تكريم الطلاب الفائزين في مسابقة القرآن الكريم بجامعة قناة السويس    المهندسين تبحث في الإسكندرية عن توافق جماعي على لائحة جديدة لمزاولة المهنة    وزير التعليم يوجه بزيادة إنتاج مشغولات ومستلزمات المدارس الفنية والاهتمام بتسويقها    سوريا.. قرار عاجل من مجلس الوزراء يخص مؤسسات الدولة    رئيس جامعة بنها يفتتح معرض الزهور الأول احتفالا بأعياد الربيع    رئيس جامعة بني سويف يرأس اجتماع مديري الكليات    تراجع أسعار الحديد الاستثماري 1000 جنيه للطن بداية من الغد    الطاقة السعودية: النقاش بشأن التغير المناخي أصبح أكثر واقعية في قمة "كوب27"    سعر اليورو مقابل الجنيه في البنوك اليوم الثلاثاء 30-4-2024    «الشيوخ» يبدأ الجلسة العامة لمناقشة ملف التصنيع الزراعي    بعد تراجع الأوفر برايس .. سعر شيري تيجو 8 العائلية 2024 الجديدة    تحرك برلماني لتطبيق الحد الأدنى للأجور بأجهزة الدولة وهيئاتها الاقتصادية    علاء عابد: زيارة أمير الكويت لمصر تستهدف تعزيز التعاون وتبادل الخبرات    «إكسترا نيوز» تبرز ملف «الوطن» عن جهود مصر لوقف العدوان على غزة: وفد حماس في القاهرة    خبير دولي يؤكد أهمية زيارة رئيس مجلس الرئاسة في البوسنة والهرسك إلى مصر    مشاهد صادمة لثوران بركان روانج.. حمم وغيوم ساخنة ورعب بين السكان (فيديو)    بالأرقام.. حجم التبادل التجاري والاستثماري بين مصر والكويت تزامنا مع زيارة الأمير للقاهرة    طارق مصطفى يغيب يومين عن البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    صراع الكبار.. التشكيل المتوقع لريال مدريد وبايرن ميونيخ في دوري الأبطال الليلة    قرار جديد في ليفربول بشأن محمد صلاح.. هل يستمر بالفريق؟    رئيس شركة الأهلي: عبارة "مصلحة المنتخب أهم" حق يراد به باطل    لقب الكونفدرالية ينادي الأبيض.. شوبير يعلق على فوز الزمالك أمام دريمز الغاني    «الأرصاد»: طقس ربيعي مشمس في القاهرة الكبرى اليوم    والدة تسنيم بسطاوي: مش عايزة غير حق بنتي والمتهم قتل فرحتي.. فيديو    السجن 10 أعوام وغرامة 500 ألف جنيه لمتهم بحيازة 861 جرام هيروين في الإسكندرية    حملات أمنية ضد محاولات التلاعب في أسعار الخبز.. وضبط 31 طن دقيق    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    «التعليم»: 38 مدرسة فنية تشارك في معرض «ابدع واصنع»    18 مليون جنيه خلال يوم واحد.. ضربة جديدة لمافيا الدولار    خبير يكشف عدم ذكر ووجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن    الموضوع وصل القضاء.. محمد أبو بكر يرد على ميار الببلاوي: "أنا مش تيس"    باعتبارها معلمًا تنويريًا وحضاريًا.. سفير فنلندا في زيارة لمكتبة الإسكندرية    إيرادات الأفلام.. عمرو يوسف يتفوق على الجميع وتراجع على ربيع وبيومى فؤاد    حكم الوصية الواجبة ومعناها وشروطها؟.. الإفتاء توضح    ما هو الدعاء الذي نهى عنه النبي؟.. «وكيل الأوقاف» يوضح    المصل واللقاح عن "استرازينيكا": لا يوجد سبب يدعو للتخوف أو التوتر    أسهل طريقة لتحضير كيكة البسكويت الباردة.. «جهزيها من غير دقيق وبيض»    الصحة: تطوير مناهج مدارس التمريض والشعب والتخصصات بالمعاهد بالتعاون مع إيطاليا    فصل قضائي جديد في دعوى إثبات نسب طفل لاعب الزمالك السابق    وزير الري يؤكد أهمية دور البحث العلمي في التعامل مع تحديات المياه    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    بروتوكول تعاون بين كلية الصيدلة وهيئة الدواء المصرية في مجالات خدمة المجتمع    البنتاجون يكشف عن تكلفة بناء الرصيف المؤقت قبالة ساحل غزة    حسام موافي في ضيافة "مساء dmc" الليلة على قناة dmc    ألقوه من فوق مبنى.. استشهاد فلسطيني على يد قوات الاحتلال في الضفة الغربية    مساعد وزير الصحة: قطعنا شوطًا كبيرًا في تنفيذ آليات مواجهة تحديات الشراكة مع القطاع الخاص    «مصر للصرافة» تجمع حصيلة من العملات تعادل 8 مليارات جنيه    ظهور خاص لزوجة خالد عليش والأخير يعلق: اللهم ارزقني الذرية الصالحة    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود كامل المحامي.. حياته ومسرحه
نشر في القاهرة يوم 09 - 02 - 2010


عندما أشار علي الأستاذ صلاح عيسي بالكتابة
عن محمود كامل المحامي، معليا من قامته، لم
أكن أدري أنه دفعني إلي بحر لجي، أمواجه مئات القصص، ومده آلاف الأعداد من أربع مجلات، وجزره يخلف وراءه نحو عشر مسرحيات، وقاعه العميق فيه كثير من كتب السياحة والتاريخ والوطنية، وقد أكون غير مناسب لهذه المهمة، لأن هذا البحر المهتاج يحتاج إلي سندباد أو غواص ماهر ليستخرج من أعماقه الجواهر والنفائس، ولقد غالبت الموج، واستولي علي العناد، ثم تعقلت وعملت بنصيحة المتنبي «من يزحم البحر يغرق»
وخرجت إلي الشاطئ، حاملاً بعض الدرر والصدف،
تاركًا بقيتها لمن هو أمهر في السبح والغوص مني.
مصدر الصعوبة في الكتابة عن محمود كامل المحامي، أن الكتابات عنه قليلة جدًا، ولم يذكر هو في كتابه «يوميات محام مصري» شيئًا عن نشأته الأولي، وأغفل تاريخ ومحل ميلاده.
ولد محمود كامل المحامي في الثامن من يولية 1906، وقد سمي بمجموعة قصصية له باسم «8 يولية»، وفي مقدمة الطبعة الثانية من قصة «حياة الظلام» التي ظهرت سنة 1936 يبين أنه يحتفل ببلوغه الثلاثين.
ولا أدري أين ولد، ولكن نشأته الأولي، وحصوله علي البكالوريا عام 1924. كانت في الزقازيق، وكان هذا مفاجأة لي، ولكن هذا هو الصحيح، وبيان ذلك أنه عندما أخذت الصحف تتهجم علي مسرحية «الوحوش» التي ألفها، كتب مصطفي إسماعيل القشاشي في جريدة «الصباح» بتاريخ 6/12/1926 يقول: «محمود كامل يعرفه قراء هذه الجريدة، وقراء جريدتنا أبو الهول منذ كان طالبًا ثانويا في الزقازيق، وكنا ننشر له من الآراء والأبحاث في المشاكل الاجتماعية والأمراض الأخلاقية ما يدفع الكثير إلي شكره وإعلام الإعجاب به لدقة أبحاثه وصائب آرائه».
وقد رجعت إلي جريدة «أبوالهول» لأتبين مصداق ذلك فوجدت مقالة عنوانها «رجل يرقص في عماد الدين» مذيلة بتوقيع محمود كامل بتاريخ 15/1/1924 جاء في مستهلها «تضايقت من الزقازيق في الأسبوع الماضي، وأخذ الملل من مناظرها القروية المتشابهة يتزايد في نفسي إلي درجة دفعتني إلي مغادرتها كيما أمضي ليلة أو ليلتين في القاهرة» وذهب إلي مسرح في عماد الدين، وقص ما شاهده. ووجدت مقالاً آخر عنوانه «الوطن في خطر فانقذوه أيها النواب» (أبوالهول 19/2/1924) ولم أواصل البحث في «أبوالهول» بعد أن تأكد لي أنه كان يقيم في الزقازيق، وفي قصته «رسائل غرامي الأول» يجعل الكلام علي لسان بطلها الذي يظهر أنه تلقي تعليمه الابتدائي بالزقازيق.. (الجامعة 20/5/1937) وفي قصته «سوط الفضيحة» وسيأتي الكلام عليها، يصف مدينة الزقازيق وصف عليم بها.
كانت مقالة محمود كامل في «أبوالهول» تشغل عمودًا بطول صفحة الجريدة وربع العمود، وأسلوبها جيد، وأفكار الكاتب واضحة، ولابد أن تكون كذلك لكي يجيز المحرر نشرها، وحسب شهادة «القشاشي» كان محمود كامل يكتب وهو في الثانوية في جريدتي «أبوالهول» و«الصباح» وأضيف إلي شهادة القشاشي، أنه كان يكتب أيضًا في «المقطم» فقد نشر بتاريخ 13/4/1924 مقالة عنوانها «التمثيل في مصر- حول مسرح يوسف وهبي» وكان يوسف وهبي قد نشر مقالاً ذهب فيه إلي أنه سيغلق مسرحه ويسافر إلي أمريكا ليمثل هناك، لأن الجرائد تهاجمه، والحكومة لا تساعده، فكتب ينتصر ليوسف وهبي، وكتب مقالة أخري «بالمقطم» في 24/6/1924 عنوانها «إعانة المسارح المصرية بين الأوبرا ومسرح الحديقة» وينادي فيها بتقديم المساعدة لمسرح الحديقة، والتقليل من الاعتماد المالي الضخم الذي يقدم للأوبرا لأنه لا يتفرج علي التمثيل فيها إلا الأجانب أو سراة المجتمع، وهو يناصر المسارح التي يعضدها الشعب، وربما تكون هناك جرائد أخري كان ينشر فيها محمود كامل وهو في الثامنة عشرة من عمره، والملاحظ في هذه الكتابات اهتمامه بالمسرح.
ولم تكن هذه الكتابات عام 1924 تمثل ميلاده الأدبي، ففي عام 1923 ترجم أشعار روبن هود عن الإنجليزية، وهي الأشعار التي سجلت القصة التاريخية المشهورة وبعد حصوله علي البكالوريا عام 1924، انتقل إلي القاهرة والتحق بمدرسة الحقوق، ويمكن أن يقال إن نشأته الثانية بدأت منذ هذا التاريخ في شارع خيرت بحي السيدة زينب مع أبيه، وكان من زملائه في الحقوق أحمد عبدالمجيد (الشاعر السفير) ومن أساتذته أحمد أمين (غير أحمد أمين الكاتب الأديب). وكان أبوه محاميا ويدير مطبعة الترقي التي طبعت كتاب «تحرير المرأة» لقاسم أمين. يقول محمود كامل في كتابه «يوميات محام مصري»: «كتاب تحرير المرأة، تولت نشره دار الترقي للطبع. والنشر التي كان يديرها أبي، الذي أخبرني أن عدد نسخ الطبعة الأولي لم يزد علي ألف، ظلت في السوق عدة أعوام قبل أن تنفد» ويقول عن أبيه «أبي الذي تولي نشر ذلك الكتاب من رجال القانون، وقد التهم مشروع دار الترقي.. كل ما ورثه عن أبيه.. فلم يجد بعد أن خابت آماله فيه إلا المحاماة تفتح له صدرها» ما أرمي إليه أن أباه كان يقيم في القاهرة لإدارة مشروعه، وهو يعيش في الزقازيق في الغالب مع أمه، فلماذا أبوه في القاهرة وهو في الزقازيق؟ ليس بين أيدينا ما يفسر ذلك، وهذا يفتح باب الظن والتخمين.
قصة ومسرحية
حينما كان في السنة الأولي بمدرسة الحقوق أعلنت مجلة «المقتطف» عن مسابقة في القصص، فاشترك فيها بقصة، ولم يفز، فأرسل نسخة أخري لجريدة «السياسة» وانتظر، وفي 2/8/1925 وجد قصته التي أطلق عليها عنوان «الفاجعة» منشورة في ستة أنهر أي في صفحة كاملة، وهذه هي القصة الأولي.. وبعد شهرين عمل في جريدة السياسة كمحرر فني يشهد التمثيل المسرحي وينتقده، ومن هنا عرف الأجواء المسرحية، واختلط بالممثلين والمؤلفين والمترجمين المسرحيين بطبيعة الحال.
وكان من زملائه في الحقوق إحسان العقاد الثري الوسيم الفاتن، وكانت الممثلة زينب صدقي قد عشقته، وتزوجته، ولأن محمود كامل لم يحي حياة ناعمة رخية، فقد كان في نفسه أشياء ضد طبقة الارستقراط الأثرياء، وتطلعت نفسه إلي كتابة مسرحية يثأر فيها لنفسه من هذه الطبقة سماها «الوحوش» وأسرع بها إلي يوسف وهبي الذي قبل تمثيلها «ودفع لي ثمنها فورًا أربعين جنيهًا مصريا كانت مبلغًا لا بأس به بالنسبة لطالب في السنة الدراسية الثانية بمدرسة الحقوق عام 1926» (يوميات محام مصري، الجامعة 2/12/1937) وأشار علي يوسف وهبي بأن تكون زينب صدقي بطلتها، وكانت قد انفصلت عن زوجها، وهذا ما جري.
في عام 1928 تخرج في مدرسة الحقوق، وبعد شهور أدرج اسمه في جدول المحامين، والتحق بمكتب محام كان زميلا لأبيه في مدرسة الحقوق للتمرين. ولأن المحاماة لم تدر عليه شيئًا يرضي طموحه فقد عمل معاون إدارة في خريف 1929 بكفر الزيات ليحقق في قضايا الجنح، وفي نفس العام انتدب ليرأس نقطة بوليس «القضابة» ولم يكن مستريحًا لهذا العمل، ولا للمنطقة بأسرها، فقدم استقالته في مارس 1930 وعاد إلي القاهرة، فالحقته الوزارة بمركز الصف بالجيزة، ومكث بها ثلاثة أشهر، ووجد أن الوظيفة لم تناسبه فاستقال ليعمل بالمحاماة والصحافة، وقد استلهم قصته «صوت زينب» أثناء عمله بكفر الزيات.
محمود كامل قارئ نهم للمسرحيات الفرنسية والإنجليزية، وما يترجم إلي هاتين اللغتين، فأخذ يلخص مسرحيات أوروبية كثيرة، ويعرف بها وبكتابها، وينشر ملخصاته في مجلة «كل شيء»، وفي الوقت نفسه كان ينشر قصصه في مجلة الهلال مثل «الحنين» و«الشك الهائل» و«القاتلة» و«حالة جنون» و«أب وابن» وغير ذلك سنة 1930 و1931.
مجلاته
يعد عام 1932 عام تحول في حياة كامل المحامي. ففي هذا التاريخ أصدر أول مجموعة قصصية هي «المتمردون» ونشر كتابه «المسرح الجديد». وأصدر مجلتين أسبوعيتين هما «الجامعة» و«القضاء المصري»، أما «الجامعة» (1932- 1948) فقد كانت مسرحًا لقصصه وبعض مسرحياته ومقالاته، وكانت مجلة أدبية فنية، ولم تخل من الأحاديث السياسية، وقد كتب فيها العقاد ومحمود تيمور والشيخ مصطفي عبدالرازق، وإبراهيم رمزي ومحجوب ثابت وغيرهم، وشعر فيها أحمد عبدالمجيد فريد وعمر الطوانسي (شاعر رقيق له خمسة دواوين) ويوسف بدروس كما نشرت الشعر المنثور، واعتنت بالقصص المؤلفة والمترجمة، وقد استطاعت «الجامعة» أن تصمد ستة عشر عامًا أسبوعية أمام الرسالة والرواية والثقافة ومجلتي، واعتقد أن سبب رواجها يرجع إلي قصص محمود كامل فيها، وفي أواخر عهدها تعثرت، واضطرب صدورها وصارت تعني بالموضوعات القانونية، كما أن محررها انشغل بأمور أخري فحجبها.
أما مجلة «القضاء المصري» (1932- 1946) فقد كانت تصدر كل سبت، وتنشر الأبحاث والدراسات التي كتبها كبار القانونيين، وتذيع آراء رؤساء المحاكم والنيابات في تفسير القوانين، وتبحث في الموضوعات الدولية والاقتصادية وتأتي في صفحاتها بأحكام محكمة مصر الابتدائية ومحكمة النقض، وكانت تصدر أعدادًا خاصة وقد عززتها وزارتا الخارجية والمعارف بالاشتراك فيها، ثم توقفت.
قد شجع رواج «الجامعة» بمحمود كامل علي إصدار مجلة ثالثة دعاها «ال 10 قصص» عام 1936، وراجت رواجًا كبيرًا، وطمع في تطويرها، فأوقفها مؤقتًا وأدمجها في «الجامعة» وصارت الجامعة تصدر بعنوان «الجامعة وال 10 قصص» وفي سبتمبر عام 1937 أصدر مجلة «ال 20 قصة» نصف شهرية، وكان تنشر القصص، وتوقفت عام 1945. هذه هي مجلات كامل المحامي التي أفسحت المجال لعدد كبير من الكتاب لينشروا فيها قصصهم، ويتعرف القراء عليهم من خلالها.
الكل للوطن
هذا الفوز الذي حققه المترجم، جعله حديث الناس في البيت والشارع، ودفع الجرائد الكبري مثل «الجهاد» و«البلاغ» إلي إجراء التحقيقات الصحفية معه، ولابد أن «الأنا» عنده تضخمت، فترامت أمانيه بعيدًا، وطمح في أن يكون أحد رجالات السياسة فدعا عام 1938 علي صفحات الجامعة إلي تكوين حزب «الكل للوطن» ليحتشد فيه كل المصريين وصارت افتتاحيات «الجامعة» التي يكتبها هو، تطالب، بلهجة حماسية ثورية بالإصلاح القضائي والإداري والاقتصادي، وتشدد في لهجته، فاندفع ضد الإنجليز، وندد برؤساء الوزارات المصرية «الطاعنين في السن» الذين تلقوا دراساتهم في عهد الاحتلال، وسرت في شراينهم رهبة الرؤساء والإنجليز مما نتج عنه! إهمال برامج الإصلاح» (الجامعة فبراير 1939).
أخذ المحامي في بث برامج الحزب وقال، وكرر القول، بأنه من الضروري «أن ينص القانون المدني علي تحريم تملك الأجانب العقارات في مصر، وإصدار قانون ينظم الهجرة إلي مصر، ويمنح المهاجرين العمال وأصحاب الحرف من الأجانب حماية للعمال المصريين، وتوزيع أراضي الحكومة الزراعية البور القابلة للإصلاح الزراعي، وتبلغ مساحتها نحو مليون ونصف المليون فدان علي صغار الملاك الزراعيين الذين يملكون أقل من فدان واحد، ووضع يد الدولة علي شركات الاحتكار التي تتولي عملا من أعمال الخدمة العامة، وعدم انتظار انتهاء عقود، الامتياز لأن تلك العقود حررت في وقت كانت تتولي حكم مصر فيه وزارات جاهلة، ويتحتم أن تكون مكاتبات، الشركات والبنوك التي تعمل في مصر باللغة العربية» وطالب بالتأمين الإجباري لصالح العمال الزراعيين ضد إصابات العمل، والأمراض المتوطنة، وضد تعطل العامل الزراعي عن عمله، وذكر بنودًا كثيرة، ولا شك في أنه كان اشتراكي النزعة، إذا جاءت دعوته في صالح الفلاحين والعمال، وطالب بالتأميم والتأمين، وقد خشي علي مبادئه من الضياع فألف منها كتابه «مصر الغد تحت حكم الشباب» عام 1939، وأعاد طباعته بعنوان «مصر الغد- بعث دولة وإحياء مجد» وفيه تنقيح وزيادات. ولمن يريد التوسع فعليه ب «الجامعة» 1938 و1939، وهذين الكتابين. ولكن هذا الحزب لم يتكون وقد يكون بسبب أنه شاب صغير، وليس له في تاريخ الجهاد الوطني باع، وليست عنده صحيفة يومية، ولأنه من كتاب القصص الغرامية والمسرحيات، وهذه ليست من مؤهلات الحكم والزعامة.
الدعاية لمصر
لم يقتصر دور المترجم علي مجلات يصدرها، وكتب يؤلفها، وإنما طاف بأوروبا وأمريكا ممثلا لهيئات مصرية عديدة، وكان يقوم بأعمال الدعاية لمصر والعرب بعد الحرب العالمية الثانية ففي عام 1946 ذهب إلي فرنسا وسويسرا، وتحدث إلي أعضاء نادي الروتاري الدولي في باريس ولوزان وجنيف، وفي عام 1947 سافر إلي أمريكا ممثلا لمجلس نقابة المحامين لدي «رابطة محامي الأمم المتحدة» بواشنطن، ونقابة المحامين الدولية بنيويورك، وفي عام 1948، رحل إلي إنجلترا ممثلاً لجريدة «المصري» وفي نفس العام ذهب إلي باريس ممثلاً لوزارة الشئون الاجتماعية في وفد مصر لدي هيئة الأمم المتحدة وفي عام 1949 سافر إلي الولايات المتحدة ممثلاً لجامعة الدول العربية لدي الأمم المتحدة، وفي عام 1951 حضر مؤتمر نوادي الروتاري الدولية بالخرطوم ثم ذهب إلي الكونغو ومنابع النيل، وفي نفس العام سافر إلي ست دول أوروبية.
كان يقوم في هذه الرحلات بمهام قومية، وبأعمال الدعاية لمصر، لتغيير النظر إلينا وتقديم معارف ومعلومات لأبناء هذه الشعوب ففي مساء 9/6/1951 ألقي محاضرة بالفرنسية عن «حياة النيل» في دار الجمعية الجغرافية الإيطالية، ورأس الاجتماع رئيس الجمعية، وفي 11/6/1951 ألقي محاضرة في فلورنسا عن العلاقات التاريخية التي تربط مصر وإيطاليا، وبنفس الطريقة ألقي محاضرات في فينيسيا ولوزان وستوكهلم وكوبنهاجن ولندن، وفي كل مرة يتحدث عن العلائق بين مصر والدول التابعة لها هذه المدن مبينًا أن التعارف بين الشعوب وسيلة من وسائل إقرار السلم، وأن التزاود بين أفراد الشعوب يمهد للتفاهم بينها (راجع كتاب محمود كامل مصر في خارج مصر 1952) وهكذا كان المترجم سفيرا متنقلاً لمصر في دول العالم، بل إنه قام بأعمال وزارة للدعاية والإعلام قبل أن تنشأ في مصر وزارة الإعلام.
بعد إغلاق مجلاته كان يكتب بين حين وآخر في جريدتي «المصري» و«الزمان» ثم عمل في وزارة المالية والاقتصاد خبيرًا للسياحة والدعاية. ثم انتقل من ميدان السياحة المصرية إلي مجال السياحة العالمية. ويقول محمد شلبي في كتابه «مع رواد الفن والفكر عن محمود كامل: «جاب العالم كله كخبير عالمي في السياحة، تتلقف الأمم المتحدة تقاريره، فهو عضو الجمعية الدولية لخبراء السياحة العلميين ببرن وعضو اللجنة الخاصة بميثاق الأمم المتحدة بجمعية القانون الدولي بلندن، ورئيس اللجنة القومية المصرية في مركز السلام العالمي عن طريق القانون بجينيف، ومما يدل علي شغفه بالعلم.. أنه حصل علي دكتوراه التخصص في تاريخ المذاهب السياسية في كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة إكس آن بروفانس بفرنسا.. موضوعها العروبة أساس سياسي اجتماعي للوحدة في العلاقات الدولية العربية باللغة الفرنسية».
لم يقدر لي أن أعرف هذا الرجل الكبير وسألت عنه أستاذنا وديع فلسطين، فقال: لم أعرفه عن قرب. ولكن كنت أراه بمفرده جالسًا في جروبي، وكان أنيقًا في ملبسه، ويسير في الطريق منحني الظهر، وقد بحثت ونقبت كثيرًا عن تاريخ وفاته ولم أوفق وسألت صديقي الباحث الأستاذ فتحي الحديدي، وبعد يومين قال لي: توفي عام 1993.
في مجال المسرح
نظرًا لقلة الكتابات عن محمود كامل، فقد طربت عندما نشرت جريدة القاهرة مقالاً للأستاذ فوزي سليمان بتاريخ 29/9/2009، والمقال طيب ومفيد، ولكنه نسب خطأ مسرحية «الذبائح» إلي محمود كامل، والصواب أنها لأنطون يزبك، ومثلتها فرقة رمسيس ليلة 23/10/1925 وقام بتمثيلها يوسف وهبي وأمينة رزق وماري منصور، وقد كتب أنطون يزبك مسرحيات عديدة مثل الغربان وصوت الدم وغيرهما، وحصل علي جائزة في التأليف المسرحي، وقال الأستاذ فوزي إن مجلة «التياترو» أصدرها محمد شكري، والصواب أن الذي أصدرها هو إدوارد كحيل بين عامي 1924- 1926.
الصحيح أن مسرحية «الوحوش» من تأليف محمود كامل. وقد مثلها يوسف وهبي وزينب صدقي وأخرجها عزيز عيد علي مسرح رمسيس ليلة 6/12/1926 والليالي التالية، ولم أوفق في الحصول عليها، لأنها غير مطبوعة، وقد تناولتها صحف كثيرة بالنقد منها «كوكب الشرق» «المقطم» «الكشكول» «الحسان» «الصباح» «النيل» وغيرها ولا تملك إلا ذكر خطوطها العريضة من خلال ما قالته الصحف عنها بطل المسرحية هو أمين بن ماهر بك، وهو طالب في مدرسة الحقوق ويقيم مع زوجته زينب في منزله أبيه، وقد طلق عامر بك زوجته أم أمين وتزوج نفيسة التي تنشأ بينها وبين الطبيب الذي يتردد علي البيت لعلاج زوجها عامر بك، علاقة آثمة، ويحاول الطبيب الاعتداء علي عفاف زينب فيتشاجر معه أمين، وكان ماهر زميلاً لأمين في الحقوق وهو فاشل بسبب الخمر والنساء والكوكايين فيحرضه الطبيب علي دفع أمين إلي بؤر الفساد ويقوم ماهر بتعريفه بأولجا الساقطة، ويقدم له الكوكايين، ولكن أمين سرعان ما يتخلص من الجو الفاسد، ويحاول الطبيب مرة أخري مع زينب فتصده، ثم إن أمين يعود إلي منزله، ويأتي الطبيب مرة ثالثة إلي زينب فيمسك أمين بخناق الطبيب ولا يتركه إلا ميتًا ويسدل الستار.
والوحوش كما يفهم من السياق هم: الطبيب الذي يوقع نفيسة في الخطيئة، ويحاول مع زينب، ونفيسة الخائنة، وأولجا الساقطة التي تسلب المال مقابل الزني، وماهر رفيق السوء. هذا إلي جانب التحريض ضد الكوكايين.
وقد أخذ ناقد «المقطم» الفني عدة مآخذ علي المسرحية منها المبالغة في تصوير المواقف والشخصيات، ورأي أن قيمة المسرحية 40% ولو خلت من المبالغة فإن قيمتها تصل إلي 70%، ولو سلسل أفكاره، وجعل مواقف إنزال الستار قوية في غير مبالغة لوصلت قيمتها إلي 100%. (المقطم 21، و24/12/1926) وهي نقاط ضعف ولكن يمكن تداركها فيمابعد، أما نقاد «كوكب الشرق» فقد رأي أن تأثيرها علي النظارة غير عميق، وأن المؤلف عمد إلي حشو المسرحية بالجمل المؤثرة «وهذه الطريقة وإن كان لها بعض التأثير في النفوس» إلا أن التصوير الكلامي لا يكون قويا إلا إذا كانت الصور الأصلية مطبوعة في ذهن القارئ»، كوكب الشرق 22/12/1926 وقد التمس ناقدا الجريدتين العذر للمؤلف لأنها المسرحية الأولي من تأليفه، أما القشاشي صاحب «الصباح» الذي كان ينشر مقالات محمود كامل الطالب الثانوي فقد استهجن المسرحية وقال: الفكرة الوحيدة التي خامرت المؤلف هي أن يكون (مؤلف وبس) الصباح 13/12/1926 ولكن صاحب الصباح عاد ونشر مقالة لحسن الأسيوطي المحامي قال إن المؤلف «ألم بأكثر عيوبنا، وساقها في قالب من النقد الشديد» واتهم نقاد المسرح بالحسد (الصباح 20/12/1926). وتضاربت الأقوال، وأري أن هذه المسرحية بتمثيلها وما كتب في مختلف الصحف عنها، والإعلانات التي ألصقت في الشوارع والميادين، والإعلانات التي ظهرت في صحف عديدة. كل هذا في صالح محمود كامل إذ بات مشهورًا وهو في سن العشرين.
فاطمة
من مسرحياته «فاطمة» دراما في أربعة فصول، وقد مثلتها فرقة فاطمة رشدي ليلة 30/11/1931 علي مسرح الأزبكية وطبعتها جريدة الصباح كملحق لها، وأعاد محمود كامل نشرها بمجلة «الجامعة» ابتداء من 26/8/1937.
المسرحية تتكون من أحداث اختارها المؤلف بعناية لتناسب زمن العرض وموضوعها يتناولها أسرة باشا له بنتان فاطمة وإجلال ويعيش معهم فؤاد ابن أخي الباشا، وفؤاد هذا مات أبوه وكفله عمه وظل يرعاه إلي أن توظف، وقد تبادل الحب فؤاد وفاطمة، والمأمول أن يتزوجا، ولكن «إجلال» علي وشك العنوسة، وإنقاذًا لها زوجها الباشا من فؤاد الذي قبل وفاء لما عليه من دين لعمه، وهذا هو الحدث الرئيسي، وبداية مأساة فاطمة، فقد أدي هذا الزواج إلي صراع حاد بين الاختين، وتصاب فاطمة بمرض نفسي عصبي، وإذا تحدث فؤاد إلي فاطمة اشتدت غيرة إجلال علي زوجها. وأدي ذلك إلي شجار، وبعد تكرار المشاجرات، تري فاطمة أنه لا خلاص من هذه المشكلة إلا فراق واحدة من الاثنتين، فتتناول السم وتنتحر ثم يسدل الستار وهكذا تنتهي المسرحية الفاجعة مثل «الوحوش».
قد يكون الموضوع عاديا، فقد نقرأ قصة أو نشهد في أرض الواقع شابين يصارع أحدهما الآخر علي أنثي، ولكن الحوار الحي والحبك، والأقوال المتمايزة، وتصوير الحالات النفسية وبخاصة الغيرة وشجن النفس لانقطاع الأمل في التواصل مع الحبيب، كل هذا يجعل للعمل الفني مذاقاً، وقد أجاد المترجم في تصوير الصراع بين الأختين والصراع النفسي الداخلي لفاطمة. وشخوص المسرحية واقعيون فخديجة عمة البنتين مرة مع فاطمة وأخري مع إجلال حسب حاجتها، والباشا انفق علي فؤاد وادخره لوقت الحاجة، وإجلال عندما أشرفت علي العنوسة قبلت الزواج من فؤاد بالرغم من علمها أنه يحب فاطمة وفاطمة حزينة لأنها خاسرة. فهي شخوص تتعامل مع الواقع حسب المصلحة والمنفعة. والمسرحية تراجيدية خالية من الفكاهة. وقد يكون انتحار فاطمة تعبيرًا عن احتجاج المؤلف علي زواج المصالح والمنافع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.