شون وصوامع المنيا تستقبل 48 طنا من محصول القمح لموسم حصاد 2024    وزير المالية: سعداء ببدء بنك ستاندرد تشارترد نشاطه في مصر ونتطلع إلى دور فعال في دعم الاقتصاد المصري    جدول ترتيب الدوري الإيطالي 2023-2024 قبل مباريات اليوم الثلاثاء    حبر على ورق.. النائبة عايدة نصيف: جودة الجامعات غير متوفرة في الواقع    خبير تربوي يكشف عن 12 خطوة لتوطين تدريس تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها بالمدارس    البورصة تربح 33 مليار جنيه في منتصف تعاملات الاثنين    عضو ب«النواب» يطالب بإنشاء كليات ذكاء اصطناعي في الجامعات الحكومية    إزالة 22 حالة تعديات على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة بالشرقية    البنك المركزي يبيع أذون خزانة ب980 مليون دولار اليوم    «الخارجية» تطالب بحل دائم ل القضية الفلسطينية لوقف دائرة العنف في المنطقة    سفير الكويت بالقاهرة: زيارة مشعل الصباح لمصر تعود بالنفع على البلدين الشقيقين    محافظ أسيوط يعقد اجتماعا مع قيادات التعليم لمتابعة الاستعدادات لامتحانات نهاية العام    حارس الدراويش السابق : يجب بيع نجوم الإسماعيلي لتوفير سيولة مادية للنادي    عامر حسين: الكأس سيقام بنظامه المعتاد.. ولم يتم قبول فكرة "القرعة الموجهة"    تحرير 16 محضرًا تموينيًا لأصحاب المحال التجارية والمخابز المخالفة بكفر الشيخ    أحمد السعدني يصل إلى مسجد السيدة نفيسة لحضور جنازة المخرج عصام الشماع    «القومي لثقافة الطفل» يقيم حفل توزيع جوائز مسابقة رواية اليافعين    تراجع نسبي في شباك التذاكر.. 1.4 مليون جنيه إجمالي إيرادات 5 أفلام في 24 ساعة    التضامن : سينما ل ذوي الإعاقة البصرية بمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    «الصحة»: توفير رعاية جيدة وبأسعار معقولة حق أساسي لجميع الأفراد    بشرى سارة لمرضى سرطان الكبد.. «الصحة» تعلن توافر علاجات جديدة الفترة المقبلة    الرئيس السيسي: مصر تحملت مسئوليتها كدولة راعية للسلام في العالم من خلال مشاركتها بعملية حفظ وبناء سلام البوسنة والهرسك    مصرع 42 شخصًا على الأقل في انهيار سد سوزان كيهيكا في كينيا (فيديو)    قبل الحلقة المنتظرة.. ياسمين عبد العزيز وصاحبة السعادة يتصدران التريند    مواصلات ورواتب مجزية .. فرص عمل متاحة ب"الجيزة".. الشروط والمميزات    مسابقة المعلمين| التعاقد مع 18886 معلمًا.. المؤهلات والمحافظات وشرط وحيد يجب تجنبه -فيديو    تحرير 186 مخالفة عدم التزام بقرار الغلق للمحلات لترشيد استهلاك الكهرباء    الجندي المجهول ل عمرو دياب وخطفت قلب مصطفى شعبان.. من هي هدى الناظر ؟    «أزهر الشرقية»: لا شكاوى من امتحانات «النحو والتوحيد» لطلاب النقل الثانوي    استمرار حبس 4 لسرقتهم 14 لفة سلك نحاس من مدرسة في أطفيح    «العمل» تنظم فعاليات سلامتك تهمنا بمنشآت الجيزة    الأنبا بشارة يشارك في صلاة ليلة الاثنين من البصخة المقدسة بكنيسة أم الرحمة الإلهية بمنهري    فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا.. «البحوث الإسلامية» يطلق حملة توعية شاملة بمناسبة عيد العمال    محمد شحاتة: التأهل لنهائي الكونفدرالية فرحة كانت تنتظرها جماهير الزمالك    صعود سيدات وادي دجلة لكرة السلة الدرجة الأولى ل"الدوري الممتاز أ"    عواد: كنت أمر بفترة من التشويش لعدم تحديد مستقبلي.. وأولويتي هي الزمالك    515 دار نشر تشارك في معرض الدوحة الدولى للكتاب 33    عرض صيني لاستضافة السوبر السعودي    1.3 مليار جنيه أرباح اموك بعد الضريبة خلال 9 أشهر    إصابة عامل بطلق ناري في قنا.. وتكثيف أمني لكشف ملابسات الواقعة    ضحايا بأعاصير وسط أمريكا وانقطاع الكهرباء عن آلاف المنازل    أسوشيتد برس: وفد إسرائيلي يصل إلى مصر قريبا لإجراء مفاوضات مع حماس    مؤسسة أبو العينين الخيرية و«خريجي الأزهر» يكرمان الفائزين في المسابقة القرآنية للوافدين.. صور    ضربه بالنار.. عاطل ينهي حياة آخر بالإسماعيلية    ولع في الشقة .. رجل ينتقم من زوجته لسبب مثير بالمقطم    مصرع شخض مجهول الهوية دهسا أسفل عجلات القطار بالمنيا    خلي بالك.. جمال شعبان يحذر أصحاب الأمراض المزمنة من تناول الفسيخ    رئيس الوزراء: 2.5 مليون فلسطيني في قطاع غزة تدهورت حياتهم نتيجة الحرب    فضل الدعاء وأدعية مستحبة بعد صلاة الفجر    رمضان السيد: الأهلي قادر على التتويج بدوري أبطال إفريقيا.. وهؤلاء اللاعبين يستحقوا الإشادة    مطار أثينا الدولي يتوقع استقبال 30 مليون مسافر في عام 2024    أمين لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب    سعر الذهب اليوم الاثنين في مصر يتراجع في بداية التعاملات    سامي مغاوري: جيلنا اتظلم ومكنش عندنا الميديا الحالية    مصرع شخص وإصابة 16 آخرين في حادث تصادم بالمنيا    "السكر والكلى".. من هم المرضى الأكثر عرضة للإصابة بالجلطات؟    من أرشيفنا | ذهبت لزيارة أمها دون إذنه.. فعاقبها بالطلاق    الإفتاء توضح حكم تخصيص جزء من الزكاة لمساعدة الغارمين وخدمة المجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم عبد المجيد: القراءات غدت متربصة وهناك رقباء من الناس والمفكرين
نشر في نقطة ضوء يوم 22 - 06 - 2009

حياة حافلة بالأحداث والوقائع والأعمال الروائية والقصصية تلك التي عاشها الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد منذ قدومه من الإسكندرية التي أحبها كثيراً وكرس لها أعماله إلى القاهرة عام 1974 والتي يعيش فيها أعمى وأصم مضطراً ولم يكتب عنها سوى قصتين قصيرتين، بدأت بمشاركته في أحد الأحزاب الشيوعية السرية ومروراً باعتقاله ضمن مجموعة رفضت استمرار مشاركة إسرائيل في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1985، وانتهاء بالحدث الذي هز حياته وقلبها رأساً علي عقب وهو إصابة زوجته بالسرطان ثم وفاتها ليعيش وحيداً مع أبنائه الثلاثة، لكن هذه الأحداث وغيرها كانت ذات تأثير إبداعي رائع عليه، ومن يتابع أعماله الروائية والقصصية يكتشف ذلك العمق الروحي والإنساني النبيل الذي يكتب في ضوئه أعماله... في هذا الحوار نحاول التعرف على بعض من أسرار عالم هذا الكاتب المتميز بعيداً عن الافتعال...
› هناك نقطتان أثرتهما أود التوقف معهما، نبدأ بالأولى وهي مساحة السيرة الذاتية أو الشخصية في أعمالك؟
 مساحة كبيرة وأحياناً تظهر بشكل خفي وتتوزع على شخصيات كثيرة، لكن من المهم هنا أن أوضح لك أنني أحياناً ما أحمل بعضاً من سير الشخصيات التي أكتبها بل غالباً أثناء عملية الكتابة نفسها وليس في الحياة، لم نصل إلى هذه الدرجة أن الكاتب يحمل في الحياة ملامح شخصياته، لأنه عندما يصل لهذه الحالة يكون قد خرج لحظة عن المدار السوي للبشرية، وهذه المسألة رهينة الكتابة، لكن بعد الكتابة يستطيع الكاتب بالتمازج مع حياته العادية أن يتخلص مما حمله من الشخصيات، هذه مهمة لا يعرفها إلا الكاتب وبعض الدارسين إذا تعاملوا مع الكاتب أثناء فعل الكتابة، قد يلحظون عليه أنه يتصرف ويتحدث كما تتصرف وتتحدث شخصياته، هذا الجانب ينتهي بعد الكتابة بقليل...
أما سيرة الكاتب نفسه ومزجها في الشخصيات بالنسبة لي فيتم بشكل عادي غير مقصود وتتوزع هذه السيرة على كثير من الشخصيات، قد تحمل الشخصية منها جملة أو موقفاً واحداً، وقد تحمل شخصية مظاهر كثيرة جداً، فعلى سبيل المثال تجد ملامح شخصيتي في الطفولة في شخصية (علي) في رواية (المسافات)، أو تجد بعض ملامحي في شخصية كروان في رواية (طيور العنبر)، ملامح وليس كل الملامح، لأن الشخصية في الفن غيرها في الحياة، الشخصية في الفن شخصية متأبية مستعصية على التفسير، حالة روحية، حالة لها أكثر من وجه، أما الشخصية في الحياة فتستطيع التعامل معها وتراها بعينيك قبل أن تشعر بها بقلبك، إنما في الفن تشعر بها قبل أن تراها، تجد أيضا ملامح من سيرتي الشخصية في شبابي في رواية (ليلة العشق والدم) أو أيضاً في رواية (الصياد واليمام)، وهذه الأخيرة قد تكون سيرة شخصية وسيرة جيل كامل هو جيلي الذي خرج إلى الحياة بعد هزيمة 1967 فلم يجد شيئاً، وجد خراباً، يباباً، برداً خالصاً ولا أحد، أو تجد هذه السيرة في رواية (البلدة الأخرى) بمساحة أكبر، من هنا لا أستطيع القول بشكل حاسم أن الكاتب موجود في رواية واحدة، وهو موجود في روايات كثيرة جداً، ولكن يأخذ منحى السرد القصصي والحالة القصصية وليس كتابة السيرة...
› النقطة الثانية الخاصة بتجربة التليفزيون والسينما وهي تبدو تجربة مريرة؟
 ليست تجربة مريرة ولكن تجربة مضحكة، لم أصب بأي نوع من المرارة بل بالعكس أدركت أنني إلى هنا يجب أن أتوقف ثم قد أعود في يوم من الأيام ولكن بشكل آخر، بمعنى أن أكون قد نعمت بفضيلة النسيان، فالأعمال التي قدمتها واحد منها قد تم تصويره والباقي سوف يتم تصويره قريباً، ولكن حتى يتم تصورها عليّ أن أبتعد عن هذا الحقل كثيراً حتى أن أعود إلى الحب الأول الرواية، وخصوصاً أنني لست مستعداً للتعاون مع مقتضيات السوق العربية أو المصرية بالمعنى الذي أوضحته سابقاً، السوق التي تبحث عن أكبر قدر من الربح على حساب الإنتاج وتكريس العمل لشخص واحد على حساب بقية الشخصيات، وهذان ملمحان أساسيان من ملامح الدراما المصرية الآن...
حياة سياسية
› لم نتعرف على هذه الظروف التي دفعت بك لكتابة السيناريو وإنتاج رواية (برج العذراء)؟
 أمضيت عامين مع زوجتي في معهد السرطان حتى توفيت، فرأيت قاع المجتمع وكيف تدار الحياة، وكيف يصارع البشر هذا المرض العضال وفقدت في النهاية أعز إنسان في حياتي، كنت في حالة سيئة جداً كادت أن تقتلني، فالسيناريو أنقذني لأنه من جانب آخر غير الذي ذكرت وجدتني وسط شبكة من العلاقات، وكانت هذه العلاقات في السيناريو الأول جميلة حيث توفر لي مخرجا متميزا وهو عمر عبد العزيز لم يشعرني بأي مشاكل...
› ماذا عن الوقائع والأحداث الشخصية التي وجدت صدى في أعمالك؟
 حياتي كلها...
› لكن ألا توجد وقائع محددة؟
 وقائع كثيرة منها مثلاً هزيمة 1967 وهي الأكبر تأثيراً في حياتي، وأيضاً انتمائي لبعض الأحزاب اليسارية الشيوعية في أول السبعينيات أثر في حياتي كثيراً سلباً أو إيجاباً، وقد كان تأثيراً إيجابياً في الغالب لأنه فتح لي آفاقاً كثيرة من المعرفة الفكرية والتعارف على الناس، هذا على الرغم من فشل الحركة اليسارية، الناس الذين التقيتهم في حياتي لم يكونوا أشخاصاً عاديين، كانوا أشخاصاً شبه ممسوسين، كنت أشعر أنهم من عالم آخر، عالم ما بين الجنة والنار، ومنهم أناس نسيت أسماءهم لكن أعدت إنتاجهم مرة أخرى في رواياتي بشكل أعجب مما كانوا عليه، أيضا المناطق التي عشت فيها كان معظمها يتسم بالخلاء وكثرة الغرباء مثلاً جنوب الإسكندرية وحي كرموز، وهؤلاء الغرباء هم الذين صنعوا لدي الإحساس بالاغتراب الشديد في العالم وأكد هذا الإحساس الفشل السياسي الذي منيت به بلداننا العربية منذ هزيمة 1967...
أيضاً من الأشياء التي أثرت في حياتي بشكل كبير القراءات، يعني نجيب محفوظ أثر فيّ بشكل مبكر جداً حتى أنني بدأت بالرواية وليس بالقصة القصيرة، وتركت الإسكندرية إلى القاهرة وأنا طالب بالمرحلة الثانوية لكي أعيش في الجمالية وبين القصرين والغورية وأماكن محفوظ الأخرى، لكن بعد تعرضي للجوع عدت لاستكمال دراستي ...
لقد كنت حسن الحظ أنني التقيت شخصيات برزخية من الأصدقاء وهم موجودون في رواياتي بشكل أو بآخر بأسماء أخرى أو بأسمائهم، لم أعد أذكر الآن...
كذلك السفر فتجربة عملي بالسعودية أثرت فيّ كثيراً، كذلك أسفار الطفولة مع والدي الذي كان يعمل بالسكك الحديدية، فشاهدت عوالم غريبة من الخلاء المطلق الذي لا تلمح فيه إلا بضع أشخاص، مما يطرح في الذهن أسئلة عن وجودهم وحياتهم ومعيشتهم...
أيضاً قراءة الفلسفة والتي كنت مهيئاً لأكون أستاذاً فيها، لكني بعد أن سجلت الماجستير هربت وأتيت إلى القاهرة...
› في حوار صحفي معك قلت (وفي عام 1974 حضرت إلى القاهرة فلم أجد حياة أدبية ولكن وجدت حياة سياسية، كان كل الكتاب الوطنيين واليساريين تقريباً على خلاف مع الحكم ) ماذا فعلت في هذا المناخ هل شاركت في نشاط سياسي في تلك الفترة؟ وهل كان لهذا النشاط أثر في رؤيتك الإبداعية بعد ذلك؟
 شاركت كثيراً جداً ولكن في حزب سري، الأحزاب السرية في هذا الوقت عام 1974 كانت في حالة تكوين جديد ولم يكن مضى عليها سوى ثلاثة أو أربعة أعوام مثل الحزب الشيوعي المصري، حزب العمال، 8 يناير، التيار الثوري، هذه أسماء الأحزاب اليسارية في ذلك الوقت، طبعاً لأن الأحزاب تم حلها في العهد الناصري، أنا شاركت في أحد هذه الأحزاب وهو الحزب الشيوعي المصري، ومشاركتي فيه أتذكرها الآن بكثير من الضحك لماذا؟ لأنني كنت أفعل أشياء غريبة كان يمكنها أن تزج بي في السجن لمدة ربع قرن، منها مثلاً أن أحتفظ بالمنشورات التي سيقوم الحزب بتوزيعها على المناطق في بيتي، وهذه تهمة عقوبتها ربع قرن سجن، لأني إذا ضبطت بها يتوفر أحد أركان التنظيم السياسي، والتنظيم السياسي عقوبته ربع قرن لو توفر، لكن كل القضايا التي كانت تحدث في ذلك الوقت وكل الناس الذين كان يلقى القبض عليهم باسم الانتماء لتنظيم سياسي كان يفرج عنهم بعد شهر أو اثنين أو ثلاثة أو ستة أشهر أو عام على أكثر تقدير، لأنه لم يكن يتوفر ركن واحد من أركان التنظيم السياسي، لذا كانت الدولة تقبض على الناس ثم تطلق سراحهم ولا تجد هذا الركن، وهي تعرف أنه لا يوجد هذا الركن لكنها كانت تطارد اليساريين حتى ترهقهم إرهاقا شديداً، فكان عليّ أن أبدو أنه لا علاقة لي بالسياسة على الإطلاق، وبالفعل لم يكن أحد يعرف أن لي علاقة بالسياسة على الإطلاق، لا أوقع على بيانات ولا أجلس في جلسات سياسية، لأن عندي في البيت كميات كبيرة جداً من مجلة (الانتصار) وليس عدداً واحداً، لأن عدداً واحداً أو عددين أو خمسة يمكن أن تقول في التحقيق أنك وجدتها مصادفة، لكن مئة وخمسين عدداً لا يمكن أن تجدها مصادفة، والحزب كان له فرع في بيروت برئاسة ميشيل كامل ويصدر أيضاً مجلة (كتابات مصرية)، وكان الحزب يحتفظ بهذه المجلة لعدة شهور عندي في البيت، فطبعاً كانت عملية صعبة جداً أن تتكلم، فلم يكن لي أي علاقة بالسياسة على الإطلاق، كنت وديعاً جداً جداً، وعندما أشارك في مظاهرة لا أمشي مع السياسيين بل مع الناس العاديين، يعني أنا عندما شاركت في مظاهرات يناير 1977 سرت بين الناس العاديين في الشوارع ، أتعرض للضرب بالعصيان أو أضرب بالحجارة، ولي تجربة غريبة في هذه المظاهرات فقد بتُّ مع الناس في الشوارع وكل ما فعلوه فعلته، لكني لم أقترب من السياسيين، لذلك لم يقبض عليّ أبداً لأنه لم يكن هناك انتباه لهذا الشخص الذي هو أنا، وقد تركت الحركة اليسارية عام 1977، إلا أنه قبض عليّ عام 1985 لسبب لا علاقة له بذلك، اتهمت بالانتماء إلى تنظيم تروتسكي بسبب معارضة وجود إسرائيل في معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهذا العام كان العام الأخير الذي تحضر فيه إسرائيل، كانت تجربة جميلة وسهلة، كان معي عدد جميل من الكتاب والشعراء أعرف منهم بشير السباعي وأحمد طه ومحمد سليمان، وقد عرضنا على النيابة خلال يومين، وكان من الممكن الإفراج عني من سرايا النيابة، لكن لم يفرج عني من النيابة لأنني أنكرت كل التهم الموجهة لي ما عدا تهمة واحدة هي: هل تعرف الشاعر أحمد طه؟ فقلت أعرفه، أنكرت كل التهم لأنها غير حقيقة مثل الإعداد لقلب نظام الحكم والاستيلاء علي المدن، قلت لوكيل النيابة (إذا كنت أنا مش قادر أقلب تربيزه حقلب نظام الحكم)، كان وكيل النيابة متفهماً ويعرف أن أمر القبض علينا بسبب المعرض، وحتى يمر المعرض بسلام ولم يمر بسلام، حيث امتلاء المعرض بالمظاهرات وتظاهرت نقابتا المحامين والصحفيين وشاركت الصحافة اللبنانية بدور كبير...
عندما قلت أنني أعرف أحمد طه ويعمل معي في الهيئة المصرية للكتاب وينشر معي في مجلة إبداع، أخذت استمرار حبس، لأن أحمد طه كان يجمع نشرات الأحزاب الشيوعية كلها من باب الهواية ليس إلا، وعند التفتيش وجدوا عنده نشرات جميع الأحزاب الشيوعية فتصوروا أنه المسؤول عنها جميعاً، وقد أهديت لأحمد طه قصة قصيرة بعنوان (إغلاق النوافذ) وللشاعر محمد سليمان قصة (الليل نام) والقصتان منشورتان في مجموعة (إغلاق النوافذ) كما نشرا بمجلة الكرمل...
كنا نعرف أن هذا الاعتقال وراءه معرض الكتاب، وكانت تجربة لطيفة ليس فيها قسوة من أي نوع، حتى أننا قررنا أن نضرب عن الطعام (لأننا مش لاقيين حاجة تزعلنا فلازم نعمل أي حاجة)...
› رؤيتك السياسية في ذلك الوقت هل أثرت على كتابتك؟
 أثرت سلباً وإيجاباً، سلباً باعتبار أنني كتبت قصصاً قصيرة لم أنشرها بسبب حسها الحماسي، وإيجاباً أنني حتى ذلك الوقت لم أكن قد قرأت كثيراً في الفلسفة الماركسية فبدأت التعمق في قراءتها، حيث كانت قراءاتي قبل ذلك تتركز في الفلسفة الوجودية وأشياء بسيطة من الفلسفة الماركسية، وكذلك لم أكن على دراية كاملة بحركات التحرر في العالم في كوبا وأنغولا وبلدان آسيا وفيتنام فبدأت التعرف عليها ومن ثم أصبحت مواطناً عالمياً بمفهوم إحساسي بالعالم، هذه الفترة أضافت لي الكثير عبر الحوارات والنقاشات التي كانت تدور بين أعضاء الخلية أو مع المجموعات الأخرى، وكذلك قراءة مجلة الطليعة ومجلة الكاتب اللتين لعبتا دوراً كبيراً في تثقيفنا والكتب التي أصدرها الشيوعيون المصريون الذين خرجوا من مصر مثل طاهر عبد الحكيم وكتابه (الأقدام العارية) أو كتاب فتحي عبد الفتاح (شيوعيون ومصريون) وغيرها من الكتب التي رصدت تجارب الاعتقال، الحقيقة هذه الفترة جعلت لدي إحساساً بالمواطنة العالمية، بدأت أحس أنني مواطن عالمي، بمعنى أنني أدرك وأعرف ما هو وضع الإنسان في العالم وأين يذهب العالم... هذا الثراء الثقافي كان من الأشياء الجميلة لهذه الفترة...
أيضاً أحب أن أشير إلى أنني لم أكن في عام 1974 العام الذي أتيت فيه إلى القاهرة وقبل عام 1972 العام الذي انتميت فيه إلى تنظيم سياسي، لم أكن أعرف كثيراً عن الإنتاج العربي المعاصر، كنت بالإسكندرية مشغولاً بالدراسة، لكن ما أن أتيت إلى القاهرة حتى انفتحت أمامي أبواب قراءة كتاب ومبدعي العالم العربي، وقد لعبت مكتبة مدبولي دوراً حيوياً في ذلك حيث كانت توفر لنا الكتب التي تبدو بعيدة المنال، فضلاً عن أن القاهرة كانت مفتوحة على العالم العربي أكثر من الإسكندرية، في هذه الفترة قرأت زكريا تامر وعبد الرحمن منيف وحنا مينا وغادة السمان وطاهر وطار ومحمد زفزاف وغسان كنفاني وإميل حبيبي بإحساس سارق النار، وعلى الرغم من معرفتي بالشاعرين محمود درويش وسميح القاسم إلا أنني لم أقرأهما بغزارة إلا في القاهرة وكذلك عبد الوهاب البياتي والسياب، بالإضافة إلى تعرفي على الأجيال الجديدة في ذلك الوقت... لقد كانت فترة خصبة جمعت فيها بين المواطنة العالمية والمواطنة العربية...
ظل العاصمة
› كيف كانت أحلامك وخططك حين جئت من الإسكندرية إلى القاهرة وكيف وجدتها وقتئذ وكيف تجدها الآن؟
 لدي حلم واحد يتملكني منذ سن الخامسة عشرة منذ بدأت أكتب أول رواية ساذجة واكتشفت نفسي كشخص موهوب في الكتابة ومنذور لها، هذه الرواية وغيرها من الكتابات الأولى لا قيمة فنية لها ولا أعرف أين ذهبت الآن بحكم كثرة تنقلاتي، هذا الحلم الرئيسي والوحيد هو أن أكون كاتباً للرواية والقصة ويقرأني الناس، وقد سخرت تقريباً كل ما قابلني في الحياة لتحقيق هذا الحلم... وأعطيك أدلة كاملة تؤكد لك مصداقية تفرد هذا الحلم في حياتي أولاً أنني هربت من استكمال الدراسات العليا في الفلسفة وجئت إلى القاهرة لاختلط بالكتاب على الرغم من أنني كنت تلميذاً نجيباً في الفلسفة وكنت أعد للحصول على درجة الماجستير في علم الجمال، ولك أن تعجب أن أطروحة الماجستير كانت في المسرح وعبارة عن دراسة مقارنة بين جماليات المسرح بين أرسطو وبريشت، وهو أمر يغري في ذلك الوقت، إلا أنني تركته من أجل الرواية، وأعرف من أصدقائي في الإسكندرية أن د. محمد علي أبو ريان الذي كان مشرفاً على الرسالة ظل حتى نهاية حياته كلما وجد اسمي في جريدة أو مجلة يذكر بالأسف هروبي من السلك الجامعي...
الدليل الثاني عندما ذهب للعمل بالمملكة العربية السعودية كان يمكن أن أستمر سنوات تحت إغراء المال، لكني بمجرد أن وجدت معي مبلغاً من المال أستطيع به استئجار شقة وليس تملكها في القاهرة عدت على الفور ولم أبق إلا عاماً واحداً، وكان جميع من يعرفني يندهش من ذلك، كنت أبحث في القاهرة عن مكان يخصني وحدي، حيث كنت أعيش مع الأصدقاء فكانت الشقة مثل ميدان مفتوح لكل عابر سبيل من الأصدقاء أيضاً، فكنت أطمح إلى مكان يخصني وحدي أستطيع أن أكتب فيه...
الدليل الثالث أنني عندما شاركت في الحركة اليسارية السرية (1972 1975) تركتها بسهولة في اللحظة التي شعرت فيها أن ميزان السياسة سوف يغلب على ميزان الأدب ولم أدخل في صراع مع أي أحد على الرغم من أن الحزب وقتها كان شبه منقسم ما بين تيار يؤيد التغيير من داخل السلطة وتيار يرى أن التغيير لابد أن يكون للسلطة كاملة ويرفض العمل من داخلها، لم أمارس في هذه الفترة أي ادعاءات واحتفظت بحبي لجميع من قابلتهم وبدا لي أني مشارك في هذا الأمر من باب العمل الوطني أكثر من أي شيء آخر... أظن ان هذه الأدلة الثلاثة ضد الإبداع، وأن أيٍّا منها يستطيع أن يغري أي أحد، لكني كنت أتألم من ضغط الرغبة في الإبداع فتخليت عن هذه الأشياء بسهولة شديدة جداً...
› أثارت روايتك الأخيرة (برج العذراء) كثيراً من الجدل بسبب العنف والجنس حيث رأى البعض خروجها عن السياق الذي تكتب فيه... كيف ترى الأمر؟
 هذا كلام صحيح إلى حد كبير، هي رواية مفاجأة، رواية نبتت في وقت من الألم الشديد وأخذت سياقها من هذا الألم، ورغم أنني حاولت أن أبث فيها شيئاً من روح الدعابة إلا أنها جاءت مثل قذيفة تشير إلى خلل في الكون أو في الحياة في كل ما يسمى بالعالم الثالث، ولكن القراءة المتأنية لها تكشف لك أنها لغوياً على سبيل المثال قد تكون وثيقة الصلة برواية قديمة مثل (ليلة العشق والدم)أو رواية (المسافات)، وإذا نظرنا إلى العجائبية التي فيها ستجد أنها موجودة في كل رواياتي السابقة بدءاً برواية (المسافات) التي كتبتها عام 1980 حتى رواية (طيور العنبر) الرواية السابقة عليها، إذن ما الذي يجعل البعض يتصور أنها خارج السياق، هو هذا الحشد القوي في اللغة وفي الجنس وفي التفتت للعالم من حولنا، ثم هي رواية حاولت أن تكون على درجة عالية من الفن في الوقت الذي لا تبتعد عن إدانة كل ما هو باطل في حياة الإنسان في العالم الثالث...
قراءات متربصة
› هل لنشر رواية (برج العذراء) في بيروت علاقة بالمناخ الثقافي والسياسي والاجتماعي الحالي بمصر؟
 مؤكد أن له علاقة لأن قراءات الأدب الآن في مصر أصبحت قراءات متربصة، وعلى الرغم من أن الحال في العالم العربي ليس أفضل، ولكن ما زلت أعيش في فكرة أن بيروت أفضل من غيرها في مساحة الحرية المكفولة في مجال النشر، والتربص الموجود في الحياة الثقافية المصرية والعربية وراءه الأفكار المتخلفة والرجعية التي ظهرت مع المد الذي نسميه خطأ بالإسلامي والأصولي، وفي الوقت الذي لا توجد فيه رقابة على الكتب المطبوعة في مصر وليس الآتية من الخارج، هناك رقابات متعددة من الناس ومن المفكرين الذين يتصورون أنهم وحدهم يملكون مفاتيح الجنة والنار، هناك كم هائل من حماة الفضيلة كما يسمون أنفسهم أو كما يدعون، مما يشي بانتشار الرذيلة، فتجد كاتباً أو مفكراً أو عضو مجلس نواب لا يرى في الدنيا إلا جملة في كتاب، في الوقت الذي لا نسمع له رأياً في الظلم الاجتماعي أو السجون أو المعتقلات أو الدكتاتوريات، ومن المحزن أن الإنسان العادي وقع في هذا الفخ أيضاً، انظر إلى فيلم (بحب السيما) وما حدث له ويحدث، وانظر إلى رواية (وليمة لأعشاب البحر) وما حدث لها، ورواية (الصقار) للكاتب الشاب سمير غريب علي الذي هاجر بعد مشكلة الرواية إلى فرنسا، انظر لما يحدث في الأردن والجزائر وغيرهما من البلدان العربية لبعض الكتاب، هذا هو السبب الأساسي لنشر روايتي خارج مصر، وهناك سبب آخر هو أنني أحب بين الحين والآخر أن أنشر كتاباً خارج مصر...
› أيضاً من أعمالك التي أثارت جدلاً ومثلت تحولاً مهماً في مسيرتك رواية البلدة الأخرى... ماذا ظروف كتابة ونشر هذه الرواية ولماذا ليست متداولة على نطاق واسع في مصر؟
 حول كونها متداولة في مصر الآن فهي نشرت في أكثر من دار نشر أحدثها دار الشروق، وظروف نشرها خارج مصر بسيطة حيث كنت عرضتها على أكثر من ناشر مصري فاعتذروا، فأرسلتها إلى الأستاذ رياض الريس فرحب بها ونشرها، بعد ذلك قابلني الناشرون المصريون معتذرين عن عدم نشرها، فقد أفلتت منهم رواية مهمة أو مربحة...
أما عن ظروف كتابتها فهي رواية وليدة خبرة وتجربة، لكن المتخيل فيها يلعب دوراً كبيراً، هي وليدة إحساس بالاغتراب العميق في المكان سواء في مصر أو في غيرها، في فترة كتابتها كنت تحت وطأة هذا الإحساس ولا أزال، لكن تجلياته تختلف، فمرة يخرج بشكل عنيف كما في رواية (ليلة العشق والدم) أو رواية (برج العذراء) مع الفارق الزمني بين العملين والذي يصل إلى عشرين عاماً، أو يخرج في شكل ساخر كما هو في رواية (بيت الياسمين) والرواية التي أكتبها اليوم مع الفرق الزمني بينهما والذي يصل إلى ثمانية عشر عاماً، أو يخرج في شكل شعري كما هو الحال في (الصياد واليمامة)، فأنا أشعر أن المكان يرفضنا بشكل أو بآخر أو أصبح مترهلاً علينا وليس لدينا القدرة على تملكه، المكان أصبح مثل الماء يتسرب من بين أصابعنا...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.