التجارب المؤلمة تبقي مخلّدة في الذاكرة وتظهر في الأحلام لفترات طويلة قد تمتد إلي حوالي 60عامًا، ومن بين البحث الذي أُجري علي عدد من كبار السن الألمان الذين تراودهم كوابيس مزعجة ومتكررة عن الحرب العالمية الثانية ثبت أن الأحلام تتكرر لأن الأشخاص لا يستطيعون تحمّل الأحداث المرعبة والموترة والمخيفة، فيتصارعون مع هذه الأحداث ويحاولون التغلب عليها أثناء نومهم، وهو ما يجعل هذه الأحلام تستمر لعشرات السنين. وخلص الخبراء، إلي أن التجارب المؤلمة تخلّد في ذاكرة الإنسان وتظهر في أحلامه بصورة متكررة ولفترات طويلة، موضحين أن الدماغ في حالة الحلم يعمل علي معالجة المعلومات بطريقة منطقية ومعقولة. والجدير ذكره في هذا الشأن أن أكثر الناس لا يتذكرون أحلامهم، بل لا يتذكرون أنهم حلموا، وبعضهم يتذكر الحلم الأخير قبل اليقظة. وعلي الأغلب فإننا لا نتذكر إلا ما يعادل 10٪ من مجموع الأحلام.. وحتي الجزء الذي نتذكره قد لا يكون كاملا، أو قد تضيع منه الكثير من التفاصيل التي يمكن أن تجعله مفهومًا. ويسهل علي الفرد الذي كان يحلم أن يتذكر حلمًا كليًا أو جزئيًا إذا ما استفاق تلقائيًا أو مصادفة، أثناء فترات نومه الحالم، أو حال انتهاء فترة الأحلام . وتقل إمكانية تذكر الأحلام وبصورة متسارعة منذ نقطة انتهاء الحلم كله، ولذلك فإن إمكانية تذكر الحلم تتناسب عكسيًا مع تطاول مدة الزمن الذي مر علي انتهائه.. أي أنه كلما طال الزمن علي نهاية الحلم قلت إمكانية تذكره، ومما يساعد علي تذكر الأحلام محاولة استرجاعها فور الاستيقاظ من النوم، ومن الجدير بالذكر هنا أنه سواء تذكرنا الحلم أو لم نتذكره فإنه يقوم بوظائفه المطلوبة. وتشير الدراسات إلي أن أحلام الموهوبين أكثر ابتكارًا وثقة من غيرهم، كما أنها تأتي علي صور أفكار غير اعتيادية، وغير ممكنة وعشوائية، ومكثفة. كما أن أحلام الفنانين والأدباء المبدعين تتجه خارج العادة إلي المستقبل وإلي الماضي، وهم أكثر من غيرهم تذكرًا لأحلامهم. ويتأثر الحلم بالتجارب والخبرات الشخصية للفرد في الأيام السابقة وبالأحداث والمشاهد والأفكار التي تسبق النوم، كما أن أجواء الغرفة وألوانها وأصواتها مثل دقات الساعة والإزعاج تتداخل مع الأحلام وكذلك العطش، والجوع وامتلاء المثانة. ويمتلك البعض القدرة علي التأثير علي الحلم أثناء حدوثه بأن يوقفه أو يضيف إليه أو يتحكم في سيره. وتحقق الأحلام الرغبات وتنفس عن التوترات وتحرس النوم من الإزعاجات، وتساعد أحيانًا في حل الصراعات النفسية والمشكلات العملية، وقد تكون عملية تفكير وتخطيط للأمام، وتعطي الإنسان قدرة أكبر علي التعلم والتكيف، وأحيانًا تساعد علي الإبداع والابتكار وتحافظ علي التوازن العقلي.. وتمثل الأحلام الصور النفسية للنشاط العصبي خلال النوم الحالم وقد تكون وسيلة للتخلص من النفايات الفكرية وتصفية الذاكرة وتنظيم السلوك الغريزي والتهيئة للانتقال العاطفي والتوطيد للذاكرة والتعلم. ولا شك أن للبعض قدرة علي توقع المستقبل من خلال الأحلام، يصعب فهمها وتفسيرها علميًا . راودني كابوس وأخذ يلحُّ عليَّ أيامًا متتالية أطبق علي صدري، وما من سبيل أبدًا أن أعاود النوم، فصرت أستعيذ بالله ثلاثًا و أتفل ذات اليسار ثلاثًا، فأسررته في نفسي، وهرعت إلي كتب تفسير الأحلام لأبحث عند ابن سيرين، النابلسي , الظاهري، الاحسائي، ميلر عليَّ أجد معني لهذا الجاثم علي جسدي القابض لأنفاسي، فلم أجد في تفسيراتهم ما يقنع له فكري ويتواكب مع حالتي الذهنية ويروي شغفي، و يوافق أحوالي، إلا انني وجدتهم جميعًا متفقين في تحليلاتهم اتفاقًا ضمنيًا مختلفين في المسلك والعرض، مستشهدين بجموع الآيات . واستوقفني ذلك كثيرًا . ففي أزهي عصور الإسلام و أضيقها لم نجد أبدًا تفاوتًا أو انحرافًا عن الخطوط العريضة لا في التفسير ولا في الفتاوي، والاختلاف يكون للتيسير والتسهيل، وليس للتشدد والتخوين والتكفير . الكابوس يطبق الآن علي ملايين المصريين، كابوس لا ينتهي، ليس له علاج لا بالاستعاذة ولا بشيء، نحاول أن نصرفه فلا ينصرف، كلنا نصرخ ولا مجيب، بحور الدماء الزكية التي أراها تسكب بغير ثمن لا تستوقفهم ولا تحرك في قلوبهم ساكنًا، الحكم والسلطة سيفان مصلتان علي رقاب العباد . ما انتُزع بالتدليس والمكائد لا يُسترد إلا بعد المذابح.. هكذا بات الشارع يدرك ذلك الثمن فما أزل قدم السلطة إلا هول المفاجأة من أن الشعب صار يلعب وفق قواعدهم التي دشنوها . لن يُساومَ بمكاسب وقتية تُمنح وتُمنع حسب المشيئة والهوي. مبدأ المنفعة لجيرمي بنتام دُفن في مثواه الأخير علي يد الثورجية البورسعيدية. كانت فكرة الحشد والدعم التي لوح بها الشاطر الهمام فكرة صادمة علي الشعب المصري، الذي كنا نتغني بأنه شعب مسالم و ودود، ليرد شعب بورسعيد الباسل بتلك الموجة من العصيان المدني والتي بدأت تستشري لتضم مدنًا ومحافظات أخري، وفي القريب ستشمل كل ربوع مصر حتي يأتي يوم الخلاص من هذا الكابوس . أعتقد أننا بتنا الآن ندرك ماذا يشاهد أبناء المحظورة عندما يخلدون للنوم , وما الذي سوف نلاقيه، كما أشار لذلك فرويد.. كان مرضاه يحيون ذكريات في حياتهم الماضية فكانوا يرتجفون بالغضب والخوف والكراهية . كلنا نجلس أمام التلفاز مشدوهين نرقب عن كثب أحداث الجُمع، ونتمتم: 'فرجه قريب إن شاء الله، يا مغيث أغثنا مما نحن فيه، فالمحن التي نمر بها جعلتنا نشعر ببعضنا البعض نتآزر، نري بعضنا مدنًا وشوارع و أحياء، نحن بحاجة لبعضنا، الوطن عصبة واحدة تستعصي علي الصائدين . مصر مرت بكوابيس كثيرة لكنها دائمًا تستيقظ علي واقع تريده وتحققه، مهما احتكروا من سلطة التشريع، التنفيذ، إصدار القرارات، اتخاذ الإجراءات الأمنية، ناهيك عن أجهزة أمنية قهرية بطرق غريبة، إلا أن هذه الدولة باتت ضعيفة وذات قدرة محدودة ولا يمكن فرض سيطرتها علي رجل الشارع البسيط وبالتبعية النخبة، ليدرك الجميع أنها إدارة ضعيفة في مجال الانجاز الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بالمعني الإيجابي له .