تظل السياسات الخاطئة للقادة سرا علي عامة المواطنين من الشعوب إلي أن تغرق السفينة فيفتح أحدهم الصندوق الأسود ليكشف للعالم كيف كان هؤلاء القادة يتلاعبون بمقدرات الشعوب و حياة الآلاف و كأنها بلا قيمة. فما بالنا لو كان من فتح هذا الصندوق وزير دفاع سابق لدولة كانت حتي وقت قريب هي القوة العظمي الوحيدة في العالم. واليوم و بعد كل ما تلقته الولاياتالأمريكيةالمتحدة من لطمات قاسية نالت من سمعتها كقوة عظمي علي المستويين الداخلي و الخارجي, حلت كارثة جديدة علي رأس إدرة الرئيس الأمريكي باراك أوباما بقرار روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي لمدة ست سنوات متتالية كتابة مذكراته تحت عنوان الواجب.. مذكرات رئيس في حرب والتي أفشي فيها أسرار وخبايا تعامل الرئيس أوباما مع الإرث الثقيل الذي تركه له الرئيس السابق بوش الأبن وهو حربا العراقوأفغانستان. وعلي الرغم من أن كتاب جيتس سيكون في متناول القراء ابتداء من بعد غد الثلاثاء, إلا أن المقتطفات التي تم تسريبها منه إلي الآن أقضت مضجع سكان البيت الأبيض وبطانتهم من المساعدين والخبراء, الأمر الذي دفع كاثلين هايدن الناطقة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي للخروج فورا بعد أول عرض نشر للكتاب في صحيفة الواشنطن بوست لتقول إن الرئيس أوباما لا يوافق علي الاستنتاجات التي يسوقها جيتس في كتابه. ومع التسريبات الأولية للكتاب أيضا نقلت العديد من وسائل الاعلام الأمريكية شيئا من الهمهمات التي تناقلها كبار مسئولي الادارة الأمريكية في أروقة البيت الأبيض حول جريمة جيتس ومدي قانونية ما فعل وهل من حقه كشف ما دار باجتماعات سرية لكبار رجال الدولة في هذه اللحظات الحرجة في تاريخ البلاد؟ لكن الرد علي هذه التساؤلات جاء بشراسة علي صفحات الجرائد وشاشات الأخبار الأمريكية التي دافعت عن حرية النشر وحق المواطنين في أن يعرفوا حقيقة الأمور في أكبر بلد يدعي الدفاع عن الحقوق و الحريات في العالم. ولعل أهم ما فضحه الكتاب هو طبيعة العلاقة المتوترة بين الرئيس اوباما و وكبار المسئولين في إداراته وكيف أنه كان لا يثق في مشوراتهم. وفي هذا الصدد يقول جيتس نصا.. لم يكن الرئيس يثق بقائده.. ولا يؤمن باستراتيجيته الخاصة ولا يعتبر الحرب حربه.. الأمر برمته بالنسبة له هو كيف يتم الخروج. بل والأكثر من ذلك أن اوباما كان علي يقين من أن خطته في أفغانستان كانت ستفشل, كما أنه لم يكن متأكدا من جدوي ارسال المزيد من القوات إلي أفغانستان.. ويعزي جيتس السبب في ذلك إلي أن الرئيس لم يكن واثقا في مدي نجاح خطته بهذا الشأن, فقد كان ينظر إلي الحربين علي العراقوأفغانستان أنهما عبء لا ذنب له فيه. والخطورة هنا لا تكمن فقط في تشكيك جيتس للقراء الأمريكيين في قرارات القيادة السياسية التي أرسلت أولادهم ليموتوا في حرب ليسوا متأكدين من نجاح خطتهم فيها فحسب, وإنما أيضا في طبيعة عملية صناعة القرار الأمريكي التي يتحكم فيها أشخاص لهم ميول غير مفهومة وليس معايير واعتبارات مفهومة قبل كل شيء. ولم تكن الفضائح من نصيب أوباما فحسب وإنما طالت بالطبع الرئيس السابق جورج بوش الابن وعدد من كبار الساسة الأمريكيين من بينهم هيلاري كلينتون وجو بايدن. وبالنسبة لهيلاري, فقد كشف جيتس أنها عارضت ارسال المزيد من القوات الي أفغانستان بناء علي أسباب سياسية لا موضوعية ولا تتعلق بحقيقة الأوضاع علي الأرض. وقال جيتس إن هذا الاعتراف جاء علي لسان هيلاري في أحد اجتماعاتها باوباما والذي أقر بدوره أن قرار المعارضة كان سياسيا.. جاء ذلك علي لسان كل منهما دون أدني اعتبار لأمور أخري غير الأوضاع السياسية فقط وفقا لجيتس. ويعد كلام جيتس عن هيلاري تحديدا ضربة قاسمة لها حيث تنتوي خوض الانتخابات الرئاسية في2016.. وهو الأمر الذي استغله معارضوها من الآن للدعاية ضدها كمرشحة رئاسية محتملة. أما جو بايدن نائب الرئيس فقد نال الحظ الأوفر من الهجوم الشرس الذي شنه جيتس في كتابه, حيث قال عنه إنه رجل نزيه ولكنه اتخذ قرارات خاطئة حيال جميع ملفات السياسة الخارجية التي تولاها, ومن بينها قرار تخفيض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان مقابل الاعتماد علي ضربات الطائرات العاملة بدون طيار. وفي النهاية, إذا كان مصدر هذه التسريبات مجهولا لم تكن لتلاقي كل هذا الصدي السياسي والاعلامي لكن الأزمة هي أن مصدرها رجل عمل في الإشراف علي البنتاجون خلال فترتي رئاسة أوباما وجورج بوش الابن, كما قام بإدارة وكالة الاستخبارات المركزية والعمل بمنصب نائب مستشار وكالة الأمن القومي. لكن يبقي السؤال: هل يعني الواجب الذي كان يقصده جيتس في كتابه وأملي به عليه ضميره أن يكشف عن كم هذه المخالفات المهنية والاخلاقية بعد انتهاء خدمته كوزير للدفاع أم كان من الأحري أن يستيقظ ضميره وهو في ذروة تمتعه بمنصبه الرفيع؟!