في ثورة30 يونيو تبادل المصريون عبارة غير مسبوقة ألا وهي مبروك عليك مصر؟! وفي المقابل تباكي أنصار الجماعة علي سلطة المعزول التي تبخرت!. ونحن هنا أمام شعب يعرف معني الوطن, وجماعة لا تبغي إلا السلطة ولو علي حساب ضياع الوطن؟!.. منذ زمن بعيد مرورا بثورتي 25 يناير و30 يونيو وحتي الآن نحن أمام أمة تنتظر المخلص الذي يعالج روحها القلقة روح أمة عظيمة عابرة للزمن ظل الجميع ينظر اليها بإعجاب وإجلال. إلا أنها في العقود الأخيرة لم يتبق لديها سوي ماض تحن اليه, وحاضر تنكره, لأنه لا يليق بها, وهكذا كانت الأمة تتألم عندما يتحدث عنها الآخرون بوصفها الرجل المريض بالشرق الأوسط, ويبلغ الألم نهايته عندما يقول البعض عنها انها جثة تتمدد فوق خريطة المنطقة, أو يتطاول عليها الصغار مثل قطر ظنا منهم أن بمقدورهم ملء الفراغ!. وكانت الأمة تراقب وتعاني إلا أنها انتفضت مرتين في 25 يناير و30 يونيو بحثا عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية والاستقلال الوطني, وهذه الشعارات والمطالب المشروعة ما هي إلا تفاصيل الرغبة الجارفة لأمة تريد أن تسترجع ذاتها, وان تسترد روحها وتستعيد مكانتها بين الأمم, ولم يكن غريبا ان تعطي أوامرها للقوات المسلحة, ولا أن تدعو الفريق أول عبد الفتاح السيسي لتحمله عبء خلاصها لما هي فيه, وأن تستعيد روحها العابرة للزمن من أجل صناعة المستقبل! وهذه هي المهمة شبه المستحيلة الا ان أحمس وقطز وصلاح الدين ومحمد علي وناصر والسادات علمونا أن لا شيء يفوق الوطن, إذن هل من السهل ان نتخفف من حقائب الماضي الثقيلة. في البداية يقول لنا جوزيف ليفنسون في كتابه الشهير الصين الكونفوشية وقدرها الحديث كيف تعاملت الصين مع معضلة الاصالة والمعاصرة بقوله كانت الأفكار الجديدة في معظم التاريخ الصيني لا تقبل إلا إذا ثبت انها تتواءم مع التراث, أما في الأزمنة الحديثة فإن الموروث لكي يمكن الحفاظ عليه, يجب ان يقدم علي أنه متوائم مع الأفكار الجديدة المقنعة بذاتها, وهذا بالضبط مأزق مصر اليوم, نظرا لأن الموروث والحديث لم يتسير توحيدهما في مصر, وهنا نحن لسنا وحدنا الذين نشعر بالوقوف طويلا أمام الماضي بل أمة مثل اليابان تفعل الشيء ذاته, ولقد كتب يوكيوشيما علي معبد الرواق الذهبي عام 1956 يقول لا يقتصر دور الماضي علي أنه قوة تشدنا إلي الوراء, إلي زمن مضي, ففي الماضي ذكريات بعينها, كأن لها زنبركات قوية عندما تمسها أيدينا, نحن الذين نعيش في الحاضر, تتوتر فجأة, ولا تلبث أن تدفعنا للأمام إلي المستقبل, وهكذا نري بوضوح وجهتي نظر تنظران بعمق الي الماضي, الا ان كليهما وضع همه الأكبر علي المستقبل, ولذا لم يكن غريبا ان يكون الحاضر مليئا بالحيوية, وان يكون المستقبل واعدا وبقوة في كلا البلدين, إلا أن الأمر لدينا للأسف هو في جوهره معركة ما بين وطن وسلطة للأمة تراها مصر المحروسة وفي المقابل تختصرها الجماعة في حفنة تراب وفي المقولة الشهير لمرشد الجماعة السابق طظ في مصر؟. ووسط هذا الجدل كله فإن المنطق يقول إننا لا نتقبل الماضي بكل مافيه. كشيء مضيء, ولا يستطيع أحد أن ينزع أو ينحي من الماضي الأجزاء التي يعتبرها أخطاء. كما لا يجدي المضي في احتضان أحلام وردية خرافية للمستقبل, وهنا فإننا مغرمون بالوقوف عند أطلال الماضي, وإعادة فتح معارك التاريخ الدامية, وكأننا سوف يمكننا أن نصفي الحسابات القديمة وبدلا من التطلع الي المستقبل أو التقدم اليه بقوة فإننا نغرق مجتمعاتنا في صراعات معاوية وعلي ويزيد والحسين, أو نحاول حسم المعركة ما بين الناصرية والجماعة بدلا من الاحتماء بالوطن وبدفء الشعب. فإن القرضاوي يدعو الي تدخل القوات الأجنبية, ويدهشنا عندما يقول إن القوات الأمريكية جند من جنود الله! هكذا يظهر الوجه القبيح لمن أقحموا الدين في مزاد السياسة حيث كل شيء بثمن! ونسي هؤلاء مقولة أمل دنقل عن الوطن وعن الاخوة بجملة بليغة هي أشياء لا تشتري؟!. ويبدو أن جماعة الإخوان وأنصارها يراهنون علي تصدع جبهة القوي المدنية, وتحالف القوي المدنية والوطنية التي أسهمت في ثورة30 يونيو, وفي اللحظة الراهنة فإن جماعة الإخوان تحاول أن تنفخ في حالة العتب التي يشعر بها الشباب, وأن تحول العتابة إلي نار تأكل التحالف العريض, إلا أن شباب ثورة25 يناير يرفض الإغواء, والتحريض, بل والشماتة من قبل أنصار الإخوان. وللأسف فإن بعض الوجوه الكريهة لنظام مبارك, تحاول أن تغسل تاريخها السييء بالملحمة الوطنية التي جرت في البلاد منذ 30 يونيو, وصولا إلي الاستفتاء, إلا أن الحكمة تقول: إن علينا إدراك أن الحريق يبدأ أحيانا من أصغر الشرر. ومن هنا فإن المصارحة تقتضي الإقرار بأن ثمة نغمة أو موجة مستمرة من الهجوم علي ثورة 25 يناير وشبابها, فضلا عن إحساس الشباب بأن الوجوه القديمة في نظام مبارك بدأت في الظهور والتحرك من جديد. وأغلب الظن أن لا عودة للوجوه القديمة, كما أن مصر لن تعود إلي نظام ما قبل25 يناير مرة أخري, وأحسب أن من يعتقدون أن مصر ستعود إلي الوراء مخطئون.. لماذا؟ لأنها لا تملك ترف العودة, كما أن ما قبل25 يناير فاسد وقبيح ولا يمكن استمراره, وهو السر الوحيد لما كابده خلال السنوات الماضية. إذن 30 يونيو ليست ثورة علي25 يناير, ولا يجب تصويرها بهذا الشكل, والدولة يجب أن تعلنها صراحة أنها ترفض الإساءة إلي ثورة 25 يناير وشبابها البريء, لا الذين عليهم تحفظات, فضلا عن ضرورة توقف حملات التشويه التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام. ويبقي أن الفريق أول عبد الفتاح السيسي ورفاقه أدركوا أن الوطن ليس في المزاد وأن روح مصر العابرة للزمن هي سر خلودها الا ان الشعب لا يريد فقط استعادة الروح بل بناء الوطن ولا يريده كأي وطن بل قد الدنيا ولم لا أليس مصر هي أم الدنيا وهذه مقولات ليست جملا تدغدغ المشاعر بل التزامات محددة, وتوجيه استراتيجي من صاحب الشرعية الي القائد العام للقوات المسلحة يكلفه فيها بالانتصار في مهمة بناء الوطن, وفي المقابل فإن اخوان السي. أي. ايه مازالوا يحلمون بتدخل أوباما وأن واشنطن لن تترك قادة المصريين, الا انهم بعد كل مواجهة مع الشعب وتخريب وحرق مصر فإنهم يستيقظون علي السيسي ولقد بات الرجل كابوسا حقيقيا يطاردهم في أحلامهم وواقعهم ولا تهتز شعبيته بل تزيد, وبات الواقع الآن هو محاولة اقناع الناس بعدم التطرف في حب السيسي. الا ان المصريين يدكون بحسهم الواعي ان القدر اختار رجلا علي قدر المهمة كما أن السيسي يدرك هو أيضا أن لا أحد يخلف موعده مع القدر. الإخوان يحلمون بأوباما ويستيقظون علي السيسي لمزيد من مقالات محمد صابرين