كان السؤال الأول مباغتا, وقد أحسست أن سكينا أغمده في قلبه حين سألته: هل تشعر بالحرج أمام أولادك وزوجة ابنك وأصدقائهم من الهجوم الشرس الذي تتعرض له منذ لحظة الإعلان عن توليك مهمة تدريب منتخب مصر؟! وقلت له: لست أستفزك أو أجرحك, فأنا أريد أن أنقل ما يجول في صدرك وما يجري في بيتك. و..... سحابة حزن مليء بالشجن تكسو ملامح شوقي غريب المدير الفني الجديد للمنتخب.. وقد انتظرت طوال زمن الحوار معه أن تغيب.. ولم يحدث. اعتدل شوقي غريب في جلسته, وأخذ وضع المحارب وكأنه يستعد لمعركة عنيفة بالحروف... وبدأ يتكلم بصوت هاديء وعقل مرتب حزين: صدقني أنني لم أفرح إلا ساعات قليلة.. فمنذ أن صدر القرار بتعييني, والهجوم يأتيني من كل حدب وصوب... وطبعا أنا متماسك جدا ولدي تحد.. ولكن قواي بدأت تخر عندما وجدت أبنائي الثلاثة يعانون أشد المعاناة لدرجة أن مدير مدرسة ابنتي يارا سألها: هو فيه أيه يا بنتي؟! أيه ده اللي بيحصل مع بابا؟! إحساس فظيع ومحزن لأني المفروض في هذه اللحظة أكون سعيدا لأني أضفت كأي أب إلي أولادي مجدا كبيرا يفتخرون به.. لم أعد أعرف ماذا أفعل؟! في بعض الأحيان أشعر بأنني مش فاهم حاجة.. ولا أدري سر الجريمة التي اقترفتها لأتعرض إلي كل هذا الهجوم.. سألت المدير الفني عن الاشخاص الذين أثروا في تكوين موقفه من الحياة.. قال: والدي غريب بيومي عبد العال... الموظف بشركة غزل المحلة... رجل من الزمن الجميل... كان فاهم الدنيا عن حق.. ووالدي الثاني هو المهندس محمد حبيب رئيس نادي غزل المحلة الذي عشت في بيته مع أولاده حتي إن أول برقية وصلتني عبر الهاتف كانت من ابنه شريف رئيس نادي المقاولون العرب الحالي, والذي كتب لي يقول: مبروك للمحلة يا ابن محمد حبيب.. وللعلم فقد أمسكت بيدي أول ألف جنيه في حياتي وأعطاها لي من جيبه الشخصي.. الله يرحمه. قلت: وراء كل منصب مهم أسرار كثيرة.. فهل من الأمانة أن تبوح بها؟! قال: كنت أحلم أن أكون المدير الفني للمنتخب, وقد أهلت نفسي لهذا المنصب منذ أعوام طويلة.. وجلس معي بالفعل اللواء حرب الدهشوري عام2002 واتفق معي علي كل التفاصيل قبل أن أسافر للحج لأجدهم بعد عودتي, أختاروا كابتن محسن صالح.. ثم كانت المرة الثانية عام2012 واتصل بي كابتن سمير زاهر ودعمني كابتن حسن شحاته, وفوجئت بعدها بالتعاقد مع برادلي الأمريكي. طلبت منه التعقيب بعد عبارة: هاني أبو ريدة! قال: أحد الأشخاص القلائل الذين يديرون الكرة فوق كوكب الأرض... وعندما يرشح أي إنسان لأي عمل تكون لديه القناعة به.. وقد كان المشرف علي منتخب الشباب الذي أدربه في بطولة العالم بالارجنتين عام2001, وكنت أول مدرب مصري وعربي يعتلي منصة التتويج لما حصلنا علي برونزية المونديال.. وحققت مع كابتن حسن شحاته3 بطولات قارية في6 سنوات وحصلت علي أعلي شهادات للتدريب في العالم.. ولهذا كله يدعمني كابتن هاني أبو ريدة. قلت مستنكرا: ولماذا أنت بالتحديد الذي يتعرض لهذا الهجوم من زملاء المهنة علي الأخص؟ قال: أنا كنت رئيسا لمنتخب مصر ولعبت97 مباراة دولية, ولولا هدفي في ساحل العاج1986 بعد نزولي بدقيقة واحدة لخرجت مصر من البطولة واعتزل من يهاجمني بهذه الضراوة الآن. سألته: هل كنت تشعر وأنت تترك تدريب المنتخب كمدرب عام أنك ستعود سريعا جدا مديرا فنيا؟ أجاب: لم أسبق الأحداث عمري, ولم يحدث أن صعدت درجتين معا... لكني أصعد السلم درجة درجة.. وقد بدأت مدربا للناشئين بالمحلة وتدرجت للفريق الأول.. وعملت مساعدا لمنتخب الناشئين مع الدكتور محمد علي صاحب الفضل علي حتي وصلت للمنتخب الأول. عاتبته.. هل كانت خيانة منك أن تترك حسن شحاته وتعمل منفردا؟!. قال: عمري الحالي55 سنة.. وقد انفصلنا كمجموعة وسافر أحمد سليمان مع كابتن حسن شحاته إلي قطر, وعملت أنا مع حمادة صدقي في سموحة, كما أن كابتن حسن سبق له, وأن رشحني للمنصب من قبل. أحببت أن أتعرف علي أخطائه التي ارتكبها من قبل كمدرب في المنتخب وندم عليها.. قال: لا يوجد مدرب ينجح علي طول الخط... وفي عام2003 كنت أدرب المنتخب الأوليمبي ولعبت3 مباريات وانهزمت فيها كلها, وكنت بالتأكيد أحد المخطئين... ودفعت ثمنا باهظا بضياع عشر سنوات من عمري. استحييت أن أتعرف منه علي موقفه من اللاعبين الكبار الذين عاصروه صغيرا في جهاز حسن شحاته.. لكني صارحته بما أفكر فيه.. قال: كرة القدم لا تعترف إلا بالمجهود والأداء.. ولدي حلم أن أحقق لبلدي كل ما يسعد شعبها لإيماني بأن كرة القدم هي الوسيلة القادرة علي إسعاد هذا الشعب. ,.............................. وبابتسامة الفلاحين الخبيثة كما يقول أهل البندر... تركت شوقي غريب يطلق سراح كل ما يعيش في عقله وقلبه من هموم وآراء وأفكار ومشاعر وأحاسيس... فتكلم في موضوعات شتي دون أن أقاطعه: (1) مقولة صلاح جاهين صحيحة جدا.. ف القمح مش زي الدهب القمح زي الفلاحين.. وأعتز بأني فلاح بسيط, لي شقيقتان.. إحداههما متزوجة من نجم الاتحاد السابق محمد عمر, والثانية تعمل بالتدريس.. ولم يحرمنا والدي من شيء بقدر امكاناته وأهم دروسه القناعة... وأظن كل الفلاحين كذلك. (2) طبعا اتابع مشكلات شركة غزل المحلة وناديها العظيم.. هذه الشركة عندنا تمثل القيمة والرمز لكل ما هو خير وجميل... ولا أحد يتصور مدي سعادتي عندما أشتري فوطة من ألمانيا وأجدها من إنتاج الشركة أو قميص من إيطاليا وأخده كذلك.. وقد لعبت مباراة الشهرة مع الأهلي وعمري16 سنة وتوليت رقابة الخطيب... ومن يومها صرت مشهورا. (3) أختي مازالت تعيش في المحلة... وأجد صعوبة نفسية في أن أزور المحلة كثيرا بعد وفاة والدي ووالدتي, وكذلك والدي زوجتي... وكل مكان أزوره في العالم أتذكر فيه المحلة و القلل الضخمة الموجودة في الملعب الذي شهد تألقي وشهرتي. (4) ابني محمد يلعب في نادي المنيا وعنده مقومات اللاعب الدولي, وأحمد كان لاعبا في مدرسة الموهوبين, وظل لمدة6 سنوات يتقاسم الغرفة والحياة مع زميليه شيكابالا وأحمد سمير فرج.. لكنه فضل أن يكون مهندسا علي اللعب.. ويارا مازالت تدرس بالمرحلة الثانوية, وهي الوحيدة التي تملك تأثيرا علي. (5) حسام البدري لم يغضب لاختياري للمنتخب الأول, وقد اتصل بي وتمني لي النجاح, وأنا واثق أن التعاون بين المنتخب الأول والأوليمبي الذي يدربه سيكون أكثر من رائع... ولا أنسي أنه رشحني للعمل كمدير فني للمنتخب عندما كان مدربا للأهلي.. ,............................. وتحت عنوان هؤلاء هم تلاميذي وأصدقائي ويشرفني العمل معهم.. تركته يتكلم: استحدثت منصب مدير الكرة ليتولاه أحمد حسن لكي نواكب الكرة العالمية.. وأثني علي خبرات علاء نبيل, ويعجبني جدا من الجيل الواعد أسامة نبيه وأراه صاحب شخصية قيادية, وأسعد كثيرا بوجود عبد الستار صبري نجم مصر السابق, وسمير عدلي صاحب الكفاءة الكبيرة.. ونال منصب مدرب الحراس الجهد الكبير مني, وكان آخر ما اخترت في الجهاز. ,.................................... ما لم يقله شوقي غريب لكنها حقائق تعيش داخله, ولا يستطيع إنكارها بينه وبين نفسه: برادلي مدرب كبير لم يحالفه التوفيق حزين من موقف جمال عبد الحميد... وقد لعبا معا أول مباراة دولية في حياتيهما أمام كينيا عام.1979 قدري... ويؤمن أن الأرزاق من عند الله. لا يشغله مصير من سبقوه من المدربين.. ويردد دائما مقولة إعقلها وتوكل. ينوي عمل رجيم عنيف ليكون جاهزا بالجري مع لاعبيه في التدريبات عندما تبدأ. ,.......................... خبر من شوقي غريب: المنتخب المصري سيعود قريبا جدا للعب مع المنتخبات العالمية. ,.......................... علي مسئولية المدير الفني الجديد للمنتخب: الجوهري أعظم مدرب مصري بوصوله للمونديال, وحسن شحاته هو الأروع للفوز بالبطولة الإفريقية3 مرات.. وكلاهما أسعد الشعب المصري. ومحمد أبو السعود وفرج عامر لهما فضل عظيم علي, ولو واصلت معهما كنت سأحقق البطولة. راتبي.. لا أعرف للآن مقداره, وأنا أتعمد ألا اسأل, ولم تكن لي شروط لأني مصري أعشق تراب هذا البلد, ولست أجنبيا لأملي شروطي. ليس لي سوي حلم واحد حاليا هو: عودة الدوري بالجمهور.