منذ أن اندلعت أعمال القتال في منتصف الشهر الماضي بين الجيش الشعبي والمتمردين بعد محاولة انقلابية لم تنجح, وجنوب السودان يعيش علي فوهة بركان والأزمة تزداد تعقيدا في ظل تشابك أبعادها الداخلية والخاجية, فالصراع لم يعد قاصرا فقط علي السلطة بين شريكي الأمس في الحركة الشعبية والنضال من أجل استقلال البلاد, وإنما يهدد بتحوله لصراع قبلي بين قبيلتي الدنكا, التي ينتمي إليها سيلفا كير والنوير التي ينتمي إليها إريك مشار, وهو ما يشكل خطورة بارزة ويغذي بيئة الحرب الأهلية, كما تداخلت فيه عناصر أخري من خارج الطرفين, فيما يعرف بالجيش الأبيض ومعظم عناصره كانوا ضمن الجيش النظامي وانسحبوا منه ليحاربوا الحكومة ودخلوا علي خط الصراع, ورغم محاولات التدخل الخارجي سواء مناشدات الأممالمتحدة, أو المهلة التي أعطتها منظمة الإيجاد للطرفين لوقت القتال, أو زيادة قوات حفظ السلام في الجنوب للفصل بينهما, إلا أن القتال مستمر في ظل تعنت الطرفين والتمسك بموقفه بموقفه, حيث يعتبر كير أن ما حدث انقلاب من جانب المتمردين التي يقودها مشار, وبالتالي لا يجوز تقاسم السلطة معهم, بينما يعتبر مشار أن كير يدير الدولة بشكل ديكتاتوري ويقصي كل معارضيه ويصر علي القتال وأن قواته سوف تتقدم صوب العاصمة, وفي إجمالي المشهد نجد تزايد الجوانب المأساوية للصراع, حيث تجاوز عدد القتلي أكثر من ألف شخص, ونزوح الآلاف الذين يعيشون ظروفا سيئة, وتعطل عملية إنتاج النفط, وتزايد حدة الاستقطاب بين الفريقين, وهو ما يعني أن الدولة الوليدة تواجه مأزقا حقيقيا واختبارا صعبا يهدد بدخولها لنفق مظلم مع غياب حل شامل وجذري للازمة. ورغم انطلاق المحادثات غير الرسمية بين الطرفين في أديس أبابا تحت رعاية منظمة الإيجاد, إلا أن تلك المحادثات, وإن كانت تمثل خطوة إيجابية في اتجاه تغليب الحوار ولغة العقل بين المتنازعين, إلا أنها تواجه تحديات وعقبات كبيرة, أبرزها غياب أليات واضحة لمراقبة وقف إطلاق النار بين الطرفين, كذلك ضعف مستول تمثيل الطرفين حيث أوفد كير ومشار مندوباعنه, وكانم الأفضل اللقاء المباشر بينهما, إضافة إلي أن الإيجاد تتخذ موقفا منحاز إلي حد ما لحكومة سلفا كير, تحت مظلة دعم السلطة الشرعية ورفض أية انقلابات أو أعمال تمرد وفقا لسياسة الاتحاد الأفريقي, وتغفل أن الحل لن يكون بدعم طرف علي حساب الآخر لأن غياب الحيادية يكرس الصراع, ففي ظل ظروف الأوضاع في جنوب السودان, فمن المهم البحث في أسباب اندلاع الأزمة التي ترقد تحت السطح منذ شهور وفجرتها المحاولة الانقلابية الأخيرة. ومن هنا فإن علاج الأزمة بشكل جذري من جانب الدول الإفريقية, يتطلب, إضافة لوقف القتال وأعمال العنف وحماية اللاجئين, إطلاق عملية مصالحة وطنية شاملة بين كل أبناء الجنوب في إطار حل سياسي يستوعب الجميع في السلطة والشراكة في صنع القرار واستعادة روح التعاون والنضال المشترك للتفرغ للأولويات الحقيقية للدولة الجديدة وهي بناء المؤسسات السياسية والإدارية وتحقيق التنمية الشاملة وتوظيف موارد النفط وجمع أسلحة المقاتلين السابقين, كذلك إقناع طرفي الصراع بأن الحل العسكري لن يجدي لكل منهما, فاستخدام سلفا كير القوة المسلحة لؤد التمرد ضده سوف يفاقم من الصراع, كذلك فإن إصرار إريك مشار علي التقدم العسكري صوب جوبا والسيطرة عليها بعد مدينة بور تحت سياسة فرض الأمر الواقع, لن تفلح أيضا وسوف تؤدي إلي انتشار الصراع في مناطق مختلفة من البلاد ويطيل من آمد الأزمة. وإلي جانب ذلك فإن حل الأزمة في جنوب السودان يتطلب أن توقف كل الدول, خاصة دول الجوار, أية محاولات للتدخل السلبي غير المباشر بدعم هذا الطرف أو ذاك وتوظيف الأزمة الحالية لتحقيق أهدافها ومصالحها, كما حدث في الحالة الصومالية من قبل, وإنما عليها ان تتدخل بشكل إيجابي للمساهمة في إنجاح محادثات إثيوبيا وإقناع الطرفين بأنه لا خيار آخر لصالح جنوب السودان سوي المصالحة الشاملة والشراكة الحقيقية بين كل أبناء الجنوب قبل أن يدخل في دوامة العنف والنفق المظلم, وهذا ما ينبغي لمحادثات إثيوبيا أن تركز عليه وإلا فإن ألغام الأزمة سوف تنفجر في وجه الجميع.