أثيرت في الشهور الأخيرة مسألة التغيير المقبل في خريطة المصالح والتحالفات والقوة والنفوذ في منطقة الشرق الأوسط. وجاءت الطاقة( البترول والغاز) من أبرز العناصرالمؤثرة في إعادة رسم ملامح الشرق الأوسط في المرحلة المقبلة. وكان العالم قد شهد في عام2013 حزمة من التطورات والتحولات التي أحدثت منعطفات مفصلية في القضايا والملفات الإقتصادية الدولية خاصة تلك المتعلقة بشئون قطاع الطاقة. البترول الصخري لقد شكلت الطفرة الهائلة في إنتاج البترول والغاز الصخري بأمريكا الشمالية وظهوره في أستراليا منعطفا جديدا جذب اهتمام العالم. فوفقا للتقارير الدولية هناك توقع بأن تتربع الولاياتالمتحدةالأمريكية علي قمة الدول المنتجة للبترول في غضون أربعة أعوام. ولكن الأكثر أهمية كانت تلك الإشارات والتحليلات المصاحبة التي تناولت أثر الاكتشافات المتوقعة والجديدة علي مستقبل منطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام المقبلة في ضوء التغيرات التي ستطرأ علي خريطة مصادر الطاقة علي مستوي العالم. سيناريوهات ولقد ظلت الجغرافيا السياسية للبترول ثابتة بشكل ملحوظ علي مدي العقود الأربعة الماضية منذ الثورة الإيرانية في نهاية السبعينيات. فالولاياتالمتحدة عليها إستيراد بترول أكثر من أي وقت مضي لتلبية الطلب المتزايد باستمرار, مما زاد من شأن منطقة الشرق الأوسط ومن أثرها علي السياسة الأمريكية. فتلبية للطلب ظلت الولاياتالمتحدة ملتزمة بالحفاظ علي أمن الخليج, ودعم السعودية حليفتها ضد إيران. وإعتمد النظام القائم علي ثلاث سمات رئيسية: الدورالمهيمن لبترول الشرق الأوسط بالنسبة للغرب, وخطوط الصدع بين السعودية السنية وإيران الشيعية بالإضافة للعداء الإيراني للولايات المتحدة. ولكن يبدو أن وقت تغيير هذا النظام قد حان. (1) هناك من ذهب إلي أن الولاياتالمتحدة إذا ما تحققت آمالها البترولية في غضون أربع سنوات قد تكون أقل إهتماما بدورها العسكري العالمي الذي تقوم به حاليا. وسيكون الشرق الأوسط هو أول من سيتأثر بإنسحابها عسكريا. فالإنفاق علي تحريك الأساطيل والقوات لحماية المناطق البترولية في الشرق الأوسط مستمر وهو ما يثقل كاهل دافع الضرائب والخزانة في الولاياتالمتحدة. ومنذ عامين تخطت واردات الصين البترولية من الخليج نظيرتها الأمريكية وهو ما سرب شعورا لدي واشنطن ولدي الرأي العام الأمريكي بأن القوات والأموال الأمريكية أصبحت تحمي واردات الصين البترولية! ولكن الخبراء أيدوا بقاء الولاياتالمتحدة في الخليج لأن المصالح الأمريكية في المنطقة تعدت البترول. فالشرق الأوسط أصبح مهما لدي واشنطن في إطار جهودها الرامية لإحتواء الإنتشار النووي وأسلحة الدمار الشامل, والتطرف الديني وحماية إسرائيل. وإذا كانت أهمية بترول المنطقة تتجه إلي التراجع في قائمة أولويات واشنطن فإن أهميته لحلفاء واشنطن الآسيويين مازالت قائمة وأي تغير بالزيادة في السعر أو بالنقص في الإمدادات سيلحق ضررا بالغا باقتصاديات الدول الآسيوية التي تمثل أسواقا حيوية للاقتصاد الأمريكي. أما فيما يتعلق بكبري الدول المنتجة للبترول مثل السعودية والكويت فقد أشارت التقديرات إلي عدم تأثرها علي المدي القصير أو المتوسط لأن السوق الآسيوية مازالت مفتوحة حيث تستوعب ما يقدر ب70% من إنتاج البترول في تلك الدول. أما الدول الأقل إنتاجية في الشرق الأوسط فإنها ستواجه مشكلات تتعلق بتراجع إيراداتها مما قد ينعكس علي الأوضاع الداخلية فيها فتنشب بها صراعات علي السلطة أو ثورات. وعلي المدي الطويل فإن الزيادة المتوقعة في الطلب المستقبلي علي موارد الطاقة بمختلف أشكالها سيسمح للشرق الأوسط بأن يستحوذ علي دوره البترولي الرئيسي خلال الفترة بين عامي2020 و2030 وذلك في ظل زيادة الطلب الآسيوي. (2) أما السيناريو الثاني فيقول إن الشرق الأوسط ستتزايد قدراته التصديرية من الغاز الطبيعي. والعراق البترولي سيظل في حالة غير مستقرة نتيجة الصراع السني الشيعي الذي يعرقل المحاولات المستمرة لتحقيق الاستقرار اللازم للعودة بمستوي الإنتاج لما كان عليه. وسيفاقم عدم الاستقرار والصراع الطائفي السني الشيعي في سوريا من عدم إستقرار العراق في ظل التحركات الإيرانية الشيعية بالمنطقة. وفيما يتعلق بالبعد الكردي فإن أكراد أربيل في شمال العراق يميلون إلي التعامل مع تركيا في مجال تصدير البترول عبر الموانئ المطلة علي البحر المتوسط. أما الخليج العربي فإن الحرب تمثل أكبر تهديد لاستقراره خاصة أن المسألة النووية الإيرانية لم يتم حسمها بعد. وهناك توقعات بأن يؤدي نشوب صراع في المنطقة إلي خسائر كبيرة مؤكدة في إيران وبعض دول الخليج. وقد تنشب صراعات صغيرة وصراعات أهلية نتيجة لخلافات سابقة. وبشكل عام سيؤدي أي صراع إلي الإخلال بالأمن الداخلي في أجزاء كبيرة من المنطقة. وسيكون من الصعب التكهن بأسلوب التدخل الخارجي لفرض الاستقرار. أما تركيا فستحاول الإستفادة بشكل كبير من تلك التغيرات وحصد نصيب من الفرص الهائلة المتاحة. فتركيا تعمل تحت غطاء الحماية الأمريكي ومن حلف ناتو, كما ستستفيد من موقعها الجغرافي الواقع بين مناطق إنتاج البترول والغاز في إيران وشمال إيرانوالعراق وشرق البحر المتوسط من جانب والسوق الهائلة لاستيراد البترول والغاز في شرق ووسط وغرب أوروبا من جانب آخر. وهكذا يتضح أن الشرق الأوسط سيظل بؤرة للاهتمام ولصراعات المصالح الدولية الحالية والمستقبلية في العقود المقبلة مما يعني الحاجة إلي وجود آليات جديدة وفعالة لتحقيق تعاون وتماسك قوي حقيقي بين جميع دول المنطقة للحفاظ علي حقوقها وحقوق شعوبها في وجه القوي الخارجية الكبري التي تتكالب علي المنطقة منذ قرون متلاعبة بمقدرات دولها وشعوبها.