الطريق إلي قرية بدواي مركز المنصورة ليس طويلا ولا يتجاوز20 كم, لكنه مفروش بالحزن والحسرة التي بانت واضحة علي وجوه ركاب البلدة وهم يتحدثون بألم وفخر عن شهيد العملية الإرهابية الغاشمة في مديرية أمن الدقهلية إبن بلدهم عمرو حسن علي الطحان. ذلك الشاب الشهم وأمين الشرطة الرجل المحبوب صاحب الثلاثة والثلاثين عاما.. في مدخل القرية وعند موقف المحطة رفع الشباب لوحة كبيرة نقشت عليها صورته, أطفال القرية وتلاميذ المدارس بكوه كما الكبار بمسيرات يومية إلي منزله يرددون فيها شعارات منددة بالإرهاب والإخوان,20 ألف شخص من القرية ومن القري المجاورة ودعوا شهيدهم البطل في جنازة شعبية ضخمة حضرها الناس وغاب عنها القيادات التنفيذية. بالقرب من منزل الشهيد احتشد المعزون في صفين طويلين بشارع ضيق جلوسا يستمعون إلي القرآن, وفي المنزل كنا نسمع نحيب الأب المصدوم ونشيج الأم المكلومة, بينما كانت طفلته فاطمة الزهراء ذات الثلاث سنوات ونصف السنة تلعب مع أقرانها في الشارع ولا تدري أن القتلة كتبوا عليها أن تظل طوال عمرها يتيمة هي وأختها الرضيعة جنا ذات الوجه الملائكي الرقراق. إلقتينا أشقاء عمرو الذي يعد الأصغر بين سبعة بينهم ثلاث فتيات أبناء الحاج حسن علي أحمد وظيفته بناء وعامل محارة أفني عمره في تربية أبنائه علي الحب والوطنية والاستقامة, لكن الرجل لم يتحمل فراق عمرو فابيضت عيناه وذهب بصره إلا قليلا. لماذا قتلوه ؟ عندما اقتربنا لنعزيه انهمر في البكاء المتواصل وعندما هدأ بعض الشيء قال: لماذا قتلوا إبني ومن سيعيده, هو إيه اللي بيحصل أنا مش عارف ؟ لكنه يزداد ألمه عندما يتحدث عن المستشفي الذي نقل إليه إبنه بعد التفجير وكان لا يزال علي قيد الحياة, بقي في العمليات حتي الساعة11 من صباح اليوم التالي ولم يفدهم أحد بشيء. ولم يساعدهم أحد هناك لعمل الإسعافات الضرورية والعاجلة حيث كانت غرفة العناية المركزة أشبه بحظيرة مواشي, ولم تكن هناك عربة مجهزة في المنصورة التي يقولون عنها قلعة الطب فاستعاروا واحدة من المحلة. تنتاب الحاج حسن نوبة غضب وغيظ شديدة أثناء الكلام ثم ينتفض قائلا: والله من سيقول لي أنا إخوان سأشنقه قصاصا لإبني, أريد حق إبني ولا أطمع في الدنيا بعده. كان عمرو حاملا هم والده ويشتري له الدواء وكان أبوه لا ينام إلا بعد عودته ليلا من وظيفته في غرفة عمليات المباحث الجنائية بالمنصورة ويطمئن عليه. الشهيد كان لديه طموح كبير فهو أمين شرطة ورتبته أمين أول, وكلف بحراسة محسن السكري المتهم في قضية سوزان تميم لقدراته وثقة رؤسائه فيه, ليس هذا فحسب بل كان عمرو يدرس في الجامعة المفتوحة كلية الحقوق جامعة بنها في السنة الثانية وكان يستعد للامتحانات خلال أيام حيث كان يخطط لأن يكون ضابطا. أم ثكلي أما والدة الشهيد السيدة أم عطية فهي طريحة الفراش ولم تستطع الجلوس تحيط بها بناتها ونساء القرية لمواساتها, لكنها في حالة يرثي لها من الحسرة والذهول, هل حقا مات عمرو ؟ تقول: أخلاقه من أحسن ما يكون وكان خدوما بارا بي وبوالده ومؤدبا, إذا طلبنا منه أي شيء يعمله علي طول, كان دائم السؤال علي ويعمل ما يريحني ويريح بالي, مضيفة أنه قبل سفره للعمل كان يسألها مش عاوزة حاجة فتجيبه: ترجع بألف سلامة لكنه سافر يوم الإثنين ولم يعد سالما, وكانت آخر كلماتها لنا الحمد لله علي كل حال. أما السيدة ولاء حسن زوجة الشهيد عمرو وإبنة خالته والتي لم يمر علي زواجها منه أربع سنوات ونصف السنة تقريبا فلم تجد الكلمات التي ترثي بها زوجها وحبيبها سوي كلمة أنه رجل وخلوق بكل معني الرجولة والأخلاق الفاضلة. تقول أم فاطمة: في الأيام الأخيرة كان عمرو حزينا علي حال شباب مصر وغاضبا من الإرهاب ومن ترويع الآمنين, في كل حادثة إرهابية كانت حالته صعبة ومكتئبا, ويقول هنموت زي دول واحد ورا الثاني, وكان يدعو لنفسه بالشهادة أكثر من مرة ويتوقعها. كان نفسه مصر حالها ينصلح وتقضي علي الإرهاب. وتضيف زوجة الشهيد: آخر مرة لم يودعني فيها قبل ذهابه إلي الشغل صباحا وهي أول مرة يفعل ذلك منذ زواجنا, قال لي خليكي نايمة وأنا هعمل الفطار لأني كنت تعبانة من السهر مع بنتنا المريضة. السيدة ولاء ليس لها إلا طلب واحد رجت أن ننقله بكبرياء وعزة إلي المسئولين في الدولة, تقول: بعد استشهاد زوجي لا أطلب إحسانا من أحد أريد وظيفة أصرف منها علي طفليته, أنا جامعية وحاصلة علي بكالوريوس اقتصاد منزلي, أشتغل وأربي ولاده وهو كان يتمني لي أن أعمل وهذا حقنا وحرصا علي أطفالنا وتكريما للشهيد. وحول رأيها في الحادث الإرهابي تقول ولاء: أريد من الدولة أن تتحرك وتأخذ حق زوجي, هل ينتظرون حتي يمروا علينا في البيوت ويقتلونا, لم نر أي خطوة عملية لوقف نزيف دم المصريين, هل معقول مش عارفين يوصلوا للمجرمين, أم عارفينهم ومش قادرين عليهم. أنا لا أجد مبررا لسكوتهم.