من رحم الظلم الاجتماعي, وضيق العيش, ولدت ثورتا25 يناير و30 يونيو, اللتان خرج المصريون فيهما بحثا عن حياة أفضل, رافعين شعارات تطالب بالعيش, والحرية, والعدالة الاجتماعية.. واخيرا استجاب لهم القدر, وأصبح لهم دستور, يقر حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية التي حرموا منها طوال عقود.. ولكن! يبقي السؤال: كيف يمكن ترجمة مواد العدالة الاجتماعية, والحقوق الاقتصادية في الدستور إلي خطط, وسياسات, وبرامج عمل, لإنصاف المهمشين, ومحدودي الدخل؟ العدالة الاجتماعية تتحقق- كما يقول البدري فرغلي رئيس النقابة العامة لأصحاب المعاشات- من خلال إعادة توزيع ثروات البلاد, إذ لا يمكن أن تتحقق العدالة الاجتماعية دون عدالة انتقالية, سيما أن الثروات أصبحت تحت سيطرة حفنة من المواطنين في مختلف المجالات, فاستطاعوا اختراع لوائح علنية وسرية واستولوا بها علي مقدرات الوطن وثرواته, ويتساءل: هل يعلم الشعب أن مصر تعد خامس دولة في إنتاج الغاز, وتمتلك ثلث آثار العالم, وتنتج نحو700 مليون برميل بترول يوميا, إلي جانب مناجم الذهب, والفوسفات, والمنجنيز المنتشرة في صحراء مصر, وهنا يحق لنا أن تساءل أيضا: أين ذهبت عوائدها؟.. العجيب, أنه بالرغم من هذه الثروات, فإن الغالبية العظمي من الشعب المصري محرومة من ثروات بلادها, بينما اتجهت كل الجهود الحكومية للاستثمار دون تحقيق عدالة اجتماعية, بل أنها- اي الحكومة- جعلت من العمال والشعب المصري مجرد حوافز للاستثمار, وتركت نحو40% من ابناء الوطن يئنون تحت خط الفقر, بينما تركت نحو20% تحت خط الموت بالأمراض الفتاكة دون علاج, فضلا عن ملايين الشباب الذين افترستهم البطالة, وتحولوا بفعل السياسات الحكومية الخاطئة إلي عاطلين. برنامج إنقاذ اجتماعي في الاتجاه ذاته, يمضي أبو العز الحريري البرلماني السابق, حيث يري أن العدالة الاجماعية لن تتحقق إلا باتخاذ سياسات منحازة لإنصاف الفقراء الذين يمثلون غالبية الشعب المصري, فالتجربة البشرية, قد أكدت لنا أن نحو20% من الدول المتقدمة تنتج80% من إنتاج العالم, وتبادلون80% من تجارة العالم, مؤكدا أن الدستور مجرد نصوص تتطلب سياسات واقعية تنقذ الفقراء من خلال ما يسمي برنامج انقاذ اجتماعي, عبر برامج اقتصادية واجتماعية للإنقاذ الوطني, ويمكن أن يتم ذلك عن طريق تشغيل المصانع المتعثرة, ومواجهة الإغراق والتهريب والمنافسة غير العادلة التي تهدد الصناعة الوطنية, وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب, وإتأجيل سداد المديونيات الحكومية المستحقة عليها, وإعفائها من الضرائب لعدة سنوات حتي تتعافي, وتوفير مستلزمات الانتاج, وضرب الاحتكار بجميع صورة, مراسيم بقوانين رئاسية ومن حيث المبدأ, يطالب عبد الرحمن خير رئيس الجمعية المصرية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية بضرورة تشكيل مجلس اقتصادي واجتماعي, يضم كافة القوي الاجتماعية لمناقشة جميع مشروعات القوانين المقترحة لتحقيق العدالة الاجتماعية, مشيرا إلي ضرورة أن يصدر السيد رئيس الجمهورية مراسيم بقوانين لتفعيل المواد المتعلقة بحقوق العمال والتي تتولي إقامة علاقات عمل متوازنة, وحظر الفصل التعسفي, وتنظيم التأمينات الاجتماعية, ونظام تأمين صحي شامل حتي لا تتغول جهات الإدارة علي حقوق المنتفعين, وتنظيم حقوق المسنين التي قررها الدستور, وألزم الدولة بتحقيقها. واستكمالا لذلك, فإنني أدعو- والكلام مازال لرئيس الجمعية المصرية للحقوق الاجتماعية والاقتصادية كل القوي التي تدعي تمثيل الفئات المهمشة للاتحاد من أجل ممارسة الضغوط لإصدار هذه التشريعات, ومن حق الرئيس وفقا لصلاحياته الدستورية- أن يصدر هذه المراسيم بقوانين, لتكون بمثابة تشريعات للثورة التي قامت من أجل العيش, والحرية, والعدالة الاجتماعية, مشيرا إلي أن ثورة يوليو1952 قد أصدرت العديد من التشريعات التي انحازت للفقراء والفئات المهمشة كقوانين الإصلاح الزراعي, والتأمينات, وقرارات التحول الاشتراكي, وغيرها من القوانين دون انتظار لتشكيل البرلمان, كما يجب أن تقوم القوات المسلحة باعتبارها مسئولة عن حماية الدستور, وتأمين البلاد, أن تضمن هذه إصدار هذه التشريعات, حتي لا تجتاح البلاد ثورة جديدة. حقوق مشروعة وبشكل عام, يحدد الدكتور عبد النبي عبد المطلب الخبير الاقتصادي عدة آليات لتحقيق العدالة الاجتماعية من بينها توفير أكبر قدر من الوظائف تماشيا مع نصوص الدستور التي تقول إن الوظيفة حق يقوم علي أساس الكفاءة وليس الواسطة, والتفكير جديا في مسالة الدعم, فمن يراجع أرقام الميزانية سيجد أن الإنفاق علي التعليم والصحة أقل من ثلث المبالغ المخصصة لدعم الطاقة, كما أن أهم بنود العدالة الاجتماعية هو إعلاء قيمة الاستثمار الذي يحقق عائدا يفيد الاقتصاد الوطني, فضلا عن ضرورة الالتزام بالشفافية بمعني أن يسهم الغالبية في صناعة القرارات التي تعود عليها بالنفع بديلا عن اختيار القيادة لما تراه مناسبا لها,فضلا عن أهمية التوسع العمراني, لحل مشاكل العشوائيات, وتوفير حياة كريمة لسكانها بعيدا عن مناطق الاكتظاظ السكاني, كما يجب توفير مخصصات مالية للارتقاء بجودة التعليم, وإذابة الفوارق بين التعليم الخاص والحكومي, وتقليل الكثافة في الفصول بالمدارس الحكومية, وتوفير الرعاية الصحية لكل المواطنين دون تمييز أواستثناءات. ولا شك,- والكلام هنا للدكتور عادل عامر أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق جامعة طنطا, ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية- أن المقومات الاقتصادية التي يحملها الدستور الجديد, تضمن حقوق المواطنين في إقرار العدالة الاجتماعية والمساواة ومنع التمييز بين كل أبناء الوطن, كما أن الدستور الجديد يحقق أهداف ثورة يناير في العيش, والحرية,والعدالة الاجتماعية. ومن الأمانة العلمية, أن نؤكد أن دستور2014, يعد من أكثر الدساتير التي تحرص علي تحقيق العدالة الاجتماعية منذ عهد محمد علي باشا, لان هذا الدستور جعل أموال التأمينات ملكية خاصة ولا يتم توريدها إلي خزانة الدولة كما كان يحدث من قبل في عهد الأنظمة السابقة, كما أنه يجعل المواطن مسئولية الدولة, وهذا يتطلب امتلاك الحكومة ترسانة قانونية لاستخدامها في تنمية المجتمع بمشاركة الجمعيات الأهلية, والتي ستتحمل دورا كبيرا في عمليات التنمية المجتمعية والمشاركة في عدد من المشروعات أهمها مشروع تطوير العشوائيات بالإضافة إلي مشروع المواطن مسئولية الدولة, كما اهتم الدستور الجديد بأوضاع الفلاحين مشروعات قومية ووفقا للدستور الجديد, ستكون الحكومة القادمة ملتزمة بتحقيق الاستثمار والعدالة الاجتماعية والآمان الاقتصادي, ومن أجل تحقيق العدالة الاجتماعية, فإنه من الضروري تبني العديد من السياسات والاجراءات عن طريقتبني مشروعات وطنية ودعم وإيجاد قطاع عام قوي وقادر يقود التقدم في جميع المجالات ويتحمل المسئولية الرئيسية في خطة التنمية, و,مشاركة القطاع الخاص في التنمية في إطار الخطة الشاملة من غير استغلال, وضرورة أن يصبح العمل أساسا للقيمة الاجتماعية للفرد وأن يصبح المصدر الأساسي للدخل وبذلك لاتتحدد مكانة الفرد الاجتماعية بناء علي الإمتيازات الطبقية الموروثة بل بناء علي دورة في المجتمع, وإقرار مبدأ تكافؤ الفرص, خاصة في نطاق الخدمات الأساسية اللازمه لحياة الإنسان, وتنمية قدراته مثل حق كل فرد في التعليم, وأيضا حقه في الرعاية الصحية والتأمينات الاجتماعية والعمل,واعتبار قضية محو الأمية ضمن الاستراتيجية العليا للدولة فالحديث عن النهضة والتطور لامعني له في ظل وجود قيود الأمية.