هناك مواسم لكل شئ في الحياة, مواسم للإختبارات, مواسم للحب, مواسم للزواج, ومواسم للحزن.. وترتبط المواسم إرتباطا طرديا مع الزمن; فمواسم الزواج كانت ترتبط قديما بموسم الحصاد, حيث يحصل الفلاح فيه علي بعض الأموال التي تمكنه من سداد ماهو مستحق منه لإتمام زيجات أولاده. وذلك بعكس التزاوج عند بقية الكائنات التي يرتبط التزاوج عندها بنداء الطبيعة; فحين تكون الطبيعة في أوج جمالها( غالبا في الربيع) تنادي الكائنات كلها أن أتموا علي جمالي, وتمتعوا به قدر الإمكان, وذلك مايوازي عند البشر مواسم الحب. أما مانعيشه في مصر الآن فهو بلا شك مواسم للفقد; الفقد المادي بمعني أن تفتح عينيك كل يوم علي خبر مصرع صديق, جار, أو قريب لك, أو شخص لاتعرفه ولكن تؤلمك طريقة موته. حيث أصبح الموت مجانيا ولأسباب واهية, وقد اختفي جلاله وهيبته وأحيانا طقوسه; فنحن نشيع كل يوم أطفالا وشيوخا, نساء ورجالا, زهورا لم تتفتح بعد, ومعها نشيع أجزاء من ضمائرنا, من قلوبنا, من عقولنا, من إنسانياتنا. والأكثر ألما أن تفقد عزيزا لاختلاف في الرؤي; تتحدثان مثلما تفعلان دوما, ولكن هناك أمرا جللا قد تغلغل داخل الوجدان; فالعقول تسعي للعداء والاختلاف والكراهية أكثر ماتسعي للتواؤم والاتفاق, لاتستبقي ولاتذر أحدا كنذر القيامة, ليس للآخر أية أرصدة لديها, لاتتذكر له حكمة تصرف, أو نبل موقف, بل سريعا ماتتخذ موقف الجراح وهو البتر, وكأن الآخر ذلك العضو الفاسد وتكرر معه كلمات الأسف والحسرة علي الاكتشاف المتأخر, والصدمة, ويذكرني ذلك بتعجب هانز كاستورب بطل الجبل السحري لتوماس مان من موقف إبن خالته حينما اعترض علي وجود المشفي أعلي الجبل, فلما أجابه هانز بأن ذلك هو المكان الطبيعي حيث يتحلي النزلاء بالهواء النقي, والهدوء اللازمين لشفائهم, رد الآخر بأن إنزال جثثهم من أعلي سيكون غاية في الصعوبة;( ويتضح هنا أن هانز كان يتمني لهؤلاء المرضي الشفاء, بينما يتوقع لهم الآخر الموت). ويعيش المجتمع إلي جانب أمراضه وجراحه آلام الفقد, وتتنوع المتوالية من فقد للأصدقاء, والأحبة, إلي التباغض بين الزملاء والجيران والأقارب, حتي أن كثيرين قد أطلقوا علي مواقع التواصل الاجتماعي مثل: الفيس بوك وتويتر مواقع التباغض الاجتماعي لما نراه من سباب وشتائم وحذف وحظر وأشياء كثيرة بات يئن بها جبين الوطن, وأصبحنا نعيش الآلام الاجتماعية التي طالما تحدث عنها علماء النفس والاجتماع كالإكتئاب العام, والاحساس باللاجدوي, وإعلان الانتماء والولاء الظاهري للوطن دون رسوخ حقيقي لذلك داخل الضمير الجمعي للأفراد. وذلك مايستدعي لدي علي الفور مصطلح نفسي آخر هوLifePlus أو مانطلق عليه الحياة الإيجابية وهو مصطلح نصف به هؤلاء الذين يستطيعون العيش في تلك الحياة بطريقة سليمة ومتوازنة, فيمتلكون القدرة علي الاحساس بالمتعة والسعادة والنجاح والصحة الجيدة, ويكون لديهم أيضا القدرة علي إقامة علاقة حب ناجحة, وعلاقات صداقة حميمية وسعيدة كل ذلك لأطول وقت ممكن في حياتهم, فإذا آمن عدد كبير من أفراد المجتمع بنظرية الحياة الايجابية, وبذلوا مساعيهم ليحيوا تلك الحياة فإنهم سينشرون عدواهم في الآخرين, وسيعملون في وقت قليل علي المساعدة في إلتئام جراح الوطن والتكيف مع مشاكله, والسلام مع أفراده أيا كانت إنتماءاتهم, سيفكر كل شخص في أهمية حياته وحياة الآخرين قبل أن يعرضها للخطر والاشتباك مع الآخر, سيكون الأفراد أكثر سماحة وقبولا لآراء وإتجاهات الآخرين, سيكون هدفنا في الحياة أن نحيي لا أن نموت... فهل من مؤمنين.؟ لمزيد من مقالات ايمان سند