تفر الأمم من واقعها عبر أحلام اليقظة لتصحو علي كوابيس مفزعة قبل أن تعيدها الكوابيس إلي الواقع مرة أخري, وشيء من هذا يحدث الآن في مصر, فقد تحول حلم الوصول إلي المونديال2014 في البرازيل إلي كابوس مزعج وبات البعض من فرط الصدمة يتحدث عن الأرض المصرية وكأنها باتت ارضا غير صالحة بل اصبحت ارضا تتحول فيها الاحلام الانسانية البسيطة والمشروعة إلي كوابيس وهذا ليس حقيقيا ولامنطقيا, وأغلب الظن اننا من حقنا ان نحلم ليس فقط احلاما صغيرة بل نحلم ايضا احلاما كبيرة إلا ان المشكلة لدينا هي في المسافة مابين واقعنا وتحقيق الحلم لاننا كثيرا ما لانختار الرجل المناسب او لانري الواقع بدقة ولا حجم المطلوب بذله من جهد, ولا الخصم المقابل لنا, ولا الوقت الباقي لنا قبل المواجهة الحتمية والأخطر اننا دوما نعيش في الماضي؟! وهكذا غالبا ما يقطع الماضي الطريق علي المستقبل في مصر فيحيل حياتنا إلي قطعة من الجحيم وشيئا من هذا كله وأكثر قد حدث في مباراة مصر وغانا ليتبدد الحلم ويتحول إلي كابوس مروع.. وفي هذه اللحظة أقل ما يجب ان يعكر حياتنا هو رد الفعل المأساوي لما حدث في غانا, بل يجب ان نفعل شيئا مغايرا تماما لكل ما تعودناه, وذلك من خلال الدراسة العميقة للنتيجة لانها في النهاية عرض لامراض الكرة المصرية, وواقع حال ظروفنا الممتدة منذ زمن طويل, وهذا الواقع يقول بوضوح ان أمة من90 مليون نسمة لم تتأهل علي مدي تاريخها سوي مرتين للعب في هذا المحفل الدولي, ولم تحرز إلا هدفا واحدا لاتزال تتغني به بوصفه انجازا هائلا, وهذا للأسف هو ايضا واقع الحال للأمة المصرية علي المسرح الدولي بل والاقليمي, فلقد تراجع الوزن والحضور والتأثير وباتت التأثيرات الخارجية فاعلة ومتداخلة بأكثر مما ينبغي في شئوننا الداخلية, بل بات البعض يستدعي الخارج ويحاول ان يصادر المستقبل من اجل أوهام من الماضي, وهؤلاء لايدركون أن الزمن دائما وابدا في حالة حركة دائبة, وان الماضي لايعود! إلا اننا ندرك الآن أن الماضي لايموت بالنسبة لجماعات الإسلام السياسي وأنصارهم وعشيرتهم وبالقطع لحلفائهم من القوي الخارجية, ومن ثم فأنه بدلا من التصالح عند قبور الماضي فان الأمة المصرية فيما يبدو ستظل رهينة لعملية تسوية حسابات الماضي ما بين هذه الجماعات الغارقة في الماضي وانصار الدولة الوطنية المدنية, انها باختصار معركة ما بين الماضي والمستقبل.. تري هل يتعين ان نصاب باليأس.. بالقطع لا.. لماذا؟! لان لا احد يمكنه ان يهزم المستقبل! أغلب الظن ان البعض يمكن ان يعطل قدومه, ولكن سوف ينتصر لامحالة, وهنا هذه ليست دعوة للهروب عبر أحلام اليقظة بل لتأمل الواقع ودراسته, ومعرفة مالم يحدث, وهنا لابد من الاقرار بأن الواقع كما هو لم يتغير كثيرا.. فليس هناك أفكار مدهشة ولاأحلام كبري ولا رؤي استثنائية ولاشخصيات عظيمة ولاشخصيات باهتة تتملك خبرات وقدرات وارادة حديدية بل أكثر ماهو معروض سبق لنا أن عشنا معه, وسبق ان جربناه, وندرك ان هذه الوصفات المصرية والكبسولة هي المسئولة عن اعادة انتاج الازمة مرات ومرات, ويكفي هنا أننا مرات عديدة نطالب الذين انتجوا ازمة التعليم ان يصلحوه! وللأسف حاول هؤلاء مرات عديدة والتعليم مازال ينقل من سيئ إلي اسوأ! والآن وبعد مرور اكثر من100 يوم علي عزل الرئيس محمد مرسي فأن الأوضاع لاتزال علي حالها وبالرغم من براعة الشعب المصري في وسائل الاحتجاج وقدرته في النهاية علي وضع نهاية لدولة المرشد وذلك من خلال ذلك التلاحم الرائع ما بين المؤسسة العسكرية والقوي الوطنية المصرية.. ولعل من ابرز الاسباب هو اصرار جماعة الاخوان وجماعات الإسلام السياسي علي انهاك الدولة المصرية, كما ان قوي الظلام الارهابية تشن حربا ارهابية شرسة ضد مصر في محاولة بائسة لاسقاط الدولة واسقاط الجيش المصري العظيم.. وهذه معركة محكوم عليها بالفشل لامحالة نظرا لتلاحم الشعب مع قواته المسلحة وادراكه لحجم المؤامرة المدبرة من الخارج, والتي تنفذها اصابع داخلية إلا انه رغم ذلك فإن المراقبين يرصدون اخطاء المرحلة الانتقالية وابرزها فشل الحكومة الانتقالية في احداث قطيعة مع عهد مبارك ولم تسع هذه الحكومة إلي ارسال رسالة واضحة بأن ثورة30 يونيو التي أطاحت بمرسي هي استمرار لثورة25 يناير التي اطاحت بمبارك وليست الغاء لها, وللانصاف اذا كانت هناك محاولة لارسال رسالة تلاحم الثورتين فانها كانت خافتة, ومن ثم فتحت المجال لخصوم الثورتين للتآمر ضدهما معا, بل وتشويه ثورة30 يونيو. ومن الاخطاء الملحوظة هي عدم وضوح الرؤية في التعامل مع تنظيمات الإسلام السياسي وعلي الأخص جماعة الاخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة, وهذا الارتباك وعدم الوضوح يعكس أن السياسة النهائية, لم تتبلور بعد ولم تصل دوائر الحكم إلي الصيغة الجديدة للتعامل مع هذا الارث التاريخي الذي اجهد جميع الحكومات المصرية, واخيرا فان تعثر الحكومة في احداث نقلة نوعية في مستوي المعيشة, واستمرار الصعوبات المعيشية التي عاناها نظام مرسي, كما انها بلا شك أسهمت في الاطاحة بمبارك هذه الصعوبات هي ذاتها التي ستطارد الحكومة الانتقالية, ومن هنا فأن الماضي بكل ما فيه من متاعب وسوء ادارة وفقدان للخيال مازال يطارد المستقبل في مصر, ومالم نلجأ إلي الخيال والعمل وصناعة رؤية ابداعية لحل مشاكلنا فان وصولنا إلي المستقبل سوف يتعثر! لمزيد من مقالات محمد صابرين