في صيف عام1990 كان الكاتب الصحفي حلمي النمنم يقوم ببحث في دار الكتب المصرية حول الكتابات التي صدرت عن المرأة قبل ظهور كتاب قاسم أمين تحرير المرأة. وذلك في اطار دراسة موسعة عن مكانة المرأة في العقل العربي إثناء القرن التاسع عشر. وبينما يراجع بحثا للشيخ حمزة فتح الله عن حقوق المرأة في الاسلام وجده يشير في أحد الهوامش الي مقال بجريدة' المؤيد' لكاتبه اسمها زينب فواز عنوانه تقدم المرأة وتدعو اليه ولأن الاسم كان مفاجئا بالنسبة إليه( ولنا أيضا) كذلك عنوان مقالها الذي يعني أنه في عام1892 كان هناك كاتبة تتحدث عن تقدم المرأة لهذا بدأ الباحث وأنا أيضا رحلة التنقيب محاولين فيها الاجابة عن الاسئلة التي ثارت في ذهنينا وأولها بالطبع كانت: من هي زينب فواز؟. المعلومات المتوافرة عنها ليست كافية إضافة إلي أن هناك ثلاث روايات مختلفة حول حياتها تتفق جميعها في النهاية وتختلف حول البداية.. ونرجع الرواية الثالثة لانها أشد تماسكا ومفادها أنها ولدت عام1860 في قرية' تبين' من جبل عامل بالجنوب اللبناني.. وجاءت الي مصر في العاشرة من عمرها مع أسرتها, حيث استقرت في مدينة الاسكندرية التي كانت ملتقي الوافدين الشوام الاتين للتجارة والعمل السياسي والثقافي وكانت مصر تحيا أزهي عصورها والخديوي اسماعيل يعمل في تأسيس مشروعه لجعل مصر قطعة من أوروبا ولم تكن الديون قد تراكمت عليه بعد.. وهكذا وجدت الصبية الشامية وأسرتها مكانا لهم في مصر يستوعب اعمالهم واحلامهم. بدأت زينب فواز في تعلم القراءة والكتابة ثم درست أيضا الانشاء والنحو علي يدي الشيخ محيي الدين البنهاني... وهذا القدر من التعليم لم يكن يتاح للفتيات فلم تكن هناك مدارس نظامية لهن كان تعليمهن يتم بشكل فردي وفي القليل من الأسر والبيوتات الأرستقراطية وغالبا ما كان التعليم لا يتجاوز حدود القراءة والكتابة فقط وبعض المواد النسوية التي تساعدها علي الحياة الزوجية مثل الخياطة والتطريز أي أن ما وجدته زينب فواز كان استثنائيا.. وتلك الراوية تورد بعض صفات زينب فواز جميلة المنظر عذبة المنطق لطيفة المعشر بعيدة عن الادعاء والكبرياء تتجنب الكلفة والمجاملة في أحاديثها وهي من خيرة ربات البيوت علما وتربية واتقانا. انشغلت زينب فواز بالقضايا العامة فقادت المعارك والمناظرات دفاعا عن المرأة ومطالبة بحقوقها وشاركت في القضايا السياسية والفكرية.... فعلي سبيل المثال شاركت الامام محمد عبده في الرد علي مزاعم هانوتو وهجومة علي الاسلام... وحين تعرضت الجزائر الي مجاعة وأزمة اقتصادية كتبت كثيرا تطالب المصريين بالتبرع لإخوانهم وقد كانت من أنصار الزعيم مصطفي كامل وحريصة علي حضور خطبه..' ومما يذكر أن الزعيم غير بداية الخطاب بعد أن كان للرجال فقط ليصبح' سيداتي وسادتي' فبوجودها أصبح حضور المرأة حقيقية وواقعا. نشرت زينب فواز مقالاتها في معظم الصحف التي كانت قائمة في ذلك الوقت ومنها النيل الاستاذ المؤيد أنيس الجليس فرصة الأوقات لسان الحال وتناولت فيها واقع سيدات بسيطات ومعاناتهن وقد كان لديها الجرأة لانتقاد العديد من أوضاع المجتع الخاطئة ولهذا كانت مقالاتها تقدم في الصحف بتبجيل وتقدير شديد فاسمها تسبقه الألقاب الفخمة...' درة الشرق فريدة عصرها حجة النساء'. ورغم أن الكاتبة أرخت لأربعمائة وستة وخمسين امرأة من سيدات الشرق والغرب في كتابها الموسوعي الدر المنثور فانها لم تترك ترجمة شخصية لها.... وقد احتوي كتابها علي تراجم النساء وطبقاتهن علي غرار طبقات الشعراء وطبقات الحكماء) وتقول' لقد جمعت فيه من تراجم شهيرات العرب ومتقدمات الإفرنج وملكات الشرق والغرب... من كل أديبة فاضلة وملكة عاقلة وخطيبة وناثرة'. أصدرت حجة النساء عدة مؤلفات في حياتها وأهمها' الدور المنثور في طبقات ربات الخدور' عن مطبعة بولاق عام1893 ولم يطبع في مصر بعد ذلك كما أصدرت أول رواية بالعربية المعاصرة:( حسن العواقب) أو( غادة الزاهرة) وهي رواية عاطفية تؤكد ان الحب ينتصر في النهاية ويتغلب علي كل المكائد البشرية والضغوط الاجتماعية, وذلك في أغسطس1892 ولكنها كتبت عام1885 وهو ما يعني انها سبقت رواية' زينب' للدكتور هيكل بأكثر من ربع قرن. وفي عام1893 أصدرت رواية' الهوي والوفاء' ثم روايتها الثالث' الملك قورش' وتدور حول تاريخ فارس القديم وملكها قورش. وهنا فإنني أطالب بدراسة نقدية موسعة لهذه الرواية لمحاولة المؤلفة كشف حجب التجاهل والنسيان عن تاريخ ما قبل الإسلام والتي ظلت مسيطرة وسائدة منذ الدولة الأموية وحتي القرن التاسع عشر. وضمن ما أصدرته زينب فواز في حياتها بعض مقالاتها في الرسائل الزينبية والتي صدر منها الجزء الأول وقد تركت عدة مخطوطات لتنشر وفقدت بعد ذلك وأهمها كتاب' مدارك الكمال في تراجم الرجال' وهو ما يقابل كتابها الدر المنثور فإن كان المنثور جمعت فيه تاريخ الشهيرات من النساء.. فانها في مدارك الكمال جمعت تاريخ الرجال. وزينب فواز في مقالاتها قالت ما قاله قاسم امين بعدها فقد انتقدت الغاء ارادة المرأة, وفرض الحجاب عليها والتشدد في منعها من التعليم وهو ما يعني فرض الجهل عليها ومنعها من ممارسة أي دور اجتماعي أو سياسي أو ثقافي ووطني وقصرها داخل المنزل. لقد رحلت عن الحياة زينب فواز الكاتبة والشاعر والمؤلفة في27 يناير سنة1914, ونتساءل عن السبب في تجاهلها ونسيانها خاصة وأن لدينا الآن مؤسسات وجمعيات تبذل جهودا حقيقية في قضايا المرأة وأيضا اصرارنا علي أن قاسم أمين المحرر الاول للمرأة والدكتور هيكل هو المؤسس الأول للرواية العربية المعاصرة, هل لأنها لم تكن تنحدر من أصول أرستقراطية مثل ملك حفني ناصف ولم تكن تجمع الرجال حولها فيكتبون عنها مثل مي زيادة؟. وهل من ملتقي ثقافي يعيد لها الاعتبار والحضور في ذكري رحيلها المائة؟. لمزيد من مقالات فاروق يوسف اسكندر