المراد بالاستفتاء طلب الرأي والمشورة في أمر يهم الجماعة والمجتمع, وسمي استفتاء لشبهه بالفتوي بين السائل والمفتي, والاستفتاء في الأمور المباحة من أمر الدين والدنيا جائز شرعا, والناس منذ القدم إلي يومنا هذا يسأل بعضهم بعضا, ويستفتي الجاهل العالم, ويسأل من يجهل الأمر من هو أعلم به منه, وما زال الناس علي هذا دون نكير, لأن الأصل في الأشياء الإباحة, ولا تحريم إلا بنص من الشارع, فإذا كان الاستفتاء علي شيء محرم كالاستفتاء علي إباحة الربا أو تحريمه, أو جواز الزنا والشذوذ الجنسي, أو منعه, أو تحليل ما حرم الله, أو عكسه, ونحو ذلك, فهذا حرام لا يجوز, وهو تشريع بما لم يأذن به الله, قال تعالي:( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله...), الشوري:21]. وإذا كان الاستفتاء علي الدستور في جملته, وهو دستور وضعي لا يعتمد الشريعة في مواده وأحكامه, فيجوز الاستفتاء عليه, لأنه عمل بشري دنيوي, وإن كان يعتمد الشريعة في فصوله وأبوابه ومواده, فلا يجوز الاستفتاء عليه حينئذ, لأنه متضمن أحكاما شرعية قطعية واجبا العمل بها, ولا يجوز طرحها للاستفتاء, أما الاستفتاء لاختيار الرئيس أو بعض أعوانه فيجوز ذلك, لأن الأمر يخص الناس, وعليهم التشاور, ومنه الاستفتاء باختيار الأفضل والأمثل, والدليل علي هذا أن عبد الرحمن بن عوف, رضي الله عنه, لما توفي عمر بن الخطاب, رضي الله عنه, بقي يشاور الناس ثلاثة أيام, وكان يشاور النساء العذاري في خدورهن, ثم أخبر أن الناس لا يعدلون بعثمان, رضي الله عنه.( منهاج السنة350/6), وذكر ابن كثير في( البداية والنهاية) أن عبد الرحمن بن عوف, رضي الله عنه, كان بقي ثلاثة أيام يستشير الناس في عثمان وعلي, رضي الله عنهما, حتي خلص إلي النساء المخدرات في حجالهن, وحتي سأل الولدان في المكاتب, وحتي سأل من يرد من الركبان والأعراب إلي المدينة( البداية160/6). وإذا جاز الاستفتاء( التشاور) علي اختيار الحاكم جاز علي عزله من باب أولي. فالمشاركة في الاستفتاءات والانتخابات من مسائل السياسة الشرعية التي مبناها علي فقه المصالح والمفاسد, فمتي غلب خيرها علي شرها رجح دخولها, ومتي غلب شرها خيرها رجح تركها, ومرد هذا الأمر إلي أهل العلم في كل بلد, فإنهم أدري بملابسات بلادهم. وعليه فلا يجوز بحال عند أهل العلم تعريض الأحكام العقدية, والأحكام التعبدية, والأحكام التشريعية, للتصويت,لأن الأمر فيها لله وحده, قال الله تعالي:ولا يشرك في حكمه أحدا.. الكهف:26, وقال تعالي: إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه يوسف:40. وأما القوانين الإدارية, والأحكام التنظيمية التي لا علاقة لها بالتشريع فلا حرج في التصويت عليها لتستقيم حياة الناس وتنصلح مجتمعاتهم.