ضمن سلسلة ندوات "شهادات روائية"، استضافت دار الكتب والوثائق القومية الروائي إبراهيم عبد المجيد ليتحدث عن مشواره الإبداعي فقال: ولدت في حي "كرموز" الشعبي، وهناك ثلاثة روافد أساسية أثرت في تشكيل وعيي الإبداعي، الأول "ترعة المريوطية" حيث كنا نستمع منهم إلي القصص الخرافية عن عرائس البحر وقطاع الطرق، وكذلك "بحيرة مريوط" التي ردمت الآن وأقيم مكانها مولات تجارية، وكنا نستمع إلي الحكايات السحرية التي يرويها الصيادون، والثانية مرحلة الروضة والمكتبة المدرسية حيث كنت أتسلل من الروضة للذهاب إلي السينما التي عشقتها منذ الصغر، ومكتبة المدرسة التي قرأت فيها عيون الأدب العربي، وفي حصص القراءة الحرة قرأت قصة "الصياد التائه"، وتأثرت بها جدا لدرجة أنني بكيت، وهدأ المدرس من روعي وقال لي هذا تأليف وليس حقيقة، ومن يومها عرفت أن هناك ما يسمي بالتأليف، وكتبت أول رواية وعمري 14 عاما ونصف العام، ودخلت المدرسة الصناعية بالإسكندرية وتخرجت في قسم الكهرباء ثم واصلت دراستي إلي أن التحقت بقسم الفلسفة بكلية الآداب، فدراسة الفلسفة مهمة للروائي لأنها تعينه في فهم الحياة. ثم انتقلت للقاهرة لأنها كانت منتعشة ثقافيا وكان جيل الستينيات في أوج ازدهاره، وتركت الحزب الشيوعي المصري لأني لم أستطع مقاومة غواية الأدب، وكتبت عن تحولات الإنسان المصري في السبعينيات: "المسافات" و"العشق والدم" و"الصياد واليمام"، فالكتابة ليست موضوعا ولكنها شكل، ولكن بشرط ألا يأتي الشكل علي حساب الموضوع، فالموضوعات واحدة، ولكن الشكل مختلف، والعبرة هي: كيف تكتب؟ وليس ماذا تكتب؟ كما أردت أن أتخلص من حمولة الحزب وأي أثر للكتابة المباشرة. وعن دور الناقد قال: دور الناقد أن يكشف عن الجديد الذي يقدمه الكاتب، وقد سبقت جابر عصفور في ربط القمع بازدهار الرواية اللاتينية، فالقمع والاستبداد يدفع الكتاب إلي الكهوف وعوالم السحر للكتابة، ومطلوب من الكاتب أن يرتقي بالقواعد النقدية للأمام وليس للخلف، ثم كتبت رواية "الصيف السابع والستين" للتساؤل لماذا حدث هذا؟ ثم "بيت الياسمين" التي جاءت ذات طابع كوميدي، ثم سافرت إلي السعودية وعملت مترجما لمدة عام فقط، فكتبت رواية "البلدة الأخري" وهي رواية لاغتراب المكان بامتياز، حيث يخيم الصمت عليها ففي الخليج أموال ولكن لا توجد روح، وفي مصر لا توجد أموال ولكن يوجد روح، وبعد عودتي كتبت عن حلمي القديم "لا أحد ينام في الإسكندرية" صورت ضراوة الغارات التي تعرضت لها الاسكندرية في الحرب العالمية الثانية، خاصة أن الغارات التي سقطت علي القاهرة لم تتعد ثلاث غارات، وكتب عنها نجيب محفوظ الكثير، كما أن بورسعيد سقطت عليها غارة واحدة فقط، واكتشفت أن الإنسان المصري يتميز بأمرين الأول: اللهو ومصارعة الديكة، والثاني: التندر علي الحكام، وفي الكتابة أترك نفسي علي سجيتها ولدي إيمان خفي بأن المعايشة هي أفضل الطرق للكتابة ولدي طموح أن أكتب رواية عن انتشار الوهابية في الإسكندرية. ثم كتبت مؤخرا رواية "في كل أسبوع يوم جمعة"، حيث استخدمت تقنيات العالم الافتراضي وهي رواية زمان وليست رواية مكان. وتحدث الدكتور صلاح السروي عن إبراهيم عبد المجيد فقال: ينتمي إلي جيل السبعينيات، جيل الخديعة والنكسة الذي تربي علي الأحلام الكبيرة ولم يحصد سوي الخسران وهو لا يكتب بمعزل عن الواقع فهو يشتبك ويتورط فيه بما لا يتيح الفرصة للتعامل مع العمال دون النظر بما يحيط بها من أحداث، وأعماله نوع من المراجعة لما فات، وهو ليس روائيا فقط، وإنما مفكر أيضا ويطرح أسئلة كبري، واستطاع أن يحقق التوازن بين المعادلة الكبري بين الواقعي والجمالي ففي "طيور العنب" تناول ثورة يوليو بما لها وما عليها، وحلل نكسة يونية في رواية "الصيف السابع والستين"، وفي "الصياد واليمام" صور البطل صيادا يخرج للصيد ولكنه لا يعود حيث تحول إلي ضحية وفريسة، أما رواية "البلدة الأخري" فترصد بداية تيار الهجرة في الرواية المصرية، وقد سبقه روائيون يرصدون علاقة الشرق بالغرب كما في "عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، و"قنديل أم هاشم" ليحيي حقي و"هاتف المغيب" لجمال الغيطاني.