خلف مسجد عمرو بن العاص بمنطقة الفسطاط تتم منذ 55 عاماً محاولات علمية جادة للحفاظ علي الحرف التقليدية المصرية الإسلامية التي بزغت ونمت وازدهرت في أول مدينة إسلامية في أفريقيا وأهم عواصم الدولة الإسلامية لأكثر من قرن ونصف مستمرة في ازدهارها الفني والتجاري وميناء حتي العصر الفاطمي 300ه وقد نفذ هذه الحرف صناع علي درجة عالية من المهارات مازال هناك من يحملها فيعمل المركز علي إحيائها واستمرارها. في عام 1380ه 1958بع د 1360 سنة هجرية من إنشاء مدينة الفسطاط 21ه قام الفنان سعيد الصدر بتشجيع من د. ثروت عكاشة وزير الثقافة آنذاك بإنشاء مركز الخزف في منطقة الفسطاط في موقع خلف مسجد عمرو بن العاص وحصن بابليون ومقابر الروم الأرثوذكس وذلك علي مساحة لا تزيد علي 200م مربع بهدف الحفاظ علي حرفة الفخار وتنمية المهارات الفنية لحرفييها وخاصة أن المنطقة علي مقربة من مناطق مجموعة الفواخير في منطقة مصر القديمة في مناطق بطن البقرة وكوم غراب. كان المركز في بدايته مكوناً من حجرتين صغيرتين للأفران ومساحة مكشوفة وأخري مسقوفة بألواح من الخشب. واستمر يؤدي دوره لمدة 37 سنة حين قررت وزارة الثقافة في عام 1995 تطويره وإعادة بنائه علي مساحة تزيد علي عشرة أضعاف مساحته ليصبح 2400م وقام المصمم المعماري جمال عامر بوضع تصميمه الذي راعي فيه التفاعل مع البيئة المحيطة من قباب ومآذن المساجد وأبراج الكنائس، وهو عبارة عن دور واحد في أقصي جنوبه صف من ورش الخزف التي دعمت بآلات حديثة وأمامها مكاتب الفنانين القائمين بعمليات التجميل والرسومات الفنية الخاصة وفي أقصي غربه يوجد معرض للمنتجات وصالة تعرض الخزف تحيط بحديقة مفتوحة للسماء علي نمط العمارة الإسلامية. افتتح المبني الجديد في عام 2001 ووضع أساس مبني جديد للحرف التقليدية مجاور له علي مساحة 4 آلاف متر مربع، والذي افتتح عام 2005 وهو عبارة عن مجموعة غرف تضم الحرف البيئية المختلفة مثل مشغولات النحاس والخيامية والزجاج المعشق والنجارة والحلي وقد نقلت له الحرف التقليدية التي كانت تنفذ في وكالة الغوري بمنطقة الأزهر عندما بدأت عمليات ترميم الوكالة ولإبعاد بعض الحرف الخطيرة عن الضرر بالمبني الأثري خاصة الطلاء المعدني بالنحاس والذي يحتاج إلي استخدام الحرارة، وتوفير مكان آمن لذلك في فضاء المركز. ويتسع المجال لإضافة مساحة جديدة موجودة حالياً تقارب 3 آلاف متر لبناء مبني جديد لباقي الحرف التقليدية ومنها النسيج والسجاد ومتحف للفنان سعيد الصدر تعرض فيه أعماله ومقتنياته فتقارب مساحة المركز 10 آلاف متر مربع. وقد جاء اختيار موقع الفسطاط أيضا لكونها أول مدينة إسلامية في مصر وأفريقيا والتي تثبت حفائرها أنها كانت أكبر مدينة للثقافة والحرف الصناعية خاصة خزف الفسطاط والذي أظهرت الحفائر نماذج له من تطورات هذا الفن في الشرق الأدني في إيران والعراق. وأهم ما في أنواع خزف الفسطاط النوع ذو البريق المعدني وهو نوع من الخزف الإسلامي الذي أبدع فيه الفنان لطلاء الأواني الخزفية بطلاء بطبقة من النحاس تعطي للأواني الجمال والفخامة المقاربة لتأثير الذهب الذي حرمه الدين الإسلامي وقد وجدت قطع مطلية بالألوان البرتقالي والذهبي وقد تأثر الخزف بالفن العراقي الذي وصل مصر في زمن الدولة الطولونية ووصل الخزف لأرقي صوره في العصر الفاطمي ثم المملوكي ثم تدهورت صناعة الخزف في العهد العثماني عندما تم نقل الحرفيين إلي الأستانة. وقد جاء إنشاء مركز الحرف التقليدية أيضاً إدراكاً بأن فنونه اعتمدت علي الإبداع الفطري للفنان المصري الشعبي وأنها تمثل الإبداع الجماعي للشعوب والذي يضم مجمل مواريث حضاراتها والمعتقدات والعادات والتقاليد والأخلاق وأن الحفاظ عليه هو تأكيد علي الهوية المصرية. المركز يتبع صندوق التنمية الثقافية وهو الصندوق الذي أنشأته وزارة الثقافة في منتصف الثمانينات بهدف دعم الفنون المختلفة، ويتعاون معه في المركز مدرسة الأمير تشارلز "ولي عهد انجلتر" وهي مؤسسة دولية تهتم بالفنوب الإسلامية وفنون الشرق الأوسط وقد ساهمت في البداية بتوفير فنانين متخصصين في الفنون الإسلامية من جنسيات مختلفة منهم مصريون لتدريب العاملين ورفع كفاءتهم في دورة لمدة عامين وتطور المركز حالياً بتنظيم مدرسة للفنون الإسلامية تقبل الدارسين من خريجي كلية الفنون الجميلة ومن تخصصات أخري وحرفيين تقليديين للدراسة لمدة عامين يحصلون بعدها علي دبلوم الفنون الإسلامية ويدرسون حالياً أربع حرف هي الخزف والخشب المعشق والنحاس والتطعيم بالقشرة والصدف ويتخصصون في العام الثاني في حرفتين ويختارون حرفة لتقديم مشروع التخرج النهائي وتم تخرج أول دفعة في يوليو 2011. في المركز حالياً 13 حرفة ويعمل به موظفون ثابتون من الفنانين المتخصصين ويقوم صندوق التنمية الثقافية بتوفير الخامات الأساسية ويتم تسويق المنتجات في معارض ثابتة منها اثنان في شارع المعز لدين الله أحدهما في سبيل كتخدا والآخر في زاوية الفجل وهناك معرض دائم في وكالة الغوري والإنتاج يلقي إقبالاً كبيراً من المصريين والسياح علي اختلاف جنسياتهم لما فيه من كل الفنون الشعبية المصرية من فرعوني وقبطي وإسلامي وبدوي وحديث. ويري عبد الحكيم سيد عبد الحكيم مدير المركز أن الاهتمام بالحرف التقليدية علي اختلاف أنواعها ممكن أن يحقق دخلاً كبيراً لمصر، خاصة أننا ننظم سنوياً بالتعاون مع هيئة قصور الثقافة ملتقي للفخار يشارك فيه فنانون مصريون وأجانب ويقام في كل عام في محافظة مختلفة لرفع كفاءة الحرفيين بها وإطلاعهم علي التطورات العالمية وقد شملت المحافظات الصعيد وبحري، كما يقوم المركز بتدريب دارسين تابعين لجمعيات أهلية ونستضيف طلبة كلية الفنون التطبيقية لتنفيذ مشروعاتهم للتخرج. ويؤكد أن الأسعار أقل من كل ما في السوق مع الجودة التي شهد بها الجميع لأن ليس هدفنا الربح قدر اهتمامنا بالحفاظ علي هذه الصناعات وتطويرها وتدريب حرفيين متميزين يعملون بها ويحققون لها الازدهار والانتشار والبقاء. ومن أهم الحرف الموجودة في المركز : - النحاس الذي يستخدم في مصر علي مر عصورها لصناعة القناديل والأدوات المنزلية.. وأهم أقسامه الطرق علي النحاس والحفر عليه بنقوش زخرفية والتطعيم بالفضة وتفريغ الأشكال الهندسية الإسلامية. الزجاج المعشق.. بعمل رسومات هندسية مفرغة وإضافة الزجاج الملون لها وهو موروث من العصر الفاطمي والأيوبي والمملوكي والعثماني. - الخيامية.. وهي حرفة تعود للعصر الفرعوني واستمرت علي مر العصور وازدهرت في العصر الفاطمي ومستمرة حتي الآن لصناعة الخيام والسرادقات وكساوي الأضرحة، فضلاً عن الستائر والمفارش. النجارة.. ومنها الخرط اليدوي لعمل المشربيات والأثاث وهي صناعة موجودة من العصر القبطي لارتباطها بالكنائس واستمرت في العصر الإسلامي في عمارة المساجد. - التطعيم بالصدف.. بتطعيم المنتجات الخشبية بالصدف لتجميلها وهو فن فرعوني قديم استمر في العصر القبطي ثم الإسلامي. الحفر علي الخشب.. بتنفيذ لوحات فنية محفورة علي الخشب. - الحلي.. وهي فنون فرعونية استمر عبر العصور ونقدم فيها حالياً كل أنواع التراث فرعوني وقبطي وإسلامي وشعبي وبدوي وحديث، مع إضافة أحجار كريمة من فيروز ومرجان ولؤلؤ ونحاس.