأميركية. الرجال والنساء العزل هؤلاء هم ورثة فاسلاف هافل(ü) وليخ فاليسا(ü) الحقيقيون. لقد جسدوا أوروبا، بمغامرة كبيرة غالباً ما نكابد، من باريس أو من برلين في التقاط مظهرها العظيم والثوري (في إشارة إلى الثورات الفرنسية وانهيار جدار برلين). يطالبون اليوم بالانضمام إلى المنظمة التي تؤمن الأمن لديموقراطياتنا منذ نحو 60 عاماً. باسم ماذا نرفضهم؟ من يجرؤ على تحمل عواقب رفضهم أمام الأجيال القادمة في هذه اللحظة المصيرية من تاريخهم وتاريخنا؟ في قمة بوخارست ستطرح قضايا أفغانستان، كوسوفو، مقدونيا، شئنا أم أبينا ستكون قضية جورجيا وأوكرانيا حاضرة. هل سيثبت الغرب الديموقراطي التزامه قيم الحرية والتسامح، ويدعم حلفاءه الطبيعيين ويمد يده إلى من يقيمون احتفالاً لمبادئه التأسيسية في أوروبا او على حدودها. رفض خطة العمل العضوية لكل من جورجيا وأوكرانيا (ليست الانضمام للناتو إنما فتح الطريق المؤدي إلى انضمامها بعد عشر أو خمسة عشر عاماً) سيكون خطأً دراماتيكياً. هل تشعر أوروبا الحالية بقوة نفوذها لدرجة انها توصد الابواب امام الدول الخارجة من رحم الشيوعية، بالرغم من الاخطار المحدقة بها، والراغبة في اللحاق بنموذجنا السياسي؟ منذ عشرات السنين، دعمنا، أحدنا كما الآخر وغالباً سوية، مناضلي حقوق الانسان والديموقراطيين المضطهدين عبر العالم. من البوسنة إلى افغانستان وباكستان، من دارفور إلى الشيشان إلى التيبت، من بكين إلى مينسك.. أدركنا ماذا يعني أن تكون صديقاً للغرب المتردد جداً في مساعدة حلفائه والمتعجل للاستسلام لأعدائه. لمرة واحدة في بوخارست لن نشهد محاكمة نظام دكتاتوري (وهو ما ينفر سياسيو الواقع من فعله طبيعياً) وإنما الإقرار بمسيرة وإرادة الشعوب المستقلة بضمها إلى عائلتنا السياسية والعسكرية. لن يكلف ضمها أي أعباء مالية لاقتصادنا، ولن يحرمنا من أي برميل نفط، لن نكون أمام خيارين: إما تسليم الغاز أو الحرية لأصدقائنا. لا. المطلوب منّا أبسط بكثير إلا أنه يظهر شديد التعقيد. المشكلة أن مجموعة الأمم والشعوب التي ننتمي إليها تنقسم وتنطوي على نفسها مرة أخرى. بداعي القلق المتكرر حد الهاجس، من عدم إغضاب روسيا تنفر بعض الحكومات من الموضوع، علماً أن إلحاق هذه الدول لا يرتب أي تكلفة بل على العكس يشكل برهاناً قاطعاً على نهاية الشيوعية، في حين يعني ترسيخ المعارضة إفلاساً أخلاقياً رهيباً وخطأً سياسياً مضاعفاً بخطأ أكبر في التحكيم والحساب الاستراتيجي. فلننظر إلى الأمور عن كثب بما أننا، كما يبدو، قررنا أن نحكم بعيون موسكو كل ما يمسّ بأوروبا الشرقية والوسطى. فلاديمير بوتين كمدير ناجح للكي جي بي وخلفه ديمتري ميدفيديف مهندس العملاق غازبروم ليسا صاحبيَ عقيدة متعصبين. إنهما أوتوقراطيان محنكان، واقعيان ومتمرسان في نسج علاقات القوة. ما الذي يمكن أن يفعله الكرملين إذا مُنحت جورجيا وأوكرانيا خطة العمل للعضوية؟ سيعترض، سيهدد، وقد يوجه (إذا لم يفعل بعد) صاروخاً أو صاروخين على كييف وتبليسي، لكنه لن يقوم بأي عمل متهور ضد هاتين الدولتين ولن يقطع علاقاته لا مع الناتو ولا مع الاتحاد الأوروبي. قرارنا سيساعد على مراقبة أراضي الدولتين، سيستمر الغاز بالوصول وسيزول منطق الحرب الذي يثير الذعر في النفوس. في المقابل، لدينا القناعة بأن رفضنا سيوجه إشارة كارثية للقياصرة الجدد في روسيا (القومية-الرأسمالية). سيظهر ضعفنا وتخاذلنا، ستكون جورجيا وأوكرانيا أراض مستباحة للغزو وكأننا نضحي بمصالحنا بكل طيبة خاطر على مذبح طموحاتهم التوسعية المستعادة. إن عدم انضمام، وبدقة أكثر، عدم السعي إلى ضمَ هاتين الدولتين إلى فضاء الحضارة الأوروبية سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة. باختصار، إن خضوعنا لفلاديمير بوتين والتضحية بمبادئنا له، والنكث بوعودنا قبل المبادرة بأي عمل يعزز الشعور بالقومية الأكثر عداء في موسكو. لنأخذ مثال جورجيا: بلد صغير في القوقاز، تحت الحصار الروسي منذ سنين طويلة. تعرضت أراضيه للقصف مرات عدة بطائرات الجيش الأحمر السابق. لديها إقليمان انفصاليان (ابخازيا واوسيتيا الجنوبية) ومرتبطان مباشرة بموسكو. «سبب وجيه لعدم ضمهما» يقول مفكرو الواقعية السياسية، خشية تعرضهما لهجوم روسي أو استخدام الانفصاليين ضدهما. ولكن هل تناسوا تشيكوسلوفاكيا والسوديت، استسلام وتضحيات ميونخ؟ ألا يتذكرون انضمام جمهورية ألمانيا الاتحادية إلى الناتو بالرغم من اعتراض برلين وانقسام البلاد والتهديدات السوفياتية؟ أي إستراتيجية جلبت إلى القارة الأوروبية مزيداً من السلام والإزدهار والديموقراطية، استراتيجية العزل أم استراتيجية الجرأة؟ أما أوكرانيا فهي بنظر بعض الديبلوماسيين «مهد الإمبراطورية الروسية، التاريخ يتحدث عنها» ويؤكدون جازمين، مستذكرين الماضي كي لا يفعلوا شيئاً في الحاضر. ولكن ماذا يعرف هؤلاء عن تاريخ القرن العشرين؟ ألم يروا أن الستة ملايين أوكراني الذين قضوا نتيجة المجاعة الكبرى والإضطهاد الستاليني كسروا الإمبراطورية التي يدّعي القادة الروس الاحتفاظ لها بالحنين الدموي؟ هل تناسوا شعارات المتظاهرين في 2004 هاتفين ومرددين: «نحن أحرار ومستقلون، نحن أوروبيون؟». موقّعو هذه الرسالة لا وظيفة لهم ولا غاية. إنهم منكبون فقط على التفكير بالعالم كما هو، بعدم التنكر لما صنع ويصنع عظمة الحضارة الأوروبية. وهم يرفضون رؤية الغرب يضحي من جديد على مذبح المصالح غير الصحيحة، بأصدقائه في الديموقراطية وإخوته في الحرية، لا تمنحوا الكرملين حق الاعتراض على العلاقات التي تسعى أوروبا وأميركا إلى عقدها مع حلفائها الطبيعيين، وافتحوا أبواب الناتو لأوكرانيا وجورجيا. سيدتي المستشارة، سيدي الرئيس، مسؤوليتكم هذا اليوم عظيمة، استمعوا إلى صوت قلبكم، مصيركم ومصير شعبكم. لا تذعنوا إلى صفارات التخلي ولا إلى رفاهية التهدئة. المستقبل القريب يراقبكم ويحكم علينا. \r\n \r\n برنارد هنري ليفي \r\n أندريه غلوكسمان \r\n جريدة «لوموند» \r\n \r\n فاسلاف هافل: كاتب وناشط في مجال حقوق الانسان، قاد الثورة المخملية في جمهورية التشيك - تشيكوسلوفاكيا قبل انفصال سلوفاكيا - وانتخب رئيساً للجمهورية عقب سقوط النظام الشمولي في براغ. \r\n ليخ فاليسا: زعيم نقابة عمال التضامن البولندية المعارضة، منح جائزة نوبل للسلام مكافأة لجهوده في سبيل الديموقراطية وأصبح رئيساً لبولندا عام 1990 \r\n \r\n