منذ سنوات ومصر تعاني من انتشار العشوائيات, وبما تحمله من أمراض اجتماعية واقتصادية, فرضت علي الدولة أعباء اقتصادية وخدمية لقاطني تلك المناطق. وهناك بارقة أمل تقدمها الفنون التشكيلية بالتعاون مع مؤسسات الدولة لسكان تلك المناطق, حيث انطلقت تجربة تحويل المتاحف الفنية الموجودة في محيط الأماكن الفقيرة إلي مراكز تنويرية واقتصادية تساهم في توعية الشباب وتوفير فرص عمل لهم من الحرف التقليدية.. لذا نستعرض في هذا الموضوع تجارب وخبرات الجمعيات الأهلية والمسئولين عن كيفية تسخير تلك المراكز التنويرية في خدمة ورقي الأحياء الشعبية!! في البداية تقول الدكتورة سهير عثمان الأستاذة بكلية الفنون التطبيقية بأن ظاهرة انتشار الأماكن العشوائية الفقيرة تهدد المجتمع بما يعقبها اجتماعيآ من ظواهر دخيلة أخري كالجرائم والعنف والإدمان واقتصاديآ تعطيل طاقات الطلائع والشباب القادرة علي الإنتاج, ولكن هناك العديد من الأفكار لتحويل تلك الطاقات إلي طاقات إنتاجية وذلك بتدريبهم علي بعض المجالات العديدة الحرفية الفنية كمجال طباعة المنسوجات ومجال صناعة الملابس الجاهزة ومجال صناعة الحلي والطرق علي النحاس و المعادن ومجال الزجاج, وكل هذه المجالات يمكن تعليمها للشباب والأطفال بأبسط الخامات وبأبسط الطرق حيث إن إقامة هذه الورش لاتحتاج أجهزة أو ماكينات أو معدات ثقيلة, وقد كلفني الفنان محمد صبحي بعمل دراسة فنية واقتصادية لمشروع خيري في مدينة سنبل التي انشأها بطريق مصر اسكندرية الصحراوي حيث سيتم جمع اطفال الشوارع والعاطلين واقامة ورش تعليمية لهم للمشروعات الصغيرة مثل الكليم والزجاج وطباعة المنسوجات حتي يتمكنوا من اعالة انفسهم وخدمة المجتمع وسنبدأ في تنفيذه قريبا. ومن جهته يري الفنان عزالدين نجيب- رئيس جمعية أصالة- إن الحرف التقليدية تمثل المنقذ لو تم الاهتمام بها فهي تمثل دخل اساسي لآلاف الأسر, ولكنها للأسف تعاني من الإهمال منذ20 عاما بسبب عدم اهتمام الدولة باستيراد المواد الخام ودعم الحرفيين ورعايتهم, وهناك تجربة عملية وهي جمعية أصالة التي دربت آلاف الحرفيين وسوقت منتجاتهم, ولكن بعد ثورة يناير وتدهور السياحة انكمش سوق العمل لعدم وجود مستهلك, بالإضافة إلي أن مراكز الخزف انتقلت من الغوري إلي الفسطاط وأصبحت تحت إشراف صندوق التنمية الثقافية الذي أعطي الإشراف لمؤسسة تشارلز للفنون الإسلامية التي اشترطت ان يأتي مدربون من لندن لتدريب الحرفيين علي الفن الإسلامي وهذا تصرف غريب وغامض وكثيرا ما طالبت عن كشف النقاب عن هذه الصفقة, وقد تقدمت من خلال جمعية أصالة بمشروع لتأسيس هيئة قومية بأسم المجلس الأعلي للحرف التقليدية يرأسها هيئة من الأمناء والخبراء وتكون تابعة إلي مجلس الوزراء هدفها تمويل مشروعات الحرف وتدريب أجيال جديدة وإتاحة فرص عمل وضخ دخل قومي من خلال تسويق المنتجات في داخل مصر وخارجها, وقد تقدمت بهذا المشروع في وزارة الدكتور عصام شرف وقد اهتم به كثيرا ولكن بعد خروجه ضاع المشروع, وتقدمت به ثانيا في الوزارة الحالية وقد رحب به الدكتور صابر عرب وزير الثقافة الحالي ولكنه يجد ان الظروف الحالية غير مناسبة لتنفيذه يقول الدكتور صلاح المليجي رئيس قطاع الفنون التشكيلية: منذ تولي القطاع وأنا اسعي الي دعم الحرف الفنية وخاصة في المناطق الشعبية والتي من خلالها نستطيع مواجهة كثير من السلبيات, وتسعي مراكز الفنون التابعة للقطاع للقيام بهذا الدور, وقد بدأنا في شهر مارس الماضي في تطوير متحف الفنان راتب صديق احد فناني جماعة الفن والحياة والواقع في منطقة شعبية بالجيزة تدعي الكنيسة وهي تقع بعد المنيب والمتحف عبارة عن منزل الفنان الذي تبرع به لقطاع الفنون عام1993 وظل مغلق طوال هذه الفترة, وقد أصبح في حالة يرثي لها نتيجة رمي القمامة به ولجوء أطفال الشوارع إليه لتعاطي الممنوعات, والمنزل عبارة عن مبني صغير يتوسط قطعة أرض مساحتها حوالي4200 متر مربع, ويتم حاليا ترميم المنزل مع الحفاظ علي شكله المعماري بالإضافة إلي بناء سبعة مبان جديدة في الأرض المحيطة لعمل ورش متنوعة في جميع مجالات الفنون وكذلك مركز بحوث ومكتبة للأطفال وقاعة عرض ومسرح مكشوف بالاضافة الي مخزنين, ويضيف المليجي سيتم افتتاح المتحف في فبراير القادم وان شاءالله وسيكون مركزا ثقافيا وتعليميا لخدمة أهالي الحي حيث سيتم تعليم الأطفال والشباب مجانا الحرف الفنية المختلفة. يحكي الفنان محمد مندور الذي يعتبر واحدا من أشهر فناني الخزف في مصر عن تجربته الشخصية التي بدأت في منطقة الفواخير بالفسطاط عندما كان يعمل هناك في صناعة الفخار وهو في العاشرة من عمره وتعلم علي أيدي أسطوات الصنعة وكان يهوي عمل تماثيل من الطين, يقول مندور بالصدفة كان النحات محمد حسين هجرس في زيارة للمنطقة عند أحد أصحاب الورش وهناك شاهد أعمالي وأعجب بها وطلب مني زيارته في الاتيليه الخاص به في حلوان حيث أقمنا بعد ذلك مشروع خزف مع الفنانة صفية حلمي, بعد ذلك تم تجنيدي في الجيش وهناك تم تكليفي بإدارة ورشة خزف بأحد السجون وهناك كانت فرصتي الذهبية حيث توفرت لي كل الأدوات والخامات اللازمة لعمل تجارب خزفية وبعد التجنيد عملت في هيئة اليونسكو لمدة6 سنوات لتعليم الأطفال المعاقين ذهنيا وبعدها قررت ان أكون فنانا فقط, واشتركت في كثير من المعارض المحلية والدولية وحصلت علي عدد كبير من الجوائز المحلية والدولية ولولا إتاحة الفرصة لي من البداية في الفسطاط ثم مع الفنان هجرس الذي تبني موهبتي لما وصلت الي كل هذا.