تشهد بريطانيا الأن حالة من الجدل حول حق الهجرة إليها من أوروبا الشرقية نتيجة قلق البريطانيين من منافسة هؤلاء المهاجرين لهم في فرص العمل وفي الحصول علي المزايا الاجتماعية التي يتمتع بها البريطانيون منذ زمن بعيد, ويعتبرونها نتيجة لما بذلوه من جهد في بناء دولة متقدمة. بعض المراقبين يرون أن هذا الاتجاه قد يكون مدفوعا بتغير الأوضاع الاقتصادية في بريطانيا مثلما هي الحال بدرجة أخري في دول أوروبية غيرها نتيجة الأزمات المالية وزيادة مطالب المواطنين من الحكومة بإتخاذ سياسات تحقق العدالة الإجتماعية خاصة للطبقات الوسطي والفقيرة, وكذلك بسبب ظهور قوي دولية منافسة في السوق العالمية خاصة في آسيا وأمريكا اللاتينية نهضت بمعدلات تنمية كبيرة. وكل هذا ربما يكون دافعا للضغط علي الحكومة البريطانية لإغلاق أبواب الهجرة وبالتالي التضييق علي المهاجرين من حيث الحصول علي مزايا إجتماعية من معاشات ورعاية صحية وفوائد السكن وغيرها. والسؤال الذي يطرح نفسه الأن هل تستطيع حكومة المحافظين البريطانية الإستجابة للرأي العام والتصدي لمشكلة المهاجرين؟, علي الرغم من الصعوبات التي تواجهها ومن أهمها دفع الاتحاد الأوروبي لتعديل القوانين التي تنظم مسألة الهجرة في كل دول الإتحاد. وكان ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني قد هدد مؤخرا بأنه سوف يفرض قيودا علي حق الهجرة من دول الإتحاد الأوروبي إلي بريطانيا وذلك إستجابة لضغوط سياسية متزايدة عليه خاصة في ظل تزايد أعداد المهاجرين القادمين من رومانياوبلغاريا. وفي أول رد فعل لتهديد كاميرون من جانب الإتحاد الأوروبي صرح المفوض السامي للعمالة في الإتحاد بأن ما يسعي كاميرون لتطبيقه غير مناسب. كما إستبعد بعض المحللين أن ينجح كاميرون في تنفيذ خطته نظرا لصعوبة حصوله علي الأغلبية اللازمة داخل الإتحاد لتغيير القوانين الحالية المنظمة للهجرة بين دول الإتحاد. هذا بالإضافة إلي توقع معارضة كبيرة من جانب كثير من الأحزاب الأوروبية في هولندا والدنمارك واليونان والتي تعتبر الاتجاه المعادي للهجرة مخالفا لمبادئها السياسية. ومن جانبها تري دول أوروبا الشرقية وبالأخص بلغارياورومانيا أن مواطنيها عندما هاجروا إلي بريطانيا فإنهم قد إحترموا قوانين الإتحاد الأوروبي التي تنظم هذه الهجرة, بينما الجانب البريطاني يري أن البعض من هؤلاء لم يلتزم بهذه القوانين التي تنظم دخولهم لبريطانيا والحياة فيها, وعلي سبيل المثال فإن كاميرون قد رد علي ذلك بأن أوضح بأن بلاده سوف تقوم بإبعاد المهاجرين الأوروبيين الذين تبين أنهم يأتون إلي بريطانيا ويظهرون بمظهر غير لائق في الشوارع حيث ينامون في الشوارع ويتسولون وهو ما يسبب قلقا متزايدا للرأي العام وللسياسيين. ومن المعروف أن البريطانيين كشعب يشعرون, منذ أيام الأمبراطورية, بالتفوق والتميز حتي بالنسبة للشعوب الأوروبية الأخري, وهو ما قد يبرر إصرارهم في مواقف كثيرة علي أن تكون لهم سياساتهم المتميزة حتي داخل الإتحاد الأوروبي نفسه. وهو أيضا ما يفسر الحساسية الشديدة التي تتعامل بها بريطانيا مع كل ما يؤثر علي هويتها أو تقاليدها, وإعتبارها أن المهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية يمثلون تهديدا لما حاولت الحفاظ عليها طوال العقود الماضية.