أما الآن فإن اللون البرتقالي هو الذي أصبح سائداً في جميع أنحاء \"كييف\" العاصمة. وأصبح كل فرد يدرك كنه المخاطر المتوقعة ولكن الجميع يصطفون في وحدة نادرة. لقد اتخذ التشيك من المفتاح رمزاً لهم، وأظهر الصرب قبضة اليد بينما تبنى شعب جورجيا الزهرة كشعار، والآن ارتدى الأوكرانيون اللون البرتقالي. \r\n \r\n على أن البعض أخذ يصور الأحداث في أوكرانيا وكأنها تدار من قبل الغرب والمؤسسات الديمقراطية المؤيدة له. وبلا شك إن مثل هذه الآراء تلقى دعماً في أوساط الكرملين إلا أن حدوث هذا النوع من الثورات لا يحتاج إلى عناء كبير للبحث عن أسبابه. ففي جميع \"الانتهاكات\" التي صاحبت العملية الانتخابية خلال الخمس سنوات الماضية، كانت الوقائع متماثلة إلى حد كبير حيث يحاول نظام شمولي تزوير وتزييف الانتخابات بالعديد من السبل المختلفة. وهو أمر شائع في آسيا الوسطى وفي جميع الديكتاتوريات الأخرى. إلا أن ما جعل الأمر مختلفاً في انتخابات سلوفاكيا في عام 1988 وصربيا في عام 2000 وجورجيا في عام 2003 هو تلك الضغوط المشتركة التي مارسها المجتمع المدني الموحد على السلطات هناك وكذلك المصداقية التي تميزت بها الجهود الرامية إلى كشف عمليات التزوير بالإضافة إلى ما ظل يبديه الغرب من مخاوف وقلق بشأن نتائج الانتخابات. \r\n \r\n وفي كل هذه المواقف بذلت المنظمات غير الحكومية جهوداً مقدرة في مراقبة عمليات الاقتراع ونقل الصناديق أو تلقي التقارير الدورية من المراقبين المحليين. وقد تلقت هذه الاستراتيجيات دعماً واضحاً من تقارير المراقبين الغربيين لهذه الانتخابات. وفي أوكرانيا فإن نفس المجموعة المستقلة في مجال الاستطلاع والاستبيان التي تنبأت بنتائج الانتخابات البرلمانية في مارس عام 2002 هي التي ظلت تجري هذه الاستطلاعات الخاصة بالانتخابات البرلمانية والرئاسية منذ عام 1995. وفي أوكرانيا أيضاً توجد مجموعة مدنية متمرسة تحمل اسم \"لجنة المقترعين\" درجت على تدريب عشرات الآلاف من مراقبي الانتخابات المحليين منذ أواسط حقبة التسعينيات. ولكن أياً من هذه الجهود لن تأتي بالتأثير المطلوب دون وجود وسائل إعلامية حرة تعمل على نشر وإذاعة أنباء التزوير في الأصوات الانتخابية، وهذا ما حدث بالضبط في انتخابات جورجيا. أما في أوكرانيا وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام ليس بإمكانها نشر أية أنباء أو تقارير إلا بموجب تعليمات من إدارة الرئيس إلا أن بعض الأبطال المعروفين والمتميزين في أجهزة الإعلام دأبوا على بث تقارير ولقاءات على مدار الساعة مع بعض الزعماء والمسؤولين المحتجين على الممارسات الخاطئة في الانتخابات. بل لقد عمدوا أيضاً إلى بث لقاءات على الهواء مباشرة مع مجموعة من الصحفيين المعارضين، وكذلك مع الدبلوماسيين الذين وقعوا على مذكرة احتجاج ضد عمليات التلاعب في الانتخابات، بالإضافة إلى مزيج من المجموعات المؤثرة الأخرى بما فيها نجوم الغناء والمسرح. ولدى أوكرانيا أيضاً العديد من مواقع \"الإنترنت\" المستقلة التي ساعدت على بث المعلومات للمواطنين. وهناك عامل آخر مهم في إنجاح الثورات تمثل في هيمنة المؤيدين للمعارضة على العديد من السلطات البلدية والمحلية وكذلك داخل العاصمة \"كييف\". \r\n \r\n \r\n وفي نهاية الأمر فإن هذه الاختراقات التي أمكن تحقيقها في العملية الانتخابية جاءت بمساعدة قوية من مشاركة هيئات المجتمع المدني، التي ظلت تدعم وتساند قيام انتخابات عادلة وحرة عبر المراقبة الإعلامية، وتنوير الناخبين بحقوقهم والترويج لآراء المرشحين في ظل غياب الصحافة الحرة، بالإضافة إلى الجهود التي بذلتها في تدريب المراقبين والمشاركة الميدانية في إدارة العملية الانتخابية. ويذكر أن المنظمات الشبابية هي التي عادة ما تمثل طليعة هذا النشاط. ففي سلوفاكيا ظل الشباب يديرون معظم الهيئات غير الحكومية التي تعارض رئيس الوزراء \"فلاديمير ميسيار\"، بينما أصبحت جماعة \"أوتبور\" في صربيا هي التي تستأثر بجل الاهتمام في المسرح السياسي وتقود حركة العصيان المدني والمعارضة السياسية الأكثر حدة وفعالية في تحريك المعارضة. أما في جورجيا فهناك مجموعة \"كمارا\" الشبابية التي درجت على استخدام نفس التكتيكات والتي أدت في نهاية الأمر للإطاحة بالحكومة في نوفمبر عام 2003. \r\n \r\n على أن بعض المعلقين ظلوا يعتقدون أن هذا التشابه في السلوك والتصرفات إنما يبرهن على أن هذه الحركات جزء من مؤامرة تدعمها الولاياتالمتحدة. ولكن مثل هذه الاتهامات قد تم تفنيدها ودحضها الآن من قبل الحركة الشبابية الأوكرانية \"بورا\"، التي تمكنت بنجاح من إحباط ممارسات الخداع، وإطلاق المسيرات وتجنيد المواطنين لإغلاق الطرق العلوية من أجل اعتراض الحافلات التي تحتشد بالسذج من الأشخاص الذين أمرتهم الحكومة بالإدلاء بأصواتهم لصالحها. \r\n \r\n إن الحركة الشبابية الأوكرانية التي تدافع عن الحرية والديمقراطية ليست وليدة اليوم فقد ظلت تتعاقب عبر الأجيال. وحتى الاسم الذي تحمله \"بورا\" قد ورد بشكل ملحوظ كرمز ثوري ضمن كتابات الشاعر الكبير في القرن التاسع عشر \"إيفان فرانكو\" الذي أشعل الحماسة في أوساط مواطنيه وهو يدعوهم إلى الثورة ضد الاحتلال الأجنبي والنضال من أجل الحرية. إذن لا شيء جديد قد طرأ على الساحة ولا شيء قد استجد بشأن الإلهام الذي تستمده الجموع الباحثة عن الحرية من الغرب. والآن وفيما يبدو فإن الأوكرانيين قد تمكنوا في نهاية الأمر من وضع أقدامهم على حافة إنجاز حلمهم الذي طال انتظاره. \r\n \r\n \r\n ناديا ديوك \r\n \r\n مديرة دائرة أوروبا وأوراسيا في مؤسسة \"المنحة الوطنية \r\n للديمقراطية\" الممولة من الكونجرس الأميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\"