عندما تشاهد الدكتور محمد سليم العوا، وهو رجل مازلت أقدره، يقف فى صدر المؤتمر الصحفى لإعلان نتائج الحوار الرئاسى مع القوى»المتوافقة مع الرئاسة»، لابد أن تسأل نفسك أكثر من مرة، هل الرجل يروج لك الدستور الآن أم أنه يظهر كعقل محايد يسعى لحل أزمة تستبد بالوطن. يقينا الدكتور العوا مؤيد لمسودة الدستور المطروحة للاستفتاء، هو أحد أعضاء الجمعية التى صاغت هذه المسودة، وأحد الذين صوتوا بالموافقة على الغالبية العظمى من المواد، لكن هل هذا يبرر أن يقف الدكتور العوا فى مهمة توافقية ليخاطب الناس فى خارج القصر مزينا لهم فوائد التصويت بنعم على مسودة الدستور.
عندما يقول العوا، إن التصويت بنعم سيفتح الباب أمام الاستقرار والانطلاق نحو البناء واستكمال مؤسسات الدولة إلى آخر المزايا، بينما التصويت بلا سيجعلنا نعود إلى نقطة الصفر تماما، وحتى نصل إلى ما يعدنا به العوا من استقرار ونماء وبناء سنحتاج إلى عام إضافى، يخيرك العوا إذن بين أن نبدأ البناء صباح الأحد القادم عقب إعلان نتائج التصويت فى الاستفتاء، أو بعد عام من الآن إذا جاء التصويت بلا.
كان المؤتمر الصحفى إذن فقرة دعائية لهذا الدستور لا أكثر، شارك فى هذه الفقرة الدعائية الدكتور العوا، مقايضا الناس على الاستقرار، وهنا السؤال الذى لابد أن تسأله إلى مفكر وقانونى كبير مثله:
هل يجلب دستور مختلف عليه أى استقرار؟
لماذا يقدم الدكتور العوا والذين معه للمستقبل عنوان لمعركة جديدة أشد عنفا واحتكاكا من معركة الإعلان الدستورى، لماذا يصرون أن يظل مستقبلنا مرهونا بحالات الشد والجذب والاستقطاب إذا كانوا بالفعل راغبين وطامعين فى استقرار يجعلنا نبدأ البناء.
هل فقط لأن المادة 60 من الإعلان الدستورى المستفتى عليه إلزامية، لماذا إذن انتهكها الرئيس وخرقها بإعلانه الدستورى الذى مد أجل الجمعية التأسيسية شهرين، إذن باعتراف أولئك الذين يقولون بإلزامية هذه المادة، فقد خرقها الرئيس وانتهك الإرادة الشعبية، وخرج من الأزمة دون أن يوجه له هؤلاء لوما بأنه أخطا أو يطالبوه باعتذار للمصريين الذين قسمهم وفجر بينهم معارك طاحنة انتهت إلى الموت والدم والتعذيب.
هذه الدماء إذن فى رقبة الرئيس وحده.. ومن خرجوا يتهمونه بانتهاك الشرعية على حق كامل باعتراف العوا ذاته، هذا رئيس قامر بالشرعية ليثبت آثارا تترتب على إعلان دستورى ساقط وغير شرعى، ولم يحاسبه أحد، ومن ذهبوا للتفاوض باسم الناس لم يفعلوا سوى إنفاذ إرادة الرئيس وتجميلها، ثم الخروج عليك بزعم أن التصويت بنعم سيجلب استقرارا سريعا، والمؤكد الذى يعرفه العوا قبل غيره، أن ما من دساتير صمدت فى مجتمعات ديمقراطية وسط تنازع واحتقان وانقسام، وأن الأصل أن يوحد الدستور الأمة، ثم تختلف الفصائل فيما بينها على التفاصيل، وهذا دستور يفرق ولا يجمع، وينذر بمزيد من الارتباك وسيبقى لو مر عنوانا لمعركة سياسية ممتدة ستقضى على كل أوهام الاستقرار.