حينما ينشر هذا المقال نكون في اليوم الثاني من أيام الاستفتاء علي مشروع الدستور الجديد, الذي سبقه تصويت المصريين بالخارج, بما شهده من اقبال متميز, فاقت نسبة مشاركته طبقا للتقديرات الأولية النسبة التي شاركت في الاستفتاء علي دستور2012 الذي وضع في عهد الإخوان. وقد كشفت بعض المؤشرات المبدئية عن وصول نسبة التصويت بنعم إلي ما يتجاوز90%, وهو ما يدعو إلي التساؤل حول ترتيبات ما بعد الاستفتاء, فهل صحيح أن نتيجة الاستفتاء علي الدستور إذا جاءت بالرفض سنعيد البلاد إلي نقطة الصفر؟ وإذا جاءت بالموافقة نكون قد وصلنا إلي نقطة الصفر؟ بمعني أكثر تحديدا, هل تعد نقطة الصفر بداية للتحرك للأمام وتحقيق طموحات المصريين, بعد فترة طويلة من المعاناة؟ تنحصر الإجابة في أمرين حسب ما يقف المرء, فإذا اعتبرنا أن هناك خطوات اتخذت قبل الاستفتاء علي الدستور, فتكون نتيجة الاستفتاء بالرفض ردة علي ما اتخذ في هذا السبيل, أي أنها عودة إلي نقطة الصفر. أما إذا ما اعتبرنا أن الاستفتاء علي الدستور هو الخطوة الأولي في مسار خارطة الطريق التي رسمت ملامحها وقسماتها ثورة الثلاثين من يونيو2013, فالموافقة علي الدستور تعني أننا نقف في نقطة الصفر وهي نقطة الانطلاق الحقيقية لاستكمال الاستحقاقات التي حددتها خارطة الطريق, وبالتالي المضي قدما نحو المزيد من الأمن والاستقرار. إذا كانت المؤشرات المتوقعة والتحليلات المسبقة تكشف عن أن نتيجة الاستفتاء ستكون بالموافقة علي الدستور, فيصبح سؤال اللحظة, وماذا بعد؟ ففي أحيان كثيرة يستغرقنا الحديث عن الماضي أو تشغلنا قضايا الحاضر, ونتغافل عن متطلبات المستقبل بما قد يفرضه من تحديات وجب العمل علي مواجهتها, أو ما يوفره من فرص وجب السعي لاغتنامها. ولذا, فمن الواجب أن ينصب فكر الجميع وجهدهم منذ اللحظات الأولي لإعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة علي الدستور علي تحديد كيفية استكمال خطوات خارطة الطريق واستحقاقاتها, دون الوقوع في فخ الصراعات والانقسامات التي عاني منها الشعب المصري علي مدار الأعوام الثلاثة السابقة, شريطة أن يعتبر الجميع نتيجة الاستفتاء نقطة البداية الكبيرة التي تبدأ منها معركة الانجازات وتخفيف المعاناة علي الناس, فحينما تحدد القيادة العسكرية نقطة الصفر, يعني ذلك بدء انطلاق المعركة وما يتطلبه ذلك من استعدادات سابقة وترتيبات لاحقة لضمان تحقيق الفوز والانتصار بصورة ساحقة, ولا مجال لأي هزيمة. علي هذا الأساس, مطالب الشعب المصري بمختلف طوائفه وانتماءاته وتكويناته السياسية والاجتماعية منذ اليوم التالي لإعلان نتيجة الاستفتاء أن يبدأ في العمل دون تكاسل أو تباطؤ لتجنب دخول البلاد في حلقة مفرغة لا يستطيع أحد أن يحدد نهايتها أو يضمن نتائجها. صحيح أن مرحلة ما بعد الدستور تعد من أدق المراحل وأهمها في حياة الدولة لأنها مرحلة تستكمل فيها بناء بقية مؤسساتها التشريعية والتنفيذية طبقا لما رسمته التعديلات الدستورية, إلا أن هذا لا يعني المزيد من الانتظار إلي حين الانتهاء من عملية البناء بأكملها في ظل أوضاع متردية وتهديدات متعددة وتحديات متنوعة, بدءا من اقتصاد غير قادر علي الصمود أو الاستمرار لمدي أكثر من ذلك في ظل ما يعانيه من أزمات هيكلية, مرورا باعلان الدولة حربها علي الارهاب وما تستنزفه هذه الحرب من ثروات وموارد وما تهدره من فرص وقدرات كان من الممكن أن تضيف الي قدرات الدولة وامكاناتها, وصولا إلي استكمال استحقاقات خارطة الطريق في ظل هذه العراقيل والمعوقات. خلاصة القول إن الاستفتاء علي الدستور يجب أن ينظر الجميع إليه علي أنه نقطة الانطلاق الأولي لاستكمال بناء الدولة العصرية المنشودة, التي ضحي من أجلها خيرة شباب مصر في ثورتين شعبيتين مهمتين25 يناير و30 يونيو, الأمر الذي يفرض علينا أن نفكر في الغد برؤي أكثر شمولا, وخطوات أكثر عملية لأن الشعب الذي عاني علي مدار الأعوام الثلاثة الماضية لم يعد يحتمل مزيدا من الصراعات المصلحية أو الطموحات الشخصية والانقسامات الحزبية والتوترات المجتمعية. أتمني أن تكون نتيجة الاستفتاء نقطة عبور للأمام وتحرك لتحقيق الأهداف المؤجلة, وأن نري مصر الجديدة في تقدم وازدهار. لمزيد من مقالات عماد المهدى