تعزيز الشراكة فى الكهرباء والطاقة المتجددة مع البنك الدولى    عوض : نعمل على تعزيز قدرات المحافظات في مجالات التخطيط والتنفيذ والمساءلة    دواجن والسمك واللحوم.. نقيب الفلاحين يوجه رسالة للمواطنين    إيجار شقتك كام بعد تصنيف مناطق الإيجار القديم فى محافظة الجيزة    نيويورك تايمز: ويتكوف يخطط للقاء خليل الحية    الرئاسة السورية تنفي مزاعم تعاون الشرع مع التحالف الدولي ضد داعش والقاعدة منذ 2016    أصوات انفجارات ضخمة تهز العاصمة السورية    السنيورة يروي تفاصيل تفكيك شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله في مطار بيروت    حسام حسن: نعاني من الغيابات والشوط الثاني ظهرنا بمستوانا الحقيقي    رابطة الأندية تعلن تعديل مواعيد مباريات الأهلى والزمالك والمصرى فى الدورى    قناة الزمالك تنعي وفاة محمد صبري    النيابة العامة تُحقق في مقتل موظف بتوكيل سيارات في الإسكندرية    ضبط مصنع غير مرخص لتصنيع الأسمدة والأعلاف الحيوانية بالقليوبية| صور    جمارك مطار القاهرة تتصدى لهجمات مهربي المخدرات بضبط 20 كيلو مجددًا    اعتبارًا من الأحد.. تفاصيل نظام الحجز المسبق للتذاكر في المتحف المصري الكبير    مدبولي: الفسطاط تحولت من بؤرة للمخلفات والنفايات لأكبر حديقة بالشرق الأوسط    رامو الموزع الموسيقى لأوبريت يالا بينا: سعيد بردود الأفعال هدية فخر بالمتحف    حسين فهمي: ترميم الأعمال الفنية ضروري للحفاظ على التاريخ الفني    انتخابات إلكترونية لنادي هليوبوليس في حضور وزير الرياضة    لاعب وادى دجلة يوسف ابراهيم يتأهل إلى الدور نصف النهائي لبطولة الصين المفتوحة 2025    تربية عين شمس تحتفي بالطلاب الوافدين    السنيورة: إسرائيل لم تحقق انتصارا عسكريا في حرب 2006    «الصحة» تنظم جلسة حول تمكين الشباب في صحة المجتمع    انطلاق برنامج دولة التلاوة عبر الفضائيات بالتعاون بين الأوقاف والمتحدة في تمام التاسعة    الهلال السعودى يكشف تطورات إصابات لاعبيه خلال التوقف الدولى    وزارة الصحة: استراتيجيات مبتكرة لمواجهة الفيروس المخلوي التنفسي RSV    إجراء جراحة دقيقة ومعقدة لإصلاح تمدد ضخم بالشريان الأورطي البطني بكفر الشيخ    أزهري: سيدنا محمد تعرض للسحر.. وجبريل نزل من السماء لرقيته    الأمم المتحدة: عشرات الآلاف من نازحى الفاشر فى عداد المفقودين    الكنيسة الأرثوذكسية تعلن تأسيس الأمانة العامة للمؤسسات التعليمية    الأهلي يعلن مواصلة تريزيجيه والشحات برنامج العلاج الطبيعي    وزارة الشؤون النيابية تصدر إنفوجراف جديدا بشأن المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب    وزير الخارجية يبحث مع نظيره في تركمانستان العلاقات الثنائية بين البلدين    سيطرة آسيوية وأوروبية على منصات التتويج في بطولة العالم للرماية    المسلماني: مجلس «الوطنية للإعلام» يرفض مقترح تغيير اسم «نايل تي في»    وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يبحثون مقترحًا لتدريب 3 آلاف ضابط شرطة من غزة    الطيران المدني توضح حقيقية إنشاء شركة طيران منخفض التكاليف    محافظ المنيا يبحث مع وفد الإصلاح الزراعي خطة تطوير المشروعات الإنتاجية    الزراعة": توزيع 75 سطارة مطورة لرفع كفاءة زراعة القمح على مصاطب ودعم الممارسات الحديثة المرشدة للمياه في المحافظات    تعرف على الحوافز المقدمة لمصنعي السيارات في إطار البرنامج الوطني لتنمية صناعة السيارات واشتراطات الاستفادة من البرنامج    الصحة: إنشاء سجل وطني لتتبع نتائج الزراعة ومقارنتها بين المراكز    حبس زوجة أب في سمالوط متهمة بتعذيب وقتل ابنة زوجها    اليوم.. عبد الله رشدي ضيف برنامج مساء الياسمين للرد على اتهامات زوجته الثانية    أذكار المساء: حصن يومي يحفظ القلب ويطمئن الروح    مؤتمر السكان والتنمية.. «الصحة» تشارك في جلسة «تعزيز العمل اللائق بمصر»    تكافؤ الفرص بالشرقية تنفذ 9 ندوات توعوية لمناهضة العنف ضد المرأة    الأهلي يصل صالة خليفة بن زايد لمواجهة سموحة فى نهائي سوبر اليد.. صور    اليوم العالمي للسكر| وزير الصحة يعلن توجيه ميزانية موسعة للوقاية منه    الداخلية تضبط آلاف المخالفات في النقل والكهرباء والضرائب خلال 24 ساعة    صندوق "قادرون باختلاف" يشارك في مؤتمر السياحة الميسرة للأشخاص ذوي الإعاقة    هطول أمطار وتوقف الملاحة بكفر الشيخ.. والمحافظة ترفع حالة الطوارىء    براتب يصل ل45 ألف جنيه.. 6200 فرصة عمل في مشروع الضبعة النووي    سنن التطيب وأثرها على تطهير النفس    المجلس الأعلى للتعليم التكنولوجي يوافق على إنشاء جامعة دمياط التكنولوجية    نانسي عجرم ل منى الشاذلي: اتعلمت استمتع بكل لحظة في شغلي ومع عيلتي    مصرع شقيقتين في انهيار منزل بقنا بعد قدومهما من حفل زفاف في رأس غارب    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    غلق مخزن أغذية فى أسوان يحوي حشرات وزيوت منتهية الصلاحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استشعار الحرج
بين البينين
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 12 - 2013

لا انت لا أبيض ولا أسود, ولا انت ليبرالي ولا سمح الله إخواني.. لا انت25 ولا انت30 ولا انت الاثنين معا..
لا انت معترف صراحة بالإخوان جماعة إرهابية, ولا انت المقتصر بالقول: الفعل فعل إرهابي... ولا انت من المنصورة اللي كان اسمها الأيوبي جزيرة الورد ولا طليت علي طلخا في برها التاني, ولا ركبت حنطور في شارع البحر وحي توريل, ولا انت زرت في السكة الجديدة دار ابن لقمان اللي سجن فيها صناديد المنصورية زمان الفرنساوي المعتدي لويس التاسع, ولا انت مشيت الهويني مع الحبيبة علي شط البحر الصغير, ولا انت بعد الشر عليك كشفت عند الدكتور غنيم في مركزه العالمي العملاق.... ولا انت مطلق الولية بائنا بالتلاتة ولا انت قوام عليها وفاتح لها بيت وداخل عليها بكيس برتقال.. لا انت قائلها صراحة السيسي رئيسي, ولا انت مع زمرة صباحي وأبوالفتوح القائلة بخبث الذي في قلبه مرض: خليه لجيشه ومطرحه.. لا انت من اخترت صندوق شفيق ولا انت ممن عصروا الليمون مرة ومرتين وجابوا لنا البلاوي.. لا انت الأب الفاضل المربي لابنته يعلمها إزاي تختشي وتغض البصر وتعرف حدود الأدب ولا تعض العميدة وتهتك حجابها وتصورها عارية وتولع في مدرجها, ولا انت زعزوعة قصب وشواشي ذرة تتباهي بزفتها خارجة من التخشيبة بلحة مقمعة مع صواحباتها حرائر الفجر.. لا انت مع قانون التظاهر, ولا انت متظاهر ضده.. ولا انت مع سلماوي والدستور, ولا انت مع القرضاوي والجاري والمجرور.. لا انت مع الرئاسية أولا لإطفاء الحريق, ولا انت مع البرلمانية تبعا لخارطة الطريق.. لا انت مع المصالحة والطبطبة والضعف والخنوع تصعر خدك الثاني من بعد الأولاني, ولا انت مع المواجهة ويا قاتل يا مقتول.. انت.. انت بين البنين.. انت مش انت وانت عامل لي روحك أسد.. انت الباهت الأبدي.. انت اللي علي كل لون يا باتستا وانت اللي ما لك لون.. انت ماسك لي العصاية من وسطها.. انت اللي رافع علامة النصر بإيدك اليمين وشمالك في الخفاء رافعها خسة برابعة أردوغان المهتز علي صفيح ساخن الآن.. انت جبان يا جدع.. انت من صدق عليك وصف مصر بأنك إمعة.. انت الابن العاق اللي هانت مصر الأزهر والهرم والنيل وأم كلثوم والكرنك عليك تهتف ضدها.. انت من ترفع الأصبع اللحوح فيؤذن لك قبل الآخرين بالكلام والبيان فتعتذر بأن رفعة اصبعك كان استئذانا فقط للذهاب لدورة المياه... وانت لا انت ابن الشهيد ولا خبير أمني.. بتتكلم ليه؟!.. انت لا انت6 ابريل, ولا انت كفاية, ولا من ذيول النهضة ورابعة, ولا تبع التنظيم الدولي, ولا انت قاعدة, ولا انت عتويل خطير مفرج عنه بقرار سيادي, ولا انت قادم من النفق بكرافان بارود ولا انت لا مؤاخذة حصريا بلطجي, ولا انت قابض بالدولار, ولا انت حتطق تموت من ببلاوي اللي طلع حازم وقرر من مجلسه إن الجماعة وتنظيمها إرهابي امشي يا واد روح خرب بعيد.... ولا انت ابن أم أحمد ولا قريب ولو من بعيد للسيدة الجرف, ولا انت تلميذ للدكتورة باكينام, ولا انت عياط, ولا شكلك كتاتني, ولا سحنتك بترمي علي بلتاجي, ولا إسلامك من خوارج الداعية صفوت, ولا انت بتضحك بدون سبب ساعة ما يلقي القبض عليه, ولا ساعة ما تدخل القفص بتتكلم من وراء ظهرك, ولا لك صباع مقطوع في كفك اليمين... بالله عليك ولا حواليك أمال الغتاتة دي كلها جايبها منين؟!!
طريقي
في سلو بلدنا نقول علي من لا ينسي العشرة إنه صاحب صاحبه, ومن هؤلاء المحافظين علي رباط الصداقة والمودة والعشرة الدكتور كمال الجنزوري الرجل الطيب ابن مصر الطيبة, الذي ما أن تحتاس الدولة في شبر ميه إلا وتلجأ إليه في المنصب القيادي للأخذ بيدها في سكة الجد, والتخطيط السليم, والهدف المباشر, والوطنية الحقة, والأرقام الصحيحة غير المزورة علي جميع الجبهات, حتي يخيل لمن يعرفه عن قرب أنه يتحدث ويأكل ويشرب وينام كإنسان طبيعي مثلنا, بينما الشريط الحاسب في عقله يظل يقظا لا ينام, يحفر الأرقام إلكترونيا علي جدران ذاكرته ليخرج منها بتخريجات للنسب والتناسب والموازنة والميزانية والمديونية والإحصائية والفائض والفائدة والعائد والقروض والخطة الخمسية والدين الخارجي وضريبة المبيعات الخ.. وأتحدي أن يكون قد مر صاحبنا برقم له مدلول في حياته دون أن تسجله ذاكرته الحديدية للنهاية, حتي إنه قد أبدي دهشته لنفسه من نفسه في مذكراته طريقي عندما وجد أنه لم يزل يذكر الرقم359106 المدون علي بطاقته كطالب بجامعة ميتشيجان بالولايات المتحدة رغم مرور أكثر من عقود خمسة عليه, وكان قد أعطاه بناء علي طلب مستشفي اسبارو لتقسيط مبلغ تكلفة ولادة ابنته الكبري سوزان علي مدي عام, فقد كان راتبه لا يتجاوز260 دولارا بينما إيجار السكن مائة, ونظرا لأن المولودة جاءت أقل من وزنها الطبيعي لتوضع في الحضانة فقد زادت التكلفة إلي تفليسة ال820 دولارا!
الجنزوري.. في مذكراته الشخصية طريقي التي أرفقها بكتابه الآخر مصر والتنمية الذي يعرض فيه تنمية مصر خلال1370 يوما هي مدة حكومته الأولي من1996 إلي أكتوبر1999 لم تشبعني صفحاتها بما يشخصه.. بما يقرب قارئه بالحميمية المرجوة إليه.. بما أجده قد كشف المستور عنه.. بما يجلسني شغوفة لرصد اختلافاته الجوهرية عن الصورة المصرية التقليدية لكفاح ابن القرية مرورا بسنوات الدراسة القاهرية ونهاية بتولي المناصب المرموقة.. الجنزوري لم يأخذني معه خاصة وليس لي اختصاص ولا باع بشئون الاقتصاد التي شرح فيها وأفاض لأهل التخصص. استشعرته, ومعذرة له, في سرده الشخصي كطفل وشاب ورئيسا للوزراء أنه الحاضر علي صفحاته بالملابس الرسمية محددا عدد الحضور تبعا لمناصبهم وخبراتهم وتحصيلهم وأوراق اعتمادهم.. وعندما أراد أن يصحبنا لخارج الصندوق السردي ليأتي لنا علي ذكر شخصية لا ترتدي الكرافتة وتغلق أزرار الجاكتة كتب عن عم محمد فراش مطعم مدرسة الباجور.. وانتظرت هنا موقفا طريفا يكون قد حدث داخل المطعم الصاخب بالتلاميذ والملاعق والسكاكين والدور الذي قام به عم محمد وقتها, لكن حادثا لم يحدث فقد تداعي السرد فقط مع ذكر اسم المدرسة بتذكر الجنزوري لاسم ناظرها عبود بك, وأستاذ العربية بها الشيخ عبدالله أبوالعطا والد المهندس عبدالعظيم أبوالعطا وزير الري السابق!
حتي عندما كتب السيد رئيس الوزراء في مسيرة حياته عن الزوجة والحب والأنجال جاء ذكرها بقلم رسمي تقليدي خجول يخشي المجازفة بتفصيلات فرعية ربما وجد من وجهة نظره أنه لا داعي لذكرها لأنها لا تصب في نهر الموضوع الرئيسي مع أنها وأنها وأنها لو كتب عنها لاقتربنا منه أكثر وأكثر.. كتب عنها يقول بجدية المناصب التقليدية: السيدة الفاضلة التي ظلت لي صاحبة وسكنا وفي القلب لها مقام علا علوا لا يدانيه مقام الأم. جاهدت معي موظفا بسيطا بوزارة الزراعة ووزارة التخطيط, فمدرسا وأستاذا مساعدا بمعهد التخطيط القومي, فوكيلا لوزارة التخطيط, فمحافظا للوادي الجديد, فمحافظا لبني سويف, فنائبا لوزير التخطيط ومديرا لمعهد التخطيط, فوزيرا للتخطيط ونائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للتخطيط, وأخيرا رئيسا للوزراء ووزيرا للتخطيط.... وهنا علي قارئ المذكرات ألا ينسي وسط المناصب تلك جميعها دور جهاد الزوجة ووقوفها بجوار زوجها لتؤازره في ذلك المشوار, الذي وجده صاحبه طويلا دون العودة ليأتي علي ذكرها بنفسية الزوج الوقور داخل الإطار الزوجي المثالي ظلت معي نعم الزوجة المحبة الوفية الصابرة والصديقة, والصاحبة. ملأت حياتي بالهدوء والرضا, لم تبخل بجهد وعطاء وإخلاص ووفاء.. لها الدور الأول والقدير في رعاية بناتي والسهر علي تربيتهن صغارا, ورعايتهن وأبنائهن كبارا دون ملل أو وهن وعلي خير وجه, فكان ولايزال فضل الله بها علي عظيما.. ولا تجد بعد اعترافه المؤجل بملئها لحياته المغلف بوقار الامتنان سوي الدعاء لهما بطول العمر تحت مظلة الهدوء.. وخمسة وخميسة!!
بين صفحات طريق الجنزوري استشعرت بمدي إحباطات الرجل الإكسبريس الذي لا يتوقف في المحطات.. الدينامو الدوار.. السهم المشحوذ.. الخطط العملاقة.. وكما يقول المثل الشعبي كان الجنزوري مشمع الفتلة وشارخ في مسيرة التنمية والخروج من الوادي الضيق للوادي الفسيح, وإقامة الموانئ, والعين السخنة, وشرق التفريعة في الموقع الاستراتيجي الفريد, حيث قناة السويس والبحر الأبيض والقريب من جنوب أوروبا, ومترو الأنفاق.. وترعة السلام والساحل الشمالي والحمام وترعة الحمام.. و..فجأة ينزل الستار والبطل مازال يؤدي دوره علي خشبة المسرح, ويهبط المعاش إلي1500 جنيه, وتمنع جميع القيادات السياسية والوزراء والمحافظين ورجال الأعمال والزوار الأجانب والعرب من الاتصال به لتفرض علي الجنزوري العزلة الإجبارية التي وضعت يدي علي أحد أسبابها من بين صفحات ذكرياته في منتصف ابريل1999 عندما كتب يقول بحزن شفيف:
كنت مرافقا للرئيس في زيارة كل من الصين وكوريا الجنوبية واليابان.. وفي زيارة اليابان حدث شيء قد يبدو بسيطا ولكن غير مقبول. فعند النزول من طائرة الرئيس فوجئت بأن الرئيس وحرمه ونجله جمال والدكتور زكريا عزمي والسيد جمال عبدالعزيز, قد غادروا الطائرة بينما تم حجز بقية الوفد.. وبعد دقائق نزلنا بعد أن غادر الرئيس ومن معه المطار.. وعند الوصول إلي الفندق شعرت بضيق لما حدث, فطلبت السيد نبيل فهمي سفير مصر في اليابان, وأخبرته بأنني لن أحضر اجتماع رجال الأعمال المصريين واليابانيين المقرر عقده بعد ظهر اليوم, وكان هذا هو الاجتماع الأول في برنامج الزيارة, وأكدت أنني أرفض ما حدث لي في المطار, فقال: ليست مسئوليتي لكن الأمر كله يقع علي الجانب الياباني.. ولكن قلت لن أحضر.. وعلم الرئيس بالموقف فطلبني مباشرة علي رقم حجرتي دون الاستعانة بأحد من السكرتارية, وقال: ما هي أخبار المطار يا كمال؟ فقلت: لا شيء.. فقال: أراك في الاجتماع, كان يريد أن يقول لا داعي لما فعلت.. ولكن لم يقل...
الرجل الطيب ابن مصر الطيبة.. المعتز بكرامته إلي حد الإطاحة بمنصبه إذا ما وضع الاثنان فوق الميزان.. صاحب صاحبه الذي ما أن تحتاس الدولة في شبر مية إلا وتلجأ إليه.. صاحب الخبرة الطويلة والسيرة الجادة.. وكان الله في عونه فقد تصدي له في طريقه من لا يرحم في خصومته.. ومن يقضي علي خصمه بالضربة القاضية إذا ما نازعه الطريق, أو شد انتباه سيادة الرئيس بعيدا عنه.. ولم يكن واحدا وإنما عشرة وعشرين فمكائد دوائر القصر لا تنتهي وعناكب المجلس مهمتها نسج المؤامرات, لكن البارزين في خصومته كان اثنان كلاهما مر.. كل منهما أعتي من صاحبه.. كلاهما قرصته والقبر.. كلاهما يقتل القتيل ويمشي في جنازته.. كلاهما تحت السواهي دواهي.. كلاهما أراد التورتة وحده, وقرر أن يضع سيادة الرئيس في جيبه.. كلاهما عرف من أين يقضي علي ضحيته وعنوان سكة ندامته والسكة اللي تروح به ما ترجعشي.. كلاهما أتقن استثارة كرامته ليأتي بما يغلق كل يوم في وجهه بابا جديدا.. كلاهما ذئب وضع الجنزوري تحت ضرسه, فأكله الذئب الأولاني وأكله الذئب الثاني وتفرقت دماؤه بين القبائل.. كمال الشاذلي ومن بعده زكريا الذي قال عنه مبارك صارخا في وجه الجنزوري عندما أراد توضيح الأمور: زكريا لا يكذب!!
بلاها القضية!
والله إذا ما كانت الدعوة الصحفية التي أرفع عقيرتي بالصراخ بها تعد من قبيل البلاغات, فاللهم قد أبلغت جهات الاختصاص واللهم فاشهد بأنه في غضون شهر أغسطس2012 فوجئنا نحن شعب مصر بصدور قرار من رئيس الجمهورية المعزول محمد مرسي العياط بمنح نفسه العديد من الأوسمة والنياشين وفقا للقانون12 لسنة1972 الذي تنص مادته الثالثة علي أن يمنح الرئيس هذه الأوسمة لمن يحلو له, وقد حلا للعياط أن يمنحها لنفسه ووقف أمام المرآة يتيه بها دون وجه حق لحملها, أو قيامه بإنجازات تستحق نيله لها اللهم إلا نيلة الصندوق ومصيبة الأخوان مكي وخيبة التخلي عن حلايب وشلاتين ولزقة هشام قنديل واستمارات المطابع الأميرية..الخ.. وتضم تلك الأوسمة والأنوطة: قلادة النيل التي تعد أعلي تكريم يمنح لمصري والتي منحها بعد انتظار دام ستين سنة الرئيس المستشار عدلي منصور هذا الأسبوع للرئيس الراحل محمد نجيب وللسياسي المخضرم الكبير أحد رجالات ثورة يوليو خالد محيي الدين والتي يحصل حاملها علي مكافأة شهرية خالصة الرسوم والضرائب قدرها25 ألف جنيه إلي جانب قلادة الجمهورية, ووسام النيل الأكبر, وميدالية الجمهورية, ووشاح النيل, ونوط الجمهورية من الدرجة الأولي, ونوط الاستحقاق من الدرجة الأولي, ونوط العمل من الدرجة الأولي, ونوط الامتياز من الدرجة الأولي, ونوط العلوم والفنون من الدرجة الأولي, ونوط الرياضة من الدرجة الأولي, ونوط الاستحقاق من الدرجة الأولي, ونوط الامتياز من الدرجة الأولي, وكل منها له مكافأة شهرية خاصة خالصة الرسوم والضرائب بخلاف الحصانة التي يكفلها القانون لصاحب أي منها مدي الحياة, فما بال صاحبها كلها والتي يقال إنها تبلغ ما يقارب نصف المليون جنيه شهريا.. و..حتي لا يتنحي سيادة القاضي قبل الحكم بعودة النياشين وإيقاف إيراداتها الشهرية عن العياط وذلك منعا للحرج موضة القضاة هذه الأيام وإحالة القضية لدوائر أخري, لا تجعلونا وحق من أمات شهدائنا في سيناء والمنصورة وبني سويف وكرداسة نلف وندور.. وبلاها القضية, وبلاها البلاغ.. المهم نعرف هل لم يزل العياط يتسلم ريع نوط الامتياز من الدرجة الأولي تبعا لحصانة صاحبه مدي الحياة خاصة وأنه لم يصدر للآن أي حكم عليه مثلما صدر علي مبارك من قبله وكان قد حصل في فترة رئاسته علي5 أوسمة عسكرية و10 مدنية و48 ميدالية من دول أجنبية, وبعد حكم المؤبد عليه أصبح لا يجوز له حمل الأوسمة والنياشين أو تسلم ريعها اللهم إلا نجمة سيناء التي لها حق مثل المعاش الذي لا يجوز حرمان الموظف منه إذا ما حكم عليه في قضية جنائية.. وإذا ما كانت نجمة سيناء من حق مبارك الذي حارب من أجلها فهي أيضا من حق العياط نجم سيناء الذي باع سيناء للإرهاب!
وفاة عزرائيل
أخذه ربنا.. مندوب عزرائيل علي الأرض.. لفظ أنفاسه الأخيرة أول أمس في مدينة ايجتبسك الروسية التي تبعد1300 كيلومتر شرق موسكو.. مات ميخائيل كلاشينكوف مخترع البندقية الشهيرة باسمه بعد وعكة صحية تسببت في توقفه عن العمل في أغسطس الماضي2012 وهو لم يزل في الرابعة والتسعين.. البندقية كلاشينكوف أفضل استخدام للموت الزؤام علي يد الجنود والميليشيات والحرامية والبلطجية والجماعات الإرهابية وزبانية جبال القاعدة في أكثر من80 دولة في العالم, وكان مخترعها قد بدأ في تصميمها عام1947 في فترة نقاهته بعد إصابة جسيمة بالرصاص في الحرب العالمية الثانية تركت في عموده الفقري ثلاث رصاصات حرص الأطباء علي عدم تحريكها لخطورة نزعها من مواضعها الحرجة, مما كان له أبلغ الأثر في تحفيزه لتصميم آلة موت سريع الطلقات تقود للنزع الأخير في لحظات, فعذابات انتظار الموت التي عاناها بنفسه كما يقول تعادل كل لحظة فيها الموت نفسه.. ومع كل روح تصعد لبارئها بالضغط علي زناد الكلاشينكوف البندقية التي بيع منها الملايين وحصدت أرواح الملايين في أنحاء المعمورة تلعن البشرية مخترعها الحاصل علي عدد ضخم من أوسمة بلاده, وإن لم يجن أي مال من بيع اختراعه بينما مهربو السلاح قد تدفقت عليهم المليارات في الشرق الأوسط بالذات حيث غدا العراق وليبيا وسوريا ولبنان والسودان وغزة وسيناء مخازن مكدسة بها يهرب غالبيتها في السر لتنفيذ المؤامرات, وتزف بشائر عودتها في العلن بعد استيلاء الإخوان وأنصارهم عليها عند اقتحام السجون ومهاجمة أقسام الشرطة يحملها زعماء القبائل الصحراوية تلبية لدعوة الفريق أول السيسي الذي مد يده بالسلام..
الشيخ مصطفي إسماعيل
عندما يضطرب الوجود وتمتلئ الشاشات بآثار العدوان, وتعلو الأصوات بالدعاء علي الإخوان, وتئن الأم الثكلي, ويبكي الوليد اليتيم, ويقسم الأب المحطم بأن ربنا لا يرضي ولن يرضي عليهم وعلي أفعالهم السوداء.. و..لا أجد ملاذا يمسح دموعي من فوق جدران نفسي إلا مع صوت الشيخ مصطفي إسماعيل عندما يتحزن في تلاوته فأسمع منه مقام الصبا المعروف بالحزن في الألحان العربية ينبعث من حنجرته الندية السخية القوية كأنه منغمس في الدموع.. ويبلغ في القراءة آيات تقتضي الحماسة في الأداء, فإذا بنغمة الراست تنفجر كقرع طبول الحرب لينتقل الشيخ القدير من الحزن والوداعة إلي القوة والحماسة في طرفة عين فيأخذ القرآن بيدي من القرار ليرتفع بي ويعلو لأجدني في السحاب.. يتنقل بي مصطفي إسماعيل مسيطرا في تلاوته حتي يصدق بالله العظيم فأكون من غسلت أحزاني في نهر الفن الجميل العريق المتموج بالعظمة والوقار.. فن تلاوة القرآن الكريم الذي حرص قارئه إسماعيل أن تكون تسجيلاته في المساجد لتتجاوب معه الجماهير ويسري الالتحام بينهما بكلمات الله المنزلات التي تقولها حنجرة خاشعة لتحتفظ بها محارة الأذن درة غالية.. وإذا ما كان الشيخ محمد رفعت ذا صوت ملائكي لا مثيل له, وليس لنبراته شبيه ولا يجاريه فيه أحد فيما لا يزيد علي نصف الساعة, فإذا زادت تلاوته عن ذلك تشابهت طرائقه في التلاوة وتكررت, بعكس الشيخ مصطفي إسماعيل الذي كانت عبقريته في الصوت والأداء تمتد في عطائها ساعات, لا يتوقف خلالها عن الابتكار, فلا تجده يكرر مسارا لحنيا ولا وقفة.. بل يأتيه الجديد بالجديد, ويفاجئ مستمعيه في وقفاته ومساراته اللحنية بما لم يتوقعونه من أسرار تلاوته الكتاب, حتي إن الموسيقار محمد عبدالوهاب قال إن عنصر المفاجأة عند الشيخ مصطفي إسماعيل إن هو إلا عبقرية ينبع منها هذا الابتكار المستمر إضافة إلي صوته الذهبي.. ورغم مرور34 عاما علي رحيل مصطفي إسماعيل, فإن الإنصات له يقول لنا إنه الذي ختم به الزمان سلسلة القراء العظماء..
ويمر مشهد الشهيد فنودعه بالشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدا رسول الله.. وأمسح دموعي علي ترديدات أجمل الأصوات تتلو كلمات الله.. ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون صدق الله العظيم.
لمزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.