تنوعت آراء الفلاسفة والفنانين ما بين الاهتمام بالجمال الموجود في الطبيعة( حديقة طبيعية جميلة مثلا) والجمال الموجود في الفن( حديقة جميلة في لوحة مثلا) وأكد كثيرون أن الفارق الأساسي بين الجمال الطبيعي والجمال الفني هو تلك القصدية الجمالية من جانب الفنان, فالجمال الفني ينتجه الفنان بقصدية جمالية معينة توجد لدي الإنسان فقط, ولا توجد في الطبيعة أو لدي الحيوان, وقد كان كانط يقول إن الجمال الطبيعي شيء جميل, في حين أن الجمال الفني تصوير جميل لشيء جميل. وبالنسبة ل' كلايفبل' الفن شكال دال, ولدي هربرت ريد: محاولة لابتكار أشكال سارة تقوم بإشباع إحساسنا بالجمال, وقد كان جومبريتش يقول إن جمال العمل الفني لا يكمن في جمال مفهومه, بل في جمال التعبير عنه, في جمال شكله وأسلوبه. و قد تعددت تفسيرات' الجمال' بتعدد المنطلقات والرؤي الفلسفية والنقدية والإبداعية والعلمية التي حاولت الاقتراب منه, لكنها كانت كلما ازدادت منه قربا, كلما ازداد عنها بعدا وتركها حائرة في متاهته الكبيرة الملغزة المشتتة للألباب, هكذا قال السوفسطائيون( نهاية القرن السادس وبداية القرن الخامس الميلاديين) إنه لا يوجد شيء جميل بطبعه, بل يتوقف الأمر علي الظروف وعلي أهواء الناس, فالإنسان مقياس كل شيء كما كان بروتاجوراس يقول. أما فيثاغورث فحاول, ومعه أتباعه, أن يضع أسسا أكثر تحديدا للجمال, فقال إنه يقوم علي أساس النظام والتماثل والسيمترية والانسجام, وربط سقراط الجمال بالخبرة, واعتبر أفلاطون صورة عقلية مثل صور الحق والخير والوجود, وقال أرسطو بوجود مكونات ثلاثة له هي: الكلية, والتآلف, والنقاء المشع و ربط أفلوطين, خلال حديثه عن الفيض, بين الفن والدين وبين الجمال والخير, وأكد أهمية التناسب ووحدة الأجزاء داخل الكل في نوع من التجسيد و الترديد للمبدأ الفرعوني والهرمي القديم حول' الكل في واحد' وهو المبدأ الذي ستردد اصداءه بعد ذلك بتنويعات مختلفة في الأدب والفن. وقد رأي القديس أوغسطين(354-430) أن الجمال يوجد في تناسق الأجزاء وفي لونها المناسب, وقال القديس توما الأكويني(1224-1274) إن الجميل' هو ذلك الذي لدي رؤيته يسر', وإن منبع السرور قد يكون التأمل للجميل عن طريق الحواس أو التفكير فيه عن طريق العقل, وعلي الرغم من محدودية هذا التعريف لأنه ربط الخبرة الجمالية بالرؤية البصرية فقط, إلا أنني أعتقد أن الكلمة الأساسية في تعريف الأكويني هذا للجمال هي' يسر' فالجمال' يسر الحواس ويمتع العقل', ومن امتزاج البهجة الحسية بالمتعة العقلية تتشكل الخبرة الاستطيقية الجمالية, إنها متعة تأمل الجميل والاستمتاع به ومن خلاله والتفكير فيه والتهويم حوله. وقد مهدت هذه الفكرة ذاتها لظهور علم الجمال الحديث كما نعرفه اليوم وكما ابتكر الفيلسوف' جوتيلب بومجارتن'(17621714) اسمه خلال القرن الثامن عشر. ونظر كانط إلي النشاط الجمالي باعتباره نوعا من اللعب الحر للخيال العبقري, وأكد تجرد الحكم الجمالي من الهوي أو الغرض النفعي, وأرجع هيجل الجمال إلي اتحاد الفكرة بمظهرها الحسي, ونظر شوبنهور إليه علي أنه محرر للعقل, يسمو بنا إلي لحظة تعلو علي قيود الرغبة, وتتجاوز حدود الإشباع العادية, وحيث من خلال الفن تجد الإرادة الإنسانية التي لا تهدأ ولا يقر لها قرار, حالة مؤقتة من الهدوء.كذلك قارن أديسون(1672-1719) بين مسرات الجمال( الصافية) ومسرات الحواس( الجياشة) ومسرات الفهم والتأمل( الهادئة)ونظر أوسكار وايلد إلي الفن باعتباره إبداعا للجمال في ذاته و اعتبر الجمال نوعا من العبقرية, وأرقي منها, وحقيقة من حقائق العالم,. نتيجة لأسباب اجتماعية وأخلاقية ودينية حدث نوع من الاختزال لمفهوم الجمال, وكذلك للإحساسات الجمالية المرتبطة به, بحيث اقتصر هذا المفهوم وهذه الإحساسات علي مجال الفن فقط, ثم تم اختزال الفن أيضا فاستبعد منه العنصر التشبيهي الخاص بالمحاكاة أو التمثيل بالنسبة للجمال الطبيعي عموما والبشري خصوصا, ثم استبعد منه أيضا العنصر التعبيري الخاص بالانفعالات, وتم الإبقاء علي العنصر الذهني, أو التجريدي, أو الهندسي, أو الفكري فقط منه, ومن ثم أصبح الفن نوعا من النمطية, أو التكرار الآلي لموتيفات لا تتجدد, وسطوح لا تزدهر بالحياة أو الحركة. كان الكلاسيكيون ينظرون للجمال باعتباره جوهر الواقع والتحقق الكامل للشكل ونظر الرومانتيكيون إليه باعتباره تجليا للإرادة والشعور اللذان يتجددان في كل مرة نقوم خلالها بمشاهدة الجمال, أما الطبيعيون فاكتشفوه في التوافق البارع مع الطبيعة, واعتبره الواقعيون موجودا في الموضوع الجمالي نفسه وفي الوعي الذي يدرك هذا الموضوع أيضا. النظرة العلمية الآن وجهة تنظر إلي علم الجمالعلي أنه علم' بيني'Interdisciplinary تقوم من خلاله فروع معرفية عديدة كالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع والفسيولوجيا والتربية وتاريخ الفن بل وعلوم البيئة وغيرها, كل بطريقته ومناهجه ومفاهيمه الخاصة, بدراسة تلك المنطقة المشتركة المتعلقة بالخبرة أو الاستجابة الجمالية, بكل ما تشتمل عليه هذه الخبرة أو الاستجابة من جوانب حسية وإدراكية وانفعالية ومعرفية واجتماعية. فلم لم تعد هناك, الآن وهنا, في الثقافة الحديثة هذه النظرة المنفصلة للفنون, بل التكاملية لها, فنحن هنا نعيش الأبد في ظل هذه الثقافة البصرية التي تتعلق بأحداث بصرية يبحث خلالها المستهلك عن المعلومات والمعني والمتعة بواسطة التكنولوجيا البصرية, وحيث أصبحت أجهزة التليفزيون والكمبيوتر والإنترنت تقدم معارض حقيقية ومعارض افتراضية, وأصبحت تقنيات الفوتوشوب قادرة علي التلاعب بالفنون والصور وتركيبها بأشكال لم يتخيلها الإنسان من قبل. وكما تشير' إيريت روجوف' فإن' علم الثقافة البصرية' علم يشتمل علي ما هو أكثر من مجرد الدراسة للصور, إنه علم يهتم بالتركيز علي مركزية الرؤية البصرية وكذلك أهمية العالم البصري في إنتاج المعني وفي التأسيس لقيم جمالية جديدة والإبقاء عليها أو تغييرها, وفي الاهتمام بالصور النمطية والجامدة حول النوع وحول الآخر, وحول علاقات القوة داخل الثقافة وبين الثقافة الواحدة والثقافات الأخر, هكذا تجاوز الفن معناه التقليدي المرتبط بالمتعة الجمالية المؤقتة ليصبح علما يتجاوز المعني التقليدي المعروف لعلم الجمال, علما يلعب أدوارا تعليمية وسياسية وثقافية وتكنولوجية وتجارية كثيرة ومتنوعة في حياتنا, ومع عالم اللوحات والموسيقي والصور والتماثيل دخلت الخرائط والرسوم التوضيحية والكباري والرسوم المتحركة وأفلام السينما والأنظمة المعرفية والموسيقي والرموز والجماليات الافتراضية, ووصل الأمر بأحد مفكري الثقافة البصرية البارزين أمثال نيكولاس ميرزويف إلي أن يقول إن الثقافة البصرية لم تعد تمثل جانبا فقط من حياتنا اليومية, بل أصبحت هي حياتنا اليومية, وترتبط الثقافة البصرية بثقافة ما بعد الحداثة, وقد كان الولع بالنتاجات البصرية وتأثيراتها وبثقافة الاستهلاك وفنون الإعلان والترفيه والذي كان الملمح الأساسي المميز لثقافة الحداثة هو الذي أسرع بولادة ثقافة ما بعد الحداثة والتي هي, في جوهرها, ثقافة حدث ما يحدث أمامنا وحولنا الآن, ولم يكتمل بعد كما قال ليوتار وذلك لأن اكتماله مؤجل أو مرجأ أو ربما غير موجود كما أشار دريدا. هنا أصبح المستحيل مختلفا, في ظل شيء يمكن تحقيقه في التو واللحظة من خلال أجهزة الكمبيوتر والإنترنت والميديا الرقمية وأجهزة الواقع الافتراضي وكاميراته وألعابه وحروب الصور التي أشار إليها بودريار. أما ما حدث في بلادنا, فذلك موضوع آخر, حيث لم تتطور الفنون ولا علوم الجمال, لدينا, ولأسباب دينية وثقافية وتاريخية واستعمارية وتعليمية متعددة, بالطريقة التي تطورت بها في الغرب, أو حتي في الشرق البعيد. لمزيد من مقالات د.شاكر عبد الحميد